بشراكم النصر أيها النشامى المجاهدون في غزة - بشراكم النصر

بشراكم النصر أيها النّشامى المجاهدون في غزّة


 [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا(9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا(10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11) وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا(12) ]. {الأحزاب}. في مقابل المؤمنين  [الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ  فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ].
يقترن ـ بحمد الله وفضله ـ هذا التجديد للموقع بتعرّض جيش العدوّ الإسرائيلي إلى أكبر هزيمة مخزية ذليلة ـ في تاريخه ـ على يد الأشاوس البواسل الشجعان من الفتية المؤمنة من شباب « حماس والجهاد الإسلامي » بعد ثلاثة وعشرين يوماً من العدوان الآثم، والحرب الطاحنة، والأسلحة الأمريكية الفتّاكة ـ التي لم يسبق استعمالها ـ والطائرات العملاقة التي كانت تقذف الحِمَمَ على المساجد والمدارس والمستشفيات والمجمَّعات الحكومية، تدمّرها على رؤوس مَن فيها ـ أطفالاً وشيوخاً ونساء ومدنيين... عزَّلاً لا يملكون سلاحاً، ولا يحركون ساكناً، لكنها الهجمة الوحشية البربريّة اللاأخلاقية واللاإنسانية.. وتؤزُّ إسرائيل في ذلك القوى الحليفة من قوى صهيونية وصليبية وعلمانية غربية وعربية، يجمعهم الحقد على الإسلام ودعاته...
وإنه لموقف يذكّرنا بغزوة الأحزاب، حين اجتمعت على العصبة المؤمنة في المدينة المنورة: أحزاب الشرك واليهود والنفاق في الداخل والخارج، وأحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، يريدون استئصال شأفة الإسلام والقضاء عليه... ونَصَرَ الله رسوله والمسلمين ـ رغم هذا الحشد الضخم من الأعداء ـ .
والتاريخ اليوم يعيد نفسه، فقد تألّبت كل قوى الشرّ والظلم والطغيان على أهلنا في غزّة، حاصروهم أولاً، فأغلقوا عليهم المعابر، وأقاموا الجدار العازل، وسدّوا المنافذ، ومنعوا عنهم الطعام والشراب والدواء والسفر، ثم هاجموهم براً وبحراً وجواً بأفتك الأسلحة، وأقوى القنابل، وأعتى الصواريخ، وأحدث الطائرات، لكنّ إيمان أهل غزّة، وصمودهم، وتشبثهم بالأرض، وشجاعة فرسانها، واستبسال مجاهديها، وعون الله ومدده مِن قبل ذلك، جعل سهام العدوّ ترتدّ إلى نحره، وجعل خطط العدوّ تبوء بالفشل. وكان نصر الله، وكانت الهزيمة والخزي والعار لجيش العدو، ومَن تحالف معه، ومَن أعانه وأمدّه بالمال والسلاح، ومَن تجسس له، وخان أمته ودينه.
حقاً إنَّ مجاهدينا في غزّة قد صنعوا تاريخاً إسلامياً جديداً ـ لَشَدَّ ما تاقت الأمة له ـ ، وإنهم ليؤسِّسون مَجْداً إسلامياً جديداً، سيكون له ما بعده ـ إن شاء الله تعالى ـ .
كيف لا يكون نصراً عظيماً؟ وقد راهن أعداء الله على القضاء على الحكم الإسلامي في غزّة، واستئصال شأفة حماس، وتركيع قادتهم واستسلامهم، فأيّ شيء من ذلك قد تحقّق حتى يزعم العدوّ ـ كاذباً ـ النصر؟!. لقد دمّروا الحجر، وهدّموا المساجد والمدارس والمستشفيات، وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزّل، وسمَّوا هذا نصراً !!.
لقد جُنّ العدوّ لهذا الثبات، وهذا الصمود، وهذه الإرادة، وهذه الشجاعة...، وظنّ العدوّ أن أهل غزّة ومجاهديها سيستسلمون من الساعات الأولى، كما حدث عام 1967م، حين استسلمت ثلاثة جيوش عربيّة في خمس ساعات، وسلّموا ثلاث جبهات هي: سيناء، والجولان، والضفة الغربية، أو كما استسلم الجيش العراقي أمام الهجمة الأمريكية، وسلّم بِفِعل الخونة بغداد والعراق نهباً للمجرمين والوحوش من الأمريكان الغزاة وأحلافهم.
ثلاثة وعشرون يوما بليلها ونهارها، وغزّة تُقذَف براً وبحراً وجواً بأسلحة محرّمة دولياً، حديثة الصنع، تُجرَّب لأول مرّة، وتختبر أمريكا قوّة فتكها وتدميرها المتوحّش، وأهلنا في غزّة صابرون صامدون، يبذلون الغالي والرخيص، يُفدُّون دينهم وبلدهم وكرامتهم ومجاهديهم وحركتهم الإسلامية بالمهج والأرواح.
يتقدّم الآباء والأمهات في أرض المعركة وراء القادة والمجاهدين، ثم يتنافسون في تقديم المزيد من أبنائهم وبناتهم ،  [وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا(22) مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(24) ]. {الأحزاب}.
إن هذه الأيام التي قضاها أهل غزّة في مواجهة اليهود وأحلافهم ـ أحسب أنها من أيّام الله، ولا أتألّى عليه سبحانه ـ  إنها تحكي صفحة رائعة من تاريخ الجهاد والمجاهدين، خاصّة وأنّ العدوّ قد أعدّ للأمر عدّته، وجهّز نفسه للمعركة البريّة، ودرس وحلّل أسباب هزيمته في جنوب لبنان حتى لا تتكرر في غزّة، ولكن الله تباركت أسماؤه علم من إيمان أهل غزّة واعتزازهم بدينهم وشريعة ربهم ما أهّلهم لنصره وتأييده وتثبيته:  [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] {النور:55} 
وبعد: ماذا جنى أهل غزّة حتى يُنزل بهم أعداء الله مجتمعين هذا الزلزال المدمّر، وهذه الحرب البربرية الوحشيّة الهمجيّة؟!!
هل حقاً إن إسرائيل ذات القوّة العسكرية الرابعة على مستوى العالم تخوَّفت من صواريخ قسام التي تطلقها حماس بين الفينة والأخرى؟ والتي لم تقتل إلا عدداً محدوداً منهم، لا يزيدون عن عشرة، ولم تجرح إلا مائة، ولم تهدم من الجدران والبيوت إلا القليل النادر؟!.
 وهل حقاً إنَّ إسرائيل ذات التاريخ الأسود في العدوان الآثم والمذابح الهمجية كانت راغبة في تحقيق التهدئة وديمومتها، لكن حماساً رفضتها ولم تقبل بتمديدها. فأشعلت إسرائيل الحرب تحت هذه الذريعة؟! متى التزمت إسرائيل بالتهدئة؟ ومتى أوقفت مذابحها خلال تاريخها الأسود؟ ماذا نذكر هذه المذابح؟! مذبحة «دير ياسين»، مذبحة «صبرا وشاتيلا»، مذبحة «قانا»، مذبحة «نابلس»، مذبحة «جنين» ... مذابح لها أول وليس لها آخر، يسترخصون دماء شعبنا في فلسطين ليفوزوا بالانتخابات ولو على جماجم أهلنا في غزّة. كلهم ذلك الرجل المتوحّش الذي يراهن على دماء العُزَّل من أهلنا، ليصنعوا أمجاداً وهمية، وانتصارات كاذبة، يخدعون بها شعبهم، ويُرهبون بها شعوب العالم وقادتهم.
وهل حقا إن إسرائيل كانت تدافع عن نفسها، وأنها في معركة مبرّرة دفاعية كما كذب السياسيون في أوروبا وأميركا بكل صفاقة ووقاحة وافتراء؟ لكنه الكفر والحقد والكذب :  [وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا] {البقرة:217}
لماذا يوارون في الحقيقة؟ ولماذا يفترون على الشعوب؟ ألم تصرّح إسرائيل ووزيرة خارجية أمريكا ورئيسها بوش ومَن وراءهم من خونة العرب: (المطلوب رأس حماس، ورأس المقاومة الإسلامية في غزّة ).
ثم ماذا جنت حماس؟ ولماذا تستهدف على هذه الصورة المتوحّشة؟ ولماذا تتألّب وتتكالب عليها قوى الشرّ صليبية وصهيونية وعلمانية، عالمية ومحلية؟
هم يعرفون والعالم كلّه يعرف أن حماساً فازت في انتخابات حرّة نزيهة أشرفت عليها هيئات وشخصيات دولية.
هم يعرفون والعالم كلّه يعرف أنَّ حكومة حماس انبثقت عن مجلس تشريعي، ونالت ثقة البرلمان الفلسطيني.
هم يعرفون والعالم كلّه يعرف أن حكومة حماس تسلّمت الميزانية خاوية بعد أن نهبها رجال السلطة باعتراف بوش حين قال: إن نتائج الانتخابات تدلّ على أن شعب فلسطين حجب ثقته عن الفاسدين المفسدين.
هم يعرفون والعالم كلّه يعرف أن حكومة حماس حقَّقت في فترة حكمها الأمن، وضبطت النظام، وساست الأمور بالعدل والشورى.
هم يعرفون والعالم كلّه يعرف أن حكومة حماس وشعب غزّة حوربوا في الداخل والخارج، وحوصروا، ومُنِع عنهم الطعام والشراب والدواء والسفر والعلاج حتى يركعوا ويستسلموا ويرفعوا الراية البيضاء، لكن الشعب وحكومة حماس وقفوا كالطود الشامخ جبهة واحدة متراصّة في وجه المؤامرة الشرسة. ورغم آثار المعركة الهمجية البربرية والمذابح الدامية، وكثرة الشهداء والجرحى، والتدمير الذي جعل أهل غزّة بأكثريتهم يعيشوا في العَراء، ومع ذلك فإنهم صامدون وراء حكومتهم، ثابتون وراء مقاومتهم، راضون بقضاء ربهم، رغم مأساتهم المرّة... إذن أين مشكلة الطغاة مع حماس وأهل غزّة؟.
المشكلة هي ما عبّر عنها القرآن الكريم بكلّ جلاء ووضوح، وإنه الإعجاز القرآني الدائم المدهش: [وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ] {البروج:8}
[قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ] {المائدة:59} [يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ] {الصَّف:8}

25/1/1430هـ    الأمين العامّ لرابطة علماء سورية المستقلّة
22/1/2009م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين