وفاة العالم البحاثة الداعية المفكر هاني الطايع - وداعاً أبا ربيع
بسم الله الرحمن الرحيم
انتقل إلى رحمة الله تعالى في صباح يوم الثلاثاء 17/1/1430 الأخ الكريم الداعية المربي الأستاذ هاني الطايع (أبو ربيع)، وهو من خيرة من عرفت من الدعاة الأوفياء.
 والأستاذ أبو ربيع من مواليد اللاذقية 19/تموز /1936م، درس اللغة العربية في جامعة دمشق وتتلمذ على كبار العلماء فيها وتعرف على الدكتور مصطفى السباعي ، وأصبح من أقرب تلاميذه إليه ، وكان له دور في إدارة مجلة حضارة الإسلام . انتقل في أواخر الستينات الميلادية إلى دولة قطر فكان أحد رجالاتها المساهمين في نهضتها التعليمة من خلال اشتراكه في وضع المناهج الدراسية.
وتعود صلتي به منذ أكثر من عشر سنوات في أول لقاء لي به في منزل الدكتور عبد اللطيف الهاشمي، وكان حديثه عن ذكرياته بأستاذه السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ.
وأُعجبت بوفرة المعلومات، ودقة التحليل، وروعة الأسلوب...وأسرني بحسن إلقائه وجميل مودته وكريم صلته.
وتتابعت لقاءاتي به في زياراته المستمرة لجدة، وتوثقت صلتي به، وكان دائم السؤال لكل جديد في عالم الكتب، ولا أعرف  مثيلاً له في حبه للكتاب، وحرصه على اقتنائه ومطالعته، ومتابعته المستمرة للثقافة بكل أفنانها.
أقام في قطر منذ أكثر من خمسة وأربعين سنة، وتربطه صلات وثيقة مع كبار الدعاة في العالم الإسلامي، فهو من خواص أصحاب الأستاذ السباعي، وقد أمد الدكتور عدنان زرزور، بإرشيف مهم عند قيامه بكتابته الواسعة عن الشيخ السباعي، وذكره في مقدمة كتابه عن الأستاذ السباعي، وأثنى على جهده وما بذله له من معلومات ووثائق.
وللأستاذ ـ رحمه الله تعالى ـ صلات وثيقة مع الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة والشاعر عمر بهاء الأميري رحمهما الله تعالى ،وعشرات من كبار العلماء الأثبات والدعاة الثقات، وذكريات عطرة عنهم، تأسر المستمع إليه فلا يكاد يملُّ من حديثه وفوائده.
وزرته منذ أكثر عام بيته في (الدوحة) عند حضوري لمؤتمر شيخنا القرضاوي ودُهشت لمكتبته الواسعة التي تكتظ بها جدران بيته الواسع... ولديه أرشيف ضخم يتضمن الكثير من مشاريعه العلمية والتربوية والدعوية واللغوية.
وكان آخر لقاء لي به في شعبان من السنة الفائتة، إذ حضر لشهود عقد ابنة ابنته وصهره الأخ مصطفى صباغ، وألقى كلمة رائعة جميلة، وتكررت زياراتنا له مع إخواننا الذين يتصل بهم، حيث كان يجد أنسه وسعادته مع أصفيائه وأصدقاءه في  جدة من أمثال: الأخ الدكتور عبد اللطيف هاشمي، والأخ الشاعر سليم عبد القادر، والأخ الأديب عبد الله زنجير ، والأخ الإعلامي الأستاذ سداد عقاد... واجتمعنا في أمسية شعرية رائعة في بيت الأخ المفضال الكريم الأستاذ  وليد الزعيم وحضرها مجموعة من الشعراء منهم: الأستاذ أحمد البراء الأميري، والدكتور محمد نجيب مراد، والدكتور محمد وليد، والأستاذ سليم عبد القادر، شارك فيها بتعليقاته الرائعة ونقداته الأدبية العميقة.
ألحَّ الإخوة عليه بتسجيل ذكرياته، وتدوين تاريخ الدعوة، وإخراج ما لديه من كنوز علمية، وكان يعد... ولكن لم يخرج شيئاً من تلك الآثار المكنوزة في صدره ومكتبته... ولعل الله يقيض من أبنائه؛الأخوين الكريمين: ربيع ومرهف، أو من إخوانه: صبحي وعثمان، أو من أصهاره من يحقق هذا الأمل المرتجى، ويستفيد من مكتبة الضخمة، وأرشيفه الواسع، نسأل الله سبحانه أن يتغمد الفقيد الكريم بواسع رحمته،  وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد صلى عليه فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ، وعقب مواراة جثمانه الطاهر ألقى كلمة عدد فيها مناقبه قال فيها :
علمت اليوم بالخبر، وكنت أتمنى أن أعوده، فقد كان بالمستشفى، لكنني لم أكن أعلم وقد جئت مؤخراً من سفر.. إنَّ من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض، فما بالك إذا كان هذا صديقاً عزيزاً وأخا حبيبا؟ عرفناه سنين طويلة مؤديا لواجبه نحو أسرته، ونحو عمله، ونحو إخوانه، ونحو دينه ورسالته، لم يفرط في شيء.. وتابع قائلاً:
كان أبو ربيع أحد الرجال الذين يتميَّزون بالعقل والفكر والقراءة والثقافة، فقد كان يقرأ كثيراً ويطالع كثيراً، وكنت أقول له: أود أن تكتب، وأحسبه كتب ولم ينشر، وأنصح أبناءه بأن يكلفوا بعض الشباب للبحث في مكتبته ونشره..
وذكر أنه كثيراً ما كان يستعير كتباً من مكتبة أبو ربيع، مشيراً إلى أنه:
كان رجلا مثقفاً بل من خيار المثقفين، فالثقافة وحدها لا تغني، فكم من مثقفين باعوا ضمائرهم وأقلامهم، أما أبو ربيع فقد كان مثقفاً ملتزماً وصاحب رسالة في هذه الدنيا يعيش بها ويموت بها، ويضحي من أجلها، وهي رسالة الإسلام.. وكان طاهر السريرة حَسَن السيرة، وقد أحبه كل من عرفه، فإذا ازداد معرفة به ازداد حبا له، وهذا دليل من دلائل حب الله.. "ألسنة الخلق أقلام الحق".
واختتم القرضاوي كلمته بقوله: لقد اختطف الموت منا رجلاً، والرجال قليل في هذا الوقت، الذي تُعاني فيه الأمة ما تعاني من حرب وحشية على غزة المرابطة المجاهدة، ودعا للمجاهدين دعاءً مؤثراً.
وكتب الأخ الشاعر الأستاذ سليم عبد القادر كلمة رقيقة في رثائه قال فيها :
رفـّت الروح عائدة إلى بارئها...لقد انتهت الرحلة... ورحل الأستاذ الأديب المفكر المربي الداعية هاني محمد طايع من دار الفناء إلى عالم الخلود...
رحل الأستاذ هاني(أبو ربيع) غريب الديار, وكان دائم الحنين إلى مراتع الصبا في اللاذقية، ولكنه حنين الكريم الأبي المؤمن، الذي يأبى أن يحني رأسه لغير ربه...رحل موفور الكرامة راضيا بقضاء ربه، فخسره أهل الأرض وربحه أهل السماء... وكأن أبا تمام كان يعنيه بقوله:
مضى طاهر الأنفاس، لم تبق روضة     غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
رحمك الله يا أباربيع، وأعلى مقامك في الخالدين)اهـ.
كتبه مجد مكي
قبيل ظهر الثلاثاء 17/1/1430هـ
وتنظر كلمة الدكتور عدنان زرزور في رثاء الأستاذ أبي ربيع في ركن التراجم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين