‏قراءة مجحفة لتاريخ الأمة الإسلامية

 

‏ثق بربك وافخر بأمتك واسع في البناء والإصلاح

 

كنت أستمع ندوة لمفكر يصف نفسه بأنه عالمي الفكر، ويزعم أنه ينطلق في تصوراته حسب ما جاء به القرآن الكريم، وعندما أراد أن يحلل التاريخ الإسلامي فيما بعد عصر الخلفاء الراشدين إلى عصرنا الحاضر وصفه بأنه مظلم ، ولم يقدم للبشرية شيئاً، سوى ومضات ظهرت من خلال الفكر الاعتزالي الذين جعلوا عقولهم حكماً على القرآن الكريم، وجعلوا القرآن هو التابع وليس المتبوع، وكذلك وصف مجموعة (إخوان الصفا) بالمتنورة وأثنى عليها ثناء كبيراً، لأنهم يتوافقون معه في منهجه العقلاني المادي المجرد.

ثم تغافل متعمدا عن إنجازات الحضارة الإسلامية عندما كان الغرب يعيش في ظلمات الجهل والتخلف، ولم يذكر على الإطلاق ما قدمه المسلمون من خير لشعوب العالم قاطبة من خلال الفتوحات الإسلامية التي فتحت القلوب قبل البلاد.

وعندما وصل لوضع المسلمين في العصر الحاضر وصفهم بأنهم يعيشون على هامش التاريخ ولا يقدمون للبشرية شيئاً، ثم أثنى على الغرب وحضارته المادية، دون أن يذكر عيوبها، بل اكتفى بالجوانب الإيجابية المدنية، ولم يتطرق للجوانب السلبية : من الانحدار الإباحي، والدمار النفسي الذي أوصلهم إلى الشقاء وارتفاع نسبة الانتحار، والتفكك الاجتماعي، والفراغ الروحي القاتل.

#‏تأملت ما يقوله هذا الرجل فوجدته يحلل تحليلاً غير متوازن، لأنه ينظر إلى الأشياء بعين واحدة لا ترى الأمور بصورة متكاملة.

لاشك أن الأمة الإسلامية قد تخلفت عن ركب الحضارة، ولم تؤد الدور المطلوب منها من ناحية التكنولوجيا والصناعات المختلفة، وبالإضافة لسوء الإدارة وعدم تطبيق مبادئ العدل والمساواة في قوانينها، وفشلت في حل مشاكلها، وهذا ما يدفع بالمربين المصلحين والمفكرين إلى العمل الدؤوب في الإصلاح ، وتنشئة الأجيال على الإبداع والارتقاء.

ولكن ينبغي أن يُذكر بالمقابل الجوانب الأخرى المضيئة للمسلمين حتى نكون منصفين: فعلى الرغم من التخلف ولكن الجانب الإيماني الروحي وإن ضعف ولكنه لم يمت، والتواصل الإجتماعي وإن بدأ في التهاون ولكن لم يتبدد، والجريمة لا تقارن نسبها مع الغرب ، ولازال للشرف والفضائل قيمتها ، وكذلك مكارم الأخلاق لها شأنها ومنزلتها.

لا أنسى ندوة تربوية حضرتها فكان أحد المحاضرين مسؤولا رفيعاً في وزارة التربية، وله إسهاماته التربوية الرائعة فقال في محاضرته: إنه أُرسل في وفد رسمي إلى أمريكا للاستفادة من الخبرات التعليمية ، وطرائق التعليم والمناهج، يقول : فبعد وصولنا لإحدى الجامعات المشهورة فيها، وبعد الاستقبال قالوا: إن الخبير التربوي المكلف بلقائكم جالس في هذه القاعة فاذهبوا إليه، قال: وبالفعل دخلنا إليه فوجدناه رافعاً رجليه على الطاولة، ولم يقم لاستقبالنا، فأشار إلينا بالجلوس، ثم سألنا عن الهدف من مجيئنا، فشرحنا له ، ثم بدأ يسألنا ما يلي:

هل وصلت نسبة الجرائم لدرجة مخيفة عندكم في دولتكم العربية المسلمة؟!! وهل نسبة الأمراض النفسية عندكم تنذر بخطر شديد؟؟!!، وهل نسبة المخدرات مخيفة؟؟، وكم نسبة المتزوجين ؟؟ وكم نسبة الطلاق؟؟ وهل انتشر لديكم الزواج المثلي؟؟ ، وكم نسبة الأولاد الذي لا يعرفون آباءهم وأمهاتهم؟؟، وهل عندكم التفكك الاجتماعي القاتل؟؟!!

قال الدكتور المحاضر: قلنا له يوجد جرائم ولكن ليست بهذه النسبة المخيفة كما هو الحال عندكم، وكذلك الأمور الأخرى.

فقال ذلك الخبير: خذوا كل ما عندنا من خبرات تربوية وطرائق تدريس حديثة، وأعطونا ولو حفنة مما عندكم من تماسك اجتماعي، وارتقاء إيماني وروحي، وطمأنينة نفسية.

لا أقول هذا على سبيل التخدير ، ولكن لأجل مزيد في ثقة المسلم بدينه وشخصيته، ولأجل أن يدفعنا ذلك إلى البناء والسعي في دروب الخير والإصلاح.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين