الكلمة الطيِّبة (لا إله إلا الله )

أصل هذه الكلمة خطبة ألقيت في جامع الرضا بجدة يوم الجمعة 22/صفر/1426 وقد تكرم الأخ طارق بتنفيذها وقمت بمراجعتها والزيادة اليسيرة عليها ، وقد اعتمدت فيها على ما كتبه العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين في كتابه (صعود الأقوال ورفع الأعمال).

 

قال تعالى:[أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ] {إبراهيم:25} 24 ـ انظر ـ أيها الناظر ـ نَظَر تفكُّر عميق، وتدبُّر دقيق، كيفَ ضَرَبَ الله شَبَهاً لكلمةِ التوحيد الطيِّبة (لا إله إلا الله)، وما يتفرَّع عن هذه الكلمة، مثل: كلمة الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكلمة التعليميَّة والتربويَّة الرشيدة التي ينصح بها المسلم أخاه، كشجرة طَيِّبةٍ مزروعة في أرض طيِّبة، وهي النَّخلة، جذرها ثابتٌ ضاربٌ بعروقه في عمق الأرض، يمتصُّ الغذاء للشجرة من الماء والتراب، فيصعد في قنواتٍ من الجذور إلى السَّاق، فإلى الفروع الصَّاعدة في الجوِّ، فإلى الأوراق والأفنان والثمرات.

 

وفي هذه الآية التنبيه إلى عَظَمة هذا المثل ورَوْعته الذي تُصوَّر فيه المعقولات والمعلومات بصور المشهودات والمرئيَّات. وَوُصفتْ كلمة (لا إله إلا الله) بأنها طيِّبة؛ لأنَّ مدلولها وموضوعَها هو الله سبحانه، المتَّصف بما لا يتناهى من الكمالات، المنزَّهُ عن العيوب والنقائص والآفات، فهذه الكلمة طيِّبةٌ بذاتها، مُطيِّبةٌ للقلب الذي اعتقدها، ومُطهِّرة له من نَجَس الشِّرك والكفر. وفي هذا المثل العظيم الذي ضربه الله تعالى لعباده تنبيهٌ إلى أنّ الشجرة لا تبقى فيها حياة النموِّ إلاَّ بمادَّةٍ تَسْقيها وتُنمِّيها، فإذا انقطع عنها السَّقْي جفَّتْ ويبستْ، وهكذا شجرة الإيمان في القلب: إن لم يتعاهدْها صاحبها بالسُّقيا، أوشك أن تيْبسَ وتموت. والغيْث الذي يُحيي الله تعالى به شجرة الإيمان في القلب ويُنمِّيها ويُقوِّيها هو ماءُ الوحي الإلهيِّ القرآني والنبويِّ؛ كتاب الله تعالى، وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).

وفي هذا المثل أيضاً: تذكير بتعاهُد شجرة الإيمان في القلب، بالمحافظة عليها من الأهواء الضالَّة، والشهوات الضارَّة، فإنَّ شجرة الإيمان تضعف وتنقص ثمراتها، إذا لم يتعاهدها صاحبها ويحافظ عليها ممَّا يضعفها ويفسدها.

 

وفي هذا المثل: تنبيهٌ إلى أنَّ فروع شجرة الإيمان في القلب وثمراتها على حسب ثبوت أصلها في القلب، فكلَّما ثبت أصلها ورسخ، كلما علا فرعها، ونما ثمرها وكثُر.

ـ تُؤتي ثَمَرها كلَّ وقتٍ بأمر ربِّها، وكذلك الكلمةُ الطيِّبة التي تدلُّ على حقٍّ مؤيَّد بالبرهان، أو تهدي إلى خير وعمل صالح، وفي رأس الكلمات الطيِّبات كلمة (لا إلـه إلا الله)، فهي شديدةُ الثبوت في عمق قلب المؤمن، وفروع هذه الكلمة: التطبيقات الإسلامية في سلوك المؤمن، وهي يانعة باستمرار، مثمرة في كل حين. أما ثبات أصلها فإيمان صاحبها وإخلاصُه، وأما فروعها المُمْتدة إلى السماء فبلوغها مستوى القَبول عند الله، وأما ثمرها فما تقدِّمه من أجرٍ بفضل الله لباذلها وزارعها. ويَضْربُ الله الأمثال للناس زيادةً في الإفهام، وتصوير المعاني، وتقريب الحقائق، رغبة أن يتذكَّروا هذه الأمثال عند المناسبات، ويكون لهذا التذكُّر أثره النفسي والقلبي والسلوكي.

 

1 ـ في هذه الآية التنبيه إلى عَظَمة هذا المَثَل ورَوْعته، وأنه المثل الأفضل والأعلى مما يُوجب على العاقل أن يُلقيَ اهتمامَه إليه، فيعقل ما فيه، ويتذكَّره، ويفكِّر في مراميه ويتدبّره، فإنَّ في ضرب الأمثال إبرازاً للمعاني بصور المباني، وتصويراً للمقولات والمعلومات بصور المشهودات والمرئيات. وبذلك تتجلَّى حقائق المعاني حتى يصير الخير كالعَيان:[ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ] {إبراهيم:25}. 

 

2 ـ قوله تعالى: [كَلِمَةً طَيِّبَةً]. هذه الكلمة هي: (لا إله إلا الله) وإنما وصفت بأنها طيِّبة لأنَّ مدلولها وموضوعها والمُخْبِّر عنها هو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفُواً أحد، المتَّصف بما لا يتناهى من الكمالات، المنزَّه عن العيوب والنقائص والآفات، فهو الله الملك القدوس، وهو الله تعالى الطيب، قال صلى الله عليه وسلم:«إن الله تعالى طيِّب لا يقبل إلا طيبا».

 

فهذه الكلمة هي طيبة بذاتها، مطيِّبة للقلب الذي اعتقدها، ومطهِّرة له من نجس الشرك والكفر، فهي كلمة طيبة ولا أطيب منها ولا أطهر، ولا أقوى ولا أظهر، ولا أكمل منها ولا أفضل. إنها(لا إله إلا الله ) التي لا تتناهى معانيها.

 

ولما كانت لا إله إلا الله، عظيمة القدر، كبيرة الشأن كثيرة الفضل، كانت أوصافها الواردة في الكتاب والسنة كثيرة جداً، نذكر منها:

 

1 ـ الكلمة الطيبة.

 2 ـ كلمة التقوى:[ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى] {الفتح:26}.

روى الترمذي والبيهقي عن أُبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: [وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى] {الفتح:26}. قال: لا إله إلا الله».

3 ـ وهي كلمة الله العليا، قال تعالى: [وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا] {التوبة:40}. [وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى] {التوبة:40} . قال: هي الشِّرك، [وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا]. قال هي: لا إله إلا الله.

فلا إله إلا الله هي العليا، ولا أعلى منها، ولا أشرف منها، ولا أعز منها فلها الرفعة والعزة والصدارة على ما سواها.

4 ـ وهي الكلمة الباقية:[وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] {الزُّخرف:28}. 

5 و 6 ـ: هي كلمة التوحيد، وكلمة الإخلاص:

 

روى أبو داود، وابن حبان؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملَّة إبراهيم حنيفاً مُسلماً وما كان من المشركين».

الفطرة: ابتداء الخلقة، وهي إشارة إلى كلمة التوحيد حين أخذ الله العهد بها على ذرية آدم، فقال:[وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى] {الأعراف:172}. وكلمة الإخلاص هي: لا إله إلا الله.

7 و 8 ـ: وهي كلمة عظيمة وكريمة على الله ومن جاء بها صادقاً أكرمه الله.

روى البزار في مسنده عن عياض الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لا إله إلا الله كلمة كريمة لها عند الله مكان، وهي كلمة من قالها صادقاً أدخله  الله بها الجنة، ومن قالها كاذباً حَقَنت ماله ودمه، ولقي الله غداً فحاسبه».

 

وهي كلمة عظيمة لا تقاومها السموات والأرض:

روى النسائي وابن حبان عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال، قال موسى: يا ربِّ علِّمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: يا ربِّ كل عبادك يقولون: لا إله إلا الله. قال: قل: لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصُّني به. فقال سبحانه: يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع، في كفة، ولا إله إلا الله في كفه، مالتْ بهنَّ لا إله إلا الله، أي: لعظمتها وقوتها وهيبتها.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين