هنيئاً لكم يا أهل فلسطين هذا الحديث النبوي الجليل

 

لابدّ أن يعلم أهل فلسطين فضلَ ثباتهم في أرضهم المباركة وعظيمَ أجرهم وبركة مرابطتهم وصمودهم وعوائدها عليهم وعلى سائر المسلمين؛ فقد ثبت عن نبيّنا الحبيب المحبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه - أي بيت المقدس- ولَنِعْمَ المُصَلّى في أرض المَحْشرِ والمَنْشر، وليأتين على الناس زمان لَقِيْدُ سَوْطِ-أو قال: قوس- الرجلِ حيث يَرى منه بيتَ المقدس خيرٌ له- أوأحبُّ إليه-من الدنيا جميعاً".

ففي الحديث فضلُ بيت المقدس ومضاعفةُ أجر الصلاة فيه إلى رُبُع أجر الصلاة في المسجد النبوي، وأنه نِعْم المصلّى، وهو أرض المحشر والمنشر يوم القيامة، وأن أيّ موضع- مهما صَغُرَت مساحته- يُشرفُ منه الرجل على بيت المقدس خيرٌ من الدنيا جميعها.

فهنيئاً -إذن- لمن هو بجواره وهم أهل فلسطين ثم أهل سائر بلاد الشام وهنيئاً لمن يدافع عنه ويَحميه بصدره وروحه من أهل فلسطين الأبطال -رجالهم ونسائهم وأطفالهم- الذين يرفعون إثماً عظيماً عن الأمة بأكملها في حمايتهم للأرض والعرض، وفي دفاعهم عن المسجد الأقصى من مخططات هدم اليهود له. أعان الله أهل غزة وسائر فلسطين وثبّتهم وأعظم أجورهم ورَحِم شهداءهم وشفى جَرْحاهم.اللهم آمين، وهنيئاً لأهل غزة التي نص على قدسيتها الإمام العلامة الكبير الحافظ الفقيه أبو بكر البَيْهَقي من قديم (متوفّى رحمه الله عام 458هـ) في كتابه الحفيل "مناقب الشافعي" فقال: باب مولد الشافعي بغزة وهي من الأرض المقدسة... ومن أجل قداستها وبركتها وعِزّتَها كان يشتاق إليها الإمام الشافعي رحمه الله وقد أمضى أول سنتين منذ ولادته فيها فيُنشد:

سقى الله أرضاً لو ظَفِرتُ بتُربها            كحّلتُ به من شدة الشوق أجفاني

فَسَنَتَا رَضَاعته رحمه الله فعلتا هذا الفعل وهيّجتا هذا الشوق لديه أعلى الله منزلته، فما بالنا بالذين أكلوا من خيراتها وترعرعوا فيها وتكحّلت أعينهم بمرآها وحماية أراضيها وَرَوَّوْا تُربتها بدمائهم وعَرَقهم، وباركوا أرضها بجثثهم وهاماتهم؟!

 والحديث المذكور صحيح رواه الإمام العلاّمة أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتاب "شُعَب الإيمان" 486:3 (4145) بسنده عن الصحابي الجليل الزاهد أبي ذرّ رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بذلك الجواب.

وأخرجه الحافظ الضياء المَقْدسي- صاحب "الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما"-في كتابه "فضائل بيت المقدس"-حديث رقم 18-ولفظُهُ بعد مِثْلِ أوله: "ولنعم المصلّى-أي بيت المقدس-، وَلَيُوشِكنّ أَنْ يكونَ للرجل مثلُ سِيَةَ قَوْسِه من الأرض حيث يَرى بيتَ المقدس خيراً له من الدنيا وما فيها".

وبنحوه رواه شيخُ الإمام البيهقي: أبو عبد الله الحاكم في "المستدرك" 509:4 في الإيمان إذا وقعت الفتنُ بالشام، وصحّحه ووافقه الإمام الذهبي، وعنده:"مثلُ شَطَنَ فَرَسه" بدل مثل سِيَةِ قوسه. وعندهما أن الداعي لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله أبو ذر رضي الله عنه: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7:4: رواه الطبراني في الأوسط- (6979)- ورجاله رجال الصحيح.

والقِيْد: معناه القَدْر والموضع. والسِّيَة: ما عُطف من طرَفَي القوس. والشَّطَن: الحبل.

َ   والألفاظ الأربعة التي مرّت في الروايات: قِيْد سوط الرجل، قِيْد قوس الرجل، سِيَةُ قوسه، شَطَن فرسه: كلها كناية عن أيِّ موضع مُشرف على بيت المقدس مهما صغُر.

فهنيئاً لكم يا أهل فلسطين وفرّج الله كربكم وأنزل نصره عليكم ورَحِم شهداءكم وشفى جرحاكم وخذل أعداءكم ومن أيّدهم وعاونهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين