إسرائيل تحفر قبرها - بركان الغضب المزمجر

إسرائيل تحفر قبرها

26/1/1430


سعيد رمضان البوطي


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:
صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود فيقتل المسلمون اليهود حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود". أيها الإخوة: لاشك أن في الناس من إذا سمع هذا الحديث ذهب به العجب منه مذهباً قد يوصله إلى الإنكار، لعله يقول: ما شأن الحجر والشجر وما علاقته بما يفعله اليهود وليس له من شعور بشيء من ذلك؟ ولكني أقول لكم: إذا أراد الله شيئاً هيَّأَ أسبابه. إذا لم يحن بعد وقت ظهور الشيء الذي أراده الله عز وجل وسمعه الناس غيباً ربما عجبوا منه واستبعدوه لأن الله عز وجل لم يهَُيِّئ أسباب هذا الأمر بعد، ولكن عندما يخلق الله مقدماته ويهيِّئ أسبابه يزول العجب. أرأيتم لو أن في الناس قال قبل سنوات: إن الغرب بشطريه الأوروبي والأمريكي سيثور على الصهيونية العالمية وعلى إسرائيل ولسوف يتخذ من كلٍّ منهما موقف المؤدب والزاجر إذاً لذهب العجب بهؤلاء الناس أيضاً إلى حدِّ الإنكار ربما، ولربما قال قائل: الغرب يقف من إسرائيل والصهيونية العالمية موقف الثائر المؤدب ونحن نرى أن الغرب ليس إلا خاتماً ذليلاً في إصْبِعِ إسرائيل تفعل بهذا الخاتم ما تشاء وتقلبه كيفما تريد! ولكني أعود فأقول لكم: إذا أراد الله شيئاً هيَّأ أسبابه ومن ثم يزول العجب.
إنكم تعلمون أن الشارع الغربي كان ولا يزال يستبطن كراهية ما مثلها، لا أقول للصهيونية العالمية وإسرائيل فقط بل لليهود قاطبة، ولكن الرجل الغربي لم يكن قادراً على أن يبوح بهذه الكراهية ذلك لأن السياسة التي زمامها بيد الصهيونية العالمية كانت تكمم الأفواه، وكانت تمنع الإنسان الغربي من أن يبوح بغيظه وبكراهيته الشديدة للصهيونية العالمية ولإسرائيل ولكني أقول مرة ثالثة: إذا أراد الله شيئاً هيَّأ أسبابه. لقد سمعت كل ذي أذن ورأى كل ذي عينين الوحشية الضارية التي تزلزل لها دماغ التاريخ وفكره، هذه الوحشية التي لم يكن في العالم كله طاغٍ أو باغٍ يستطيع أن يضرب بها المثل الأعتى الذي ضربت به إسرائيل اليوم. ها أنتم ترون كيف تحولت غزة إلى نهر من الدماء تعوم فيه أشلاء الأطفال، أشلاء النساء، ها أنتم سمعتم وربما رأيتم كيف أن رجالاً من رجال الدين كانوا يباركون هذا الإجرام الوحشي الذي تزلزل له كيان التاريخ كله، هذه الوحشية ضجَّ لها الشجر والحجر أجل، ضجَّ منها الشجر والحجر وكان ذلك سبباً أو مقدمة بين يدي الحقيقة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، نظرنا وإذا بالأمر البعيد أصبح قريباً، وإذا بالشأن العَجَب أصبح أمراً طبيعياً، نظرنا إلى الإنسان الغربي وإذا بالكراهية التي كانت دفينة وراء صدره أصبح يزمجر بها في كل صعيد، إذا بالغيظ الذي كان كامناً بين جوانحه وأعود فأقول لكم، أقول هذا عن الغرب بشطريه الأمريكي والأوروبي، عادت الأفواه تنطق وتعلن عن هذا الغيظ الكامن، عن هذه الكراهية، أجل هذا الذي رأيناه وسمعناه، كانت السياسة من قبل تكمم الأفواه ولكن بركان الغضب فَجَّر هذا السَّدَّ السياسي، لم تعد السياسة تستطيع أن تكمم فماً ولم تعد تستطيع أن تمنع الشارعَ الغربي من أن يستعلن بمشاعره التي كانت وظلت إلى أمدٍ ما خفية. هذا الذي نراه أمامنا اليوم يا عباد الله يجلِّي لنا حكمة رب العالمين إذ يقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: من الآية251ٍ]، وكم وكم وراء هذه الجملة البليغة القرآنية من معانٍ يضيق الوقت عن بيانها، ولكن الأحداث ستكشفها وتضع منها النقاط على الحروف. الشجر والحجر لقد ضجَّ كلٌّ منهما من الوحشية التي لا يستطيع البيان أن يصفها، يذوب البيان قبل أن ينطق به اللسان، أجل، ومن قال: إن الشجر والحجر لا يملكان شعوراً؟ إذا طفَّ الصاع وتحولت الوحشية أو الإجرام إلى هذه الحال التي يذهل لها التاريخ فإن الأمر يهم الشجر ويهم الحجر، وصدق الله عز وجل القائل: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[الحشر: من الآية21]، وصدق الله عز وجل القائل: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: من الآية74]، هذا البيان الإلهي يكون غريباً عن الأذهان وعن الأسماع ولكن عندما يحين تنفيذ الله عز وجل لوعده يتحقق المناخ الذي يقرب البعيد والذي يجعل الأمر العجيب أمراً كما قلت لكم طبيعياً.
أقول لكم وأنا المسؤول عن هذا الكلام: لن تجدوا الغرب بعد اليوم يخفي مشاعره تجاه هذا العدو الأرعن للإنسانية بل للجنس البشري، لقد أخفى مشاعره وصبر أمداً من الزمن إذا كان قُفْلُ السياسة هو الذي يكمم فمه لكن بركان الغضب المزمجر تغلب اليوم على أقفال السياسة الغربية كلها، ومن هنا فإن العقلاء كلهم يعلمون أن إسرائيل فما فعلت إلى الأمس في غزة مما تعرفون ومما لا أريد أن أصفه إنما كانت تحفر بذلك قبرها ولسوف يدفنها الغرب في هذا القبر، عَلِمَ ذلك من علم وجهله من جهل. وهذا الذي أقوله لكم هو الذي يزيل العجب ويزيل الاستغراب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتل المسلمون اليهود حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود". العجب مما فعلت إسرائيل يكافئ العجب مما قاله رسول الله، العجب من هذا الذي أقدمت عليه إسرائيل ليس أقلَّ أبداً من العجب الذي أنبأ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ينطق الشجر وينطق الحجر ثائراً على هذه الوحشية يهيب بالمسلم أن يقوم فيثأر للعدل، يثأر للإنسانية، يثأر للطفولة، يثأر للدماء الزكية، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها، وينبغي أن نزداد إيماناً بكل ما أنبأ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم.
أما بعد فيا عباد الله إنكم لترون الخطر الأعظم الذي يطل عليها من سماء الله عز وجل والذي ترون دلائله على أرضنا هذه، المياه الجوفية غارت أو كادت، وبردى جف وأصبح أرضاً يابسة قاحلة، ويَنبوع الفيجة يتقلص يوماً إثر يوم فما أنتم فاعلون يا عباد الله إن غارت مياهكم وإلى من تلجؤون آنذاك. أقول هذا من أجل أن نخترق، مرةً أخرى أستعمل هذه الكلمة، من أجل أن نخترق حاجز الغفلة عن الله، حاجز الغفلة عن هويتنا عبيداً مملوكين لله سبحانه وتعالى قبل فوات الأوان، أقول هذا من أن أجل أن نؤوب ونتوب إلى الله عز وجل، ذلك لأن علماء الشريعة جميعاً قالوا وأكدوا أن مياه السماء لا تُحْبَسُ إلا لسبب واحد أو لسبب رئيسي واحد هو الظلم، عندما يشيع الظلم في المجتمع، وعندما تُهْدَرُ الحقوق وتُضَيَّعُ لأصحابها عندئذٍ يطل هذا الخطر على تلك الأمة أو ذلك المجتمع فإما أن يرْعَوِيَ أفراد ذلك المجتمع قبل فوات الفرصة ويؤوبوا ويتوبوا ويردوا المظالم والحقوق إلى أصحابها أو يظلون سادرين في غيهم وغفلتهم، وعندئذٍ سيأخذ هذا البلاء منهم بالخناق {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30]. قلت لكم بالأمس وأقولها اليوم أيضاً يا عباد الله إن الله عز وجل يحب العدل ويثيب عليه إن في الدنيا أو في الآخرة وإن كان العادل كافراً ويكره الظلم ويعاقب عليه إن في الدنيا أو في الآخرة وإن كان الظالم مسلماً أو مؤمناً، هذه حقيقة أنقلها إليكم من بيان الله سبحانه وتعالى وما أجمعت عليه أمتنا الإسلامية، فيا عباد الله لم يفت الأوان بعد، تعالوا وأنا أخاطب نفسي أولاً، تعالوا نتب إلى الله من ذنوبنا لاسيما الذنوب التي حَمَّلَتْنَا حقوقاً للعباد، تعالوا نتب إلى الله، تعالوا نرد المظالم، تعالوا نرد الحقوق إلى أصحابها وإلا، إن لم نتب إلى الله عز وجل توبةً نصوحاً وظللنا على هذا النهج راكبين رؤوسنا سادرين في غفلتنا فإني أخشى أن يتحول الإنذار إلى واقع، وإني أخشى أن نستيقظ ذات يوم وإذا بهذا الينبوع الذي كان ولا يزال يكرم الله به عباده ماءً نميراً إذا به قد جفَّ، ما أنتم فاعلون آنذاك. بلغوا هذا الذي أقوله لنفسي أولاً ولكل منكم ثانياً لكل إخوانكم، لكل من يريد أن يرفع البلاء عن هذه البلدة وهذه الأمة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين