يوم الحب ويوم الكذب

 إني ليتملَكُنِي العجبُ من عاداتِ بعضِ الناس، يحتفلون بالحُبِّ في يوم من أيام السنة، يتبادلون خلاله الهدايا والزهور، ثم يتبعونه بيوم آخر يخصصونه للكذب، ويتفننون في إتقانه وإشاعته.

 فهل يكفي الحُبَّ _ إن صدقوا في دعوتهم له _ يومٌ عابر تنبض فيه القلوب، وتفتر فيه الشفاه، وتهدى خلاله الزهور؟، ثم ينقضي هذا اليوم، فتجْمُد بعده القلوب بين الجوانح، ويذهل بعدها الحِبُّ عن حبيبه.

 أم هل يحتاج الكذب إلى تخصيص يوم له؟ يذيع ويشيع الكذب فيه بين الناس بكل أنواعه: المقروء، والمسموع، والمصنوع، وذلك لأن الكذب لم يأخذ حظه الكامل من الناس، فكان لا بد من إنصافه واختصاصه بيوم يكون فيه هو الأصل، وما زاد بعد ذلك فنافلة.

ألم يكفِ الكذبَ ما يدور بين بعض الأزواج من زيف العواطف والكلام المعسول الذي يجعلها تظن أنها ليلاه، وهو قيسها، وفي حقيقة أمره ربما تمنى لها الموت اليوم قبل غد، كما قال قائلهم: 

لقد كنت محتاجًا إلى موت زوجتي    ولكنْ قرين السوء باقٍ معمرُ     

 فيا ليتها صارت قريبًا لقـبرها              وعذبـها فيه نكـير ومَنْكَـرُ

فلو كان الحب صادقاً، والإيثار موجوداً، فلمَ هذا الكمُّ الهائل من المُشكلات الأُسْرية، والنسبة العالية من الطلاق؟.            

وانظروا إلى الكذب في ميدان العمل، فالعامل يتملق صاحب العمل، ثم يغشه ولا يخلص في عمله، وانظرو إلى الصديق مع صديقه، تمتد الصحبة بينهم سنين طِوالاً، ويظهر بعدها الزيف والكذب، فلا صدق في المودة، ولا حفظ للغَيْبة، ولو رحتُ أعدد لكم ألوان وصور الكذب في حياتنا لضاق بنا المقام، ولكن الذي أريد أن أقوله بعد كل هذا، هل نحن بحاجة إلى يوم للكذب، الجواب بالتأكيد :لا، نحن بحاجة إلى تخصيص يوم للصدق، يتجنب فيه الناس الكذب، فلا يقولون إلا حقًا، ويتعاملون بنصح بلا غش، وبإخلاص دون زيف0

        ثم أخبرونا أيها الناس لماذا تجعلون يومًا للحب أولاً، ثم تتبعونه بيومٍ للكذب بعده، فهل هذا هو الترتيب المنطقي لظهور زيف العواطف، حيث يكون الحب كله في شباط( فبراير)، ثم يظهر الكذب في أول نيسان (إبريل)، فأخشى ما نخشاه أن يكونَ تقليدُنا لكل ما يَفِدُ إلينا من الخارجِ  يقودنا إلى أن يصبح الحبُّ المغشوشُ، والكذبُ الأبيضُ والأسودُ من طبائعِنِا، ولله درُّ من قال :

يومَ سنَّ الفِرَنْجُ كِذْبَةَ إبْرِيلَ                غَدَا كُلُّ عُمرِنِا إبْرِيْلا 

ولا تظنوا أنّا بلا قلوبٍ أو عواطفَ، نريد غلْقَ الأبوابِ أمامَ نسماتِ الهوى، فنَمْنَعْهَا الدخولَ، كلا بل نريد حبًا صادقًا لمن هو أهل لهذا الحب، ولمن شُرِع له هذا الحب، ونريد عواطف خالصة صادقة لمن يستحقها، فهل نبضت قلوبٌ بالحب كما اهتاجت به جوانحنا؟، وهل شَدَتْ ألسنة بالحب كما صدحت به أشعارنا؟، ولا يوجد أدب من الآداب العالمية أخذ فيه الحب اهتماماً ومكانة كما هو الحال في أدبنا العربي.

 لكننا لا نريد أن نسجن الحب في قالب من الحلوى يكون مستقره البطون، أو في زهرة ذابلة تكون نهايتها حيث تعلمون، وعلامَ أذهب بكم بعيداً أيها القراء فلأُوجز لكم القول في كلمتين: لا نريد قلوباً جافةً لا يعرف الحب إليها سبيلاً كما أنا لا نريد خَنا يملأُ الأفئدة يزعم أصحابه أنه حبٌّ، بل نريد قلوباً عامرة بالحب المشروع الصادق.

نشرت 2009 وأعيد تنسيقها ونشرها اليوم 4/3/2019

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين