رسائل الإصلاح 1 - إحياء دور العلماء الربانيين في الأمة الإسلامية
رسـائـل الإصـلاح
( 1 )

د. موسى الإبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
• دعوة إلى إحياء دور العلماء الربانيين في الأمة الإسلامية:
أخي الحبيب طالب العلم الشرعي، وفقك الله ورعاك، لنذكر معًا المعاني التالية:
1. إن طلاب العلم الشرعي بله العلماء الربانيين يحملون أمانة ومسؤولية عظيمة لا يسأل عنها كثير من الناس، ولا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها، ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب.
2. ولقد كان العلماء الربانيون على مر الأيام رواد الأمة الإسلامية ومشاعل الإصلاح فيها، كما كانوا بناة الأمجاد وأعمدة الحضارة، وما عهدت الأمة علماءها إلا في الطليعة، وخاصة عند اشتداد الكروب وحلكة الظلم وشيوع الفتن والأهواء وتفشي الظلم والاستبداد.
3. إنهم نعم الملاذ والسند، ونعم الحُداة والقدوات الصالحة الذين حفظ الله بهم هذه الأمة، بل حفظ بهم دينه وشريعته، وكانوا ستارًا لقدره في خلود الرسالة الإسلامية وصفائها ونقائها على الأيام.
4. ولنذكر من أولئك الربانيين مُثُلاً لعل الهمم تعلو بتذكرهم وترتفع وتسمو، وهل ينسى أحد ما خلفه أمثال معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبيّ بن كعب وابن عباس وابن مسعود والحسن البصري وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والثوري والأوزاعي ومالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد والعز بن عبد السلام والنووي والغزالي والشاطبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والذهبي.
5. أم هل ينسى أحد أدوار العلماء الربانيين المعاصرين أمثال مصطفى صبري والأفغاني ومحمد عبده والبنا وسيد قطب وبدر الدين الحسني وحسن الحبنكة الميداني وعبد الكريم الرفاعي والحامد والحصري والسباعي وسعيد حوا وأبو غدة والمودودي والندوي وابن باديس والإبراهيمي وغيرهم كثير كثير رحمهم الله.
6. لقد ترك هؤلاء وأمثالهم بصمات حية في تاريخ هذه الأمة ماضيها وحاضرها، وحفروا في التاريخ خطوطًا لا يأتي عليها الزمن إلا بالحضارة والذكر الحسن والإكبار والتمجيد.
7. أخي الحبيب..
أين نحن اليوم من هؤلاء الأخيار الأطهار؟ ماذا صنعنا في الأمانة العلمية التي حملناها بعدهم؟ وماذا حققنا لأمتنا من الإنجازات؟ وما هي الآثار التي نخلفها لمن بعدنا؟ وأين طلابنا الذين أعددناهم لحمل الرسالة التي حمّلنا إياها مشايخنا وأساتذتنا رحمهم الله.
8. إنها تساؤلات جدير بنا أن نقف عندها وقوفًا طويلاً، وأن نفكر بجد كيف وبماذا سنجيب عليها أمام الله تعالى ثمّ أمام الأجيال والتاريخ؟
9. أخي الحبيب..
من هنا أدعوك إلى لنساهم جميعًا في إحياء دور العلماء الربانيين في الأمة لإعادة روحها ووعيها ومكانتها بين الأمم، مكانة الريادة والقيادة والشهادة.
10. وإنها لمهمة صعبة تحتاج إلى رجال عظماء مخلصين متجردين، يهبون لرسالتهم أغلى أوقاتهم وأثمن أموالهم وكل اهتماماتهم، رجال يعيدون سيرة السلف الصالح من جديد، يرى الناس فيهم أخلاق العلماء الربانيين صلاحًا وإخلاصًا وصدقًا وتعاليًا على الدنيا، وفناءً في العمل والبذل والعطاء والبناء، لا يرجون من أحدٍ جزاءً ولا شكورًا.
11. إن أولى المرشحين لهذا الدور ولتلك المهمة هم حملة العلم الشرعي الذين فقهوا عن الله مراده وعرفوا مقاصد الشريعة وروحها وأصولها وقواعدها وضوابطها وموازينها.
12. ولن يعفى طلاب العلم الشرعي من القيام بهذا الدور، ولا خيار لهم في ارتياد الطريق الصعب اللاحب الطويل وتحمل مشاقه ومفازاته، لأن الله تعالى قد اختارهم لهذا الدور ولحمل تلك الرسالة، وهذا قدرهم وإنه لشرف لهم أن يكونوا كذلك.
13. فأين نحن أيها الأحبة من هذا الواجب؟ وهل أعددنا أنفسنا لتلك المهمة حقًا؟ أم أننا أنخنا أنفسنا تحت مطامع النفس وملاذ الحياة وشهواتها، واتخذنا العلم والشهادات سبيلاً للقمة العيش والارتزاق لا سمح الله؟
14. إنها قضية تحتاج إلى مصارحة ومكاشفة، فالأمر جد، والخيار صعب، والصراع محتدم بين الإسلام والجاهلية، بين الحق والباطل.
15. وإن دعاة العولمة وقادة النظام العالمي الجديد جادون في سحق هذه الأمة وسلبها هويتها وخصوصيتها الحضارية.
وإنهم يتخوفون غاية الخوف من الصحوة الإسلامية وامتدادها، ومن عودة الوعي لهذه الأمة، ويخشون أن تكون وريثة حضارتهم وكيانهم ومكانتهم القيادية للعالم.
16. ومن هنا فقد زادوا في المكر والدهاء، ونوعوا وسائل الحرب وراياتها وساحاتها، فكريًا وتربويًا وإعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا، بل إنهم أشهروا أسلحتهم واستخدموا أفتك أنواعها ليحرقوا الأخضر واليابس في كل مكان يمكن أن يشكل خطرًا على مصالحهم أو حدًا لسلطانهم.
وكل هذا قد أصبح حقائق وبدهيات لا تخفى على أدنى متأمل في مسيرة الحياة اليومية.
17. أخي الحبيب..
فهل يحق لما بعد هذا أن نغمض جفننا ونتناسى واقعنا ونهيم على وجوهنا بحثًا عن مزيد من الراحة والرفاهية وإشباع حظوظ النفس وغرائزها.
18. أخي الحبيب..
إن اهتماماتنا لا سقف لها، وإن طموحاتنا لا حدود لها إلا بالفوز بالجنة ورضوان الله تعالى فيها.
وإن في الدنيا لجنة من لا يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، إنها انشراح الصدر وعميق اليقين بالله والرضا بأقداره، والهمة العالية التي يورثها الإيمان بالله تعالى للربانيين من عباد الله.
إنها تلك الحالة التي عبر عنها ابن تيمية رحمه الله بقوله: ماذا يفعل أعدائي بي، إن سجنوني فسجني خلوة، وإن نفوني فنفيي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة. حقًا إنها همة عالية ونفس أبية، وإنها جنة حقيقية يعيشها المسلم في الدنيا قبل الآخرة.
19. فإلى تلك الهمة العالية أيها الأحبة طلاب العلم، لنصدق الله في أنفسنا،ولنتحرَّ هموم أمتنا ولنساهم في حل مشكلاتها والنهوض بها لتمارس دورها في التحقق بالعبودية الصادقة والشهادة على الخلق وإنقاذهم من ظلمات الحياة وتيهها إلى رحاب الإيمان وصفائه.
فهل نحن فاعلون؟
اللهم يسر لنا ذلك وأعنا عليه
وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
د. موسى الإبراهيم
3/1/1430 هـ
1/1/2009م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين