المؤأمرة على السودان - بيان الرابطة حول السودان

بسم الله الرحمن الرحيم


أخيراً وليس آخراً .... المؤامرة على السودان


منذ أن سقطت الخلافة العثمانية، والاستعمار العالمي يستهدف العالم الإسلامي في عقيدته، وأمْنه، واستقلاله، وحرية قراره، واستغلال ثرواته ، ووحدة أرضه ، ولا تكاد المؤامرات  تتوقف عند حد!! ولا يكاد الاستعمار يشبع من دماء المسلمين وخيراتهم ، وتمزيق أرضهم ، وتفكيك وحدتهم ، وترسيخ تخلفهم ، وتركيع إرادتهم ، وإذلال شعوبهم ، وخلخلة أنظمتهم، والهيمنة على قرارهم ، جزّأوا عالمنا إلى دويلات، ثم جزَّأوا المجزَّأ إلى أجزاء... واليوم يعلنون مشروعهم الآثم: مشروع الشرق الأوسط الكبير ، لِيُحكموا قبضتهم على أمتنا ، ولِيمكِّنوا إسرائيل من فرض سيطرتها علينا ، ولِيُقيموا منها الشرطي الذي يتسلَّط علينا ، ويتحكم في مصيرنا.


لقد بدأوا بفلسطين فاحتلوه ، وسلَّموه لقمة سائغة لإسرائيل بوعد بلفور ، ثم مزَّقوا الصومال إلى أشلاء ، واحتلّوا العراق، ومزقوه إلى أوصال ، ثم كانت جريمتهم في أفغانستان والشيشان وغيرهما ، ودماء المسلمين تنزف ، وأرواحهم تُزْهَق ،وأرضهم تُدمَّر ، وشعوبهم تُشرَّد، ووحدتهم تُمزَّق ، وخيراتهم تُنهَب ، واستقلالهم يُعطلَّ ، وخطة الأرض المحروقة تُطبَّق ، والأسلحة الفتاكة تُجرَّب وتُطوَّر، والحروب الأهلية توقدَ لتحرق الأخضر واليابس ،وتأتي على كل إمكانية لأمتنا في التطور والتنمية والتقدم... إنها سياسة استنزاف جهنمية، لا رحمة فيها ولا هوادة، ثم يعمدون إلى عقد مؤتمر المانحين والناهبين!! لنريق وجوهنا وكرامتنا على أعتابهم، ونتحول إلى متسوَّلين.


وأخيراً وليس آخراً جاء دور السودان في مخطط الشرق الأوسط الكبير خاصَّة بموقعه الاستراتيجبي، وخيراته الوفيرة ، ومياهه الغزيرة ، وأرضه البِكر، وشعبه المسلم الحر ، وانتمائه لمحيطه العربي والإسلامي والأفريقي، وقد قدَّر المتآمرون أن السودان لو وقف على قدميه ، وتابع عملية بناء الإنسان ـ دينياً وأخلاقياً وثقافياً وعلمياً ـ ثم تمكَّن من استخراج ثرواته المخبوءة في أعماق أرضه ، وأسرع في عملية التنمية الشاملة ، وامتلك ناصية قراره الحر... كل ذلك سيجعل منه دولة محورية هامة على مستوى القارة الأفريقية ، وسيكون له ـ بالتأكيد ـ رسالته الدعوية والحضارية والسياسية ، وبالتالي سيكون له تأثيره في الدول المجاورة وفي القارة الأفريقية كلها.


وقد صرَّح بذلك الرئيس السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي ( الشاباك ) إفي ديختر فقال : إن إسرائيل لا تتدبَّر الأمر الفلسطيني فقط، بل لها نشاط في عدد من الساحات في دول أخرى. بينها السودان ، وتعتمد على الخيار العسكري، ثم على توظيف الجماعات الإثنية في السودان ، وأضاف قائلاً ـ في صراحة وتحد للمجتمع الدولي ـ : إن البعض يتساءل لماذا التدخل في شؤون السودان؟ ، في الجنوب من قبل ، وفي الغرب الآن؟؟  وجوابنا: أننا نفعل ذلك لأن السودان ظل مشاركاً دائماً ـ وفي شكل مباشر ـ في القضية الفلسطينية ، وإن السودان بموارده، وساحته الشاسعة، وعدد سكانه... يمكن أن يصبح دولة إقليمية قوية ونافذة ، ونريد أن نفوِّت عليه فرصة التحول إلى قوة إقليمية، يجب أن لا نسمح لهذا البلد ـ رغم بعده عنا ـ أن يصبح قوة مضاعَفة إلى قوة العالم العربي( ) ، وإذن فالمخطط واضح ، واليد المنفِّذة مُعلَنة ، وهي إسرائيل. فهي صاحبة المصلحة، وهي الجهة المنفِذة ، ومِن ورائها تصطف مصالح الدول الكبرى ، ومخططاتها الأثيمة ، ولا عجب بعدئذ أن تتكشَّف النوايا ويفصح العملاء عن غاياتهم ، فها هو أحد قادة التمرد يعلن ـ وبكل وقاحة ـ وعلى مرأى الملايين من متابعي قناة الجزيرة، فيقول : إنه يزور إسرائيل دائماً . ويقول : أعترف بالدور الذي تقوم به إسرائيل في دارفور ، ويعترف آخر فيقول: إنه يسعى إلى إنشاء دولة مستقلة في الإقليم( )بل إن كل واحد من قادة التمرد يطمح أن يقيم دولة، وهكذا يتحول الإقليم، ويتحول السودان إلى مجموعة دول تتحكم بها إسرائيل!!.


إن السودان ومنذ أن قامت فيه ثورة الإنقاذ /1989/ وأحس ساسة الغرب أن هذه الثورة ذات نَفَس إسلامي وإصلاحي ، ولها طموحاتها... منذ ذلك الوقت لم يتوقف مسلسل المؤامرات، وممارسة سياسة الاستنزاف من مختلف الجهات المعادية والمتآمرة ، القريبة والبعيدة ، تحقيقاً لجملة أهداف وغايات ، علماً أن السودان كان وشيك السقوط، وإعلان الإفلاس مالياً وعسكرياً  وإدارياً تحت ضربات المتمردين في الجنوب وغيرهم من القوى المعادية والمتربصة في الداخل والخارج ، وسلَّم الله السودان ووحدة أرضه، واستمر صامداً ثابتاً صابراً قوياً عصياً على المؤامرات والمكائد التي لم تتوقف، ولن تتوقف....


لقد حوصر السودان طويلاً في كل شيء ، وإن الباحث المتابع ليعجب كيف صبر السودان؟ وكيف صمد؟ وكيف بقي؟ لولا عناية الله ولطفه، ولولا تكاتف شعب السودان وحرصه على وحدته واستقلاله وحرية قراره.
حاصروا السودان بكثير من دول الجوار ـ ذات الولاء الغربي والصهيوني ـ.
حاصروه اقتصادياً؛ منعوا عنه كشف مخزونه من البترول والتنقيب عنه ، بل منعوا تصدير البترول إليه ليوقفوا عملية التنمية فيه حتى اضطر أن يؤمنه تهريباً من عرض البحر ، علماً أنه يملك مخزوناً هائلاً منه ، ولكنها شركات التنقيب الأمريكية التي أحكمت إغلاق ما اكتَشَفَت من آبار، وزعمت كذباً أنه لا يوجد ،ولكن السودان تحداهم وكشف عنه ـ بحمد الله وتوفيقه ـ .


حاصروه عسكرياً بمخططات عدوانية شاركت فيها بعض  دول الجوار .
حاصروه داخلياً بتشجيع حركات التمرد ، يوماً في الجنوب ، ويوماً في الشرق ، ويوماً في الشمال ، ويوماً في الغرب ، أمدوهم بالمال والسلاح ، حتى طائرات الإغاثة شاركت في تهريب السلاح للمتمردين ، فضلاً عن حركات التنصير (التبشير) التي أسهمت هي الأخرى في حَبْك المؤامرة.


حاصروه سياسياً بتلفيق التهم والأكاذيب ، اتهموه بدعم الارهاب ، وإيواء الارهابيين ، وقصفوا من أجل ذلك مصانع الدواء ، فلم يجدوا مما زعموا شيئاً ، تماماً كما فعلوا في تبرير احتلالهم للعراق، ثم اعترفوا أنهم كذبوا على العالم، وأن الاتهامات كانت مختلفة لا أصل لها.


إن رابطة علماء سورية المستقلة ، إذ تعتبر أن هذه المؤامرة واحدة من مؤامرات الصليبية العالمية، ومن ورائها الدول الكبرى وإسرائيل، لَتناشد قادة الأمة وعلماءها وشعوبها أن ينَّتبهوا لهذا الخطر الداهم ذي الأبعاد الواسعة، والأهداف الخبيئة، والإمكانيات الهائلة. ولا يظنَّنَّ أحد من القادة والرؤساء أنه إن سكت أو رضي في الخفاء ، أوشجب لمجرد الإعلام ، لا يظننَّ أنه سينجو من المخطط القادم الأثيم، الذي يستهدف عالمنا الإسلامي والعربي، ويستهدف وحدتنا واستقلالنا وخيراتنا، ومقومات وجودنا وتطلعاتنا لمواكبة الحضارة والتقدم. إنه يسعى جاهداً لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، وفي مقدمته : تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى، لأنها عندئذ ستكون الضامن الوحيد والشرطي الوحيد، لإحكام قبضة الغرب على العالم الإسلامي .


كما أن الرابطة تناشد منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الأفريقية ، ومنظمة دول الحياد الإيجابي والجامعة العربية ، وكافة القوى والمنظمات أن تقف الوقفة القوية القادرة على مواجهة التحدي، وإفساد ما يحيك أعداؤنا من مؤامرات، وفي رأسها هذه المؤامرة التي تستهدف رأس السودان ورمزها المشير عمر حسن البشير ، بما نسبوا إليه كذباً من جرائم الحرب، وما أصدرته محكمة الجرائم الدولية من قرار التوقيف!! في الوقت الذي يتناسَوْن ويتجاهلون جرائم قادة إسرائيل، وما ارتكبوه من فظائع وأهوال في غزة، شهدها العالم على شاشات القنوات الفضائية وتحرَّك مستنكِراً ما حدث ، مطالِباً برءوس قادة إسرائيل وتحويلهم للعدالة ـ إن كانت ثمة عدالة لدى المنظمات الدولية ـ التي أحكموا السيطرة عليها، وتسييس قرارها، وفي رأسها مجلس الأمن ..!! وصدق الله القائم في محكم التنزيل:[ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا] {البقرة:217}  .


11/ربيع الأول/1430                           الأمانة العامة للرابطة
8/3/2009

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين