من وحي المولد النبوي - الاحتفال بذكرى المولد

من وحي المولد النبويّ


1- (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران].
هناك فرق بين النعمة والمِنّة فالنعمة هي ما ينعم الله تعالى به على عباده أما المِنّة فهي النعمة الكبيرة التي تغيّر حالة العبد تغيراً كاملاً إلى الأحسن وهي التي ما وراءها نعمة ، وإذا ذكّرك المُنعِم بالنعمة دائماً فهي المِنّة وهذا التذكير مذموم من العبد محمود من الله تعالى.
 ذكر الله تعالى لنا منتين عظيمتين ، الأولى هي منّة الإيمان: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات] وما من نعمة أعظم من نعمة الإيمان ، وأمّا الثانية فهي المنة بولادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164] فمولد النبي صلى الله عليه وسلم منة عظيمة إذ لولا مولده لم يبعث رسولاً.
وقد ورد: "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى". والبشرى هي الخبر الذي يحتفل به.
 2- لقد حدّثنا الله تعالى في كتابه عن حياة كثير من الرسل ، وقصّ علينا عن بعضهم حوادث من ساعة ولادتهم إلى مماتهم فجعل الحديث عن ميلادهم قرآناً يتلى إلى قيام الساعة ، لقد تكرر ذلك في ذكر ولادة عدد من الأنبياء كعيسى وموسى ويحيى على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتمّ التسليم ، فإذا كان القرآن الكريم يذكرنا بمولد هؤلاء الأنبياء ، أفلا يوحي ذلك لنا أن نحيي ذكرى مولد النبي الخاتم ورسول العالمين جميعاً (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام والتذكير بآثار النبوة تثبّت الإيمان، وتلهب المشاعر ، فهي تحرك جوانحنا بالحب ، وتثير لدينا لواعج الشوق لتلك النبوة وشخصها. 


التذكير بأيام الله وبالمنن الإلهية والآثار النبوية تثبيت وتسلية وإيمان (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود:120].
3- النفس البشرية مطبوعة على تقليد المحبوب ومحبة ما يحب ، فمحبة المسلمين لنبيهم هي التي حفّزتهم لحمل الدين ونقل السنة رواية ودراسة وتطبيقاً وعملاً ، ولم يُخدم علم في الدنيا كماخُدمت علوم السنة النبوية ، لقد ذكرت شمائل هذا النبي العظيم بكل دقة حتى إن علماءنا ذكروا كم عدد الشعرات السوداء في لحيته ، ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة في حياته ، ولا شاردة ولا واردة من أمره إلا رصدوها وقيدوها.
واليوم -بل منذ زمن- انشغل المسلمون بحب الدنيا عن محبة دينهم ونبيهم فتاهت البوصلة لديهم ،  فضاع أمرهم وتسلط عليهم أعداؤهم.


هذا الحب من صميم الإيمان "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والناس أجمعين" ومن أحبّ شيئاً أكثر من ذكره ، والاحتفال بمولده يذكرنا بشمائله عليه الصلاة والسلام ويحيي مشاعرنا بمدحه والثناء عليه.
وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت لمن سبّ حسان بن ثابت رضي الله عنه "لا تسبوه والله إني أرجو أن يدخله الله الجنة بكلمات قالهن لمحمد صلى الله عليه وسلم":


هجوتً محمداً فأجبتُ عنه    وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضـــــي    لعرض محمد منكم وقاء
أتهجوه ولست له بكـــــفء    فشرّكما لخيركم افتداء
كان بعض الصحابة إذا ذكر الرسول الأعظم تأخذه العبرات فلا يستطيع أن يتمّ حديثه ، وكانوا  إذا ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام اصفرّت وجوههم من شدّة شوقهم ومن عظيم حبهم.


عندما ضعف إيمان الأمة وانشغلت بالترهات من الدنيا بدأت تنسى تاريخها وأمجادها ، ثم تنامى ذلك فيها فنسيت سير أعلام الصحابة ، ونسي كثير من المسلمين أسماء كثير من كبار الصحابة رضي الله عنهم ، وأصبحت الكثرة الكاثرة من شبابنا وفتياتنا يعرفون عن أخبار المغنين والراقصين وتفاصيل حياتهم وأحوالهم مما يحبون ويبغضون ، ومما يلبسون ويأكلون ، ما لا يعرفونه عن أبي بكر وعمر وغيرهم من أجلاء الصحابة ، عندما وصل المسلمون إلى هذا الحدّ من الزهد برجالات الإسلام أصبح لزاماً علينا العناية بكل مجلس وبكل مناسبة تذكرنا بسير أعلامنا وبصانعي أمجادنا وبمربي ذلك الجيل نبينا وقدوتنا الأولى ، فداه روحي ونفسي.


ولا شك أن من أهم هذه المناسبات ذكرى مولده عليه الصلاة والسلام ، فالاحتفال به موسم لتنشيط الذاكرة واستحضار سيرته العطرة وتجديد الأفراح والإيمان.
إذا كان للبعض تحفظ على الاحتفال بذكرى المولد فإنّ الحال الذي وصل إليه المسلمون اليوم من البعد عن دينهم لدرجة أننا بدأنا نسمع عن مرتدّين جدد في الأمة ، وعن عبدة للشيطان في شبابها وفتياتها ، وكثرت النشرات والمقالات التي تقدح بهذا النبي العظيم فتشتمه بأقبح الشتائم وتسمه بأسوأ الصفات ، كل هذا الحال يستوجب رفع هذا التحفظ عن مثل هذه الاحتفالات ومن ثمّ تفعيلها بطريقة تخدم أهداف الأمة في المحافظة على دينها وقيمها وطاقاتها.


إعداد: الشيخ محمد غياث الصباغ ـ صدى زيد

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين