إلى أمي - عيد الأم
إِلى أُمِّي
 
أَعذَبُ كلمة أنطقها، تثير فيَّ كل المشاعر الصادقة النبيلة.
إنْ كنتِ أمامي كَحّلتُ عينيَّ برؤياكِ، وإنْ اتبعدتِ عني انهمرتْ دموعي شوقاً لِلُقْياك. كل ما فيكِ يذكِّرني بالتضحية والعطاء. حياتي الأولى كانت في أحشائك أنام على نغمات قلبك المُرْهف وأستيقظ على دقاته المتلهفة لرؤياي.

عِشت معك أشهراً تسعاً أُتعبك وتفرحين، أتحرك وعليَّ تخافين، رأيت النور للمرة الأولى بين يديك، ألقمتِني نَبْع الغِذاء يَخرج مِن دمِك وعروقك. ابتسامتُك فوق رأسي زوّدتني بشحنة دِفْء أوقدت فيَّ الأمل والرجاء.
أكبُر ويكبر حبُّك، وأَبْعُد فيَفْرُغُ قلبُك ?فَأصبَحَ فُؤَادُ أمِّ مُوسَى فَارِغاً? [القصص:10]. أنجح فتفرحين، أمرض فتمرضين، أسهر فلا تنامين.
ما أَرْوعَك أمي!

كتبوا عنك، غنَّوا لك، قدَّموا الرياحين، ما وفَّوك حقك. ما عرفتُ قدرَك مثلَما عرفتُه يومَ رُزقت ولداً فأَكبَرت مواقفَك وشعرت مشاعرَك.

الله في القرآن أثنى عليك فقال جلَّ وعَلا بعدما وصَّى بكِ: ?ووصَّينا الإنسانَ بوالدَيهِ حَمَلَتهُ أمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ وحَمْلُهُ وفِصَالُهُ [أي فِطامه] في عامَين أَنِ اشكُرْ لي ولِوَالِدَيكَ إليَّ المَصِير? [الأحقاف: 15]
وما أروعَ قولَ عيسى عليه السلام في القرآن ?وبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَم يَجْعَلْني جَبَّاراً شَقِياً? [مريم: 32].
وما أعظمَ توجيهَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم  عندما سأله الصحابي: مَنْ أحقُّ الناس بحُسْن صُحبتي؟ قال: أُمُّك! قال: ثم من؟ قال: أُمُّك! قال: ثم من؟ قال: أمُّك! قال: ثم من؟ قال: أبوك!.
رضاك يا أمي نَطلبُ، غضبَك على صحابيّ يوماً منعه من نطق الشهادتين عند الموت.

رجلٌ في الطواف يحمل أمَّه ويطوف بها، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم  هل أديتُ حقها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا، ولا بركزةٍ واحدة" أي بزفرة من زفرات الطَّلْق وآلام الوضع!

وقال رجل لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه : "إن أمي بلغت من الكِبَر والوهن أنها صارت لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مَطِيّة. هل أديتُ حقها؟ قال: لا؛ إنها كانت تفعل بك ذلك وأنت صغير وتتمنى لك عمراً طويلاً، أما أنت فتفعل بها ذلك اليوم وأنت تنتظر موتها غداً أو بعد غد".

والمُجاهد الاحتياطيّ في جيش المسلمين يُؤمَرُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم  في معركة غير "دفاعية" أن يَلزمَ أمَّه فيقول له: "فالْزَمْها؛ فإن الجنة عند رِجليها".

واليوم يا أمي:
انشغلوا بزوجاتهم وأموالهم وأعمالهم وتعالَوا عليك. خَصَّصوا لك يوماً في السنة يقدمون لك فيه هدية ونَسُوكِ كل السنة، أنشأوا لك مَبرات ودوراً للعجزة، تأففوا من مُؤاكلتك وغَسْلِ ثيابِك ونَسُوا أنك ما شبعت إلا إن شبعوا وأن الدم نزف من تحت أظافرك لكثرة ما وسخوا.

على الرأس أنت وفي القلب أنتِ وكلنا لك أنتِ ومع كل صباح ومساء أبتسم بوجهك:

رضاك يا أمي رضاك يا أمي

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين