معركة الفرقان في غزة دروس وعبر ثوابت وقيم

بسم الله الرحمن الرحيم

معركة الفرقان في غزة 

1429-1430هـ الموافق 2008-2009م

نحن في اليوم السابع عشر من بداية العدوان الغاشم على قطاع غزة ، غزة الصمود ، غزة الإباء ، عزة الشهداء والجرحى ، في شهر الله المحرم وأعداد الشهداء والجرحى في ازدياد وقد وصل العدد حتى لحظه كتابة هذه الكلمات ، التي أخطها بمداد قلبي وروحي قبل أن أخطها بمداد قلمي إلى : 875شهيداً و3695جريحاً 

دماء تسيل ، وأشلاء تتناثر ، وقلوب تتمزق ، وأرواح تزهق ، ومساجد ومشافٍ تهدم فوق من فيها ، صرخات النساء والأطفال والشيوخ تتعالى من كلِّ حدب وصوب ، آلام يتقطع لها نياط قلب من كان في قلبه ذرة من ضمير ، أو وميض من خير ، كل هذه الصرخات تبحث عن معتصم يرد عليها :

ربَّ وامعتصماه انطلقت *** ملئ أفواه الصبايا اليُتَّم

لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم

ولابد لنا – معشر المسلمين – ونحن نعيش هذه المعركة وقلوبنا تتفطر لنصرة إخواننا في أرض الرباط - سائلين الله تعالى لهم النصر والثبات والتمكين - من توضيح بعض الحقائق ، وتسجيل بعض الدروس والعبر ، وإزالة بعض الشبهات التي تحيك في بعض الصدور وهي ترى أعداء الله تعالى من اليهود المعتدين والصليبين الحاقدين يعيثون في الأرض فساداً ودماراً وقتلاً وسفكاً للدماء ، وانتهاكاً للحرمات ولايأخذهم الله بعذابه ، وألخص ذلك بمايلي : 

• أكدت لنا هذه المعركة أن كلَّ دعاوى السلام التي ينادي بها اليهود ويطبِّل لها الخانعون والمتهالكون على إرضاء أسيادهم أنها دعاوى زائفة وكاذبة وأدلة ذلك كثيرة : 

فقد أخبرنا الله تعالى في كتابه أن اليهود نقضة العهود والمواثيق فقال : [أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ] {البقرة:100} ، وأخبرنا أن اليهود قتله الأنبياء فقال : [وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ...] {آل عمران:21}. وأنه لم يسلم من عدوانهم ربُّ العزة والجلال : [وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ...] {المائدة:64}. 

وأخبرنا أن اليهود أشد الناس عداوه للمسلمين : [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ...] {المائدة:82}.

• أكدت لنا هذه المعركة أن اليهود أعداء لكل مَن سواهم ، وإن تقاربوا مع بعض النصارى فهذا من أجل مصلحتهم جاء في سفر التثنية 20 : ( وَحَب عليكم بعد انتصاركم أن تضربوا رقاب جميع رجالها البالغين بحد السيف فلا تبقوا على أحد منهم ، وتسترقوا جميع نسائهم ، وتستولوا على جميع ما فيها من مال وعقار ومتاع أو تنهبوه نهباً ) هذا في التوراة أما في كتابهم التلمود الذي يفضلونه على التوراة ويدرسونه خفية وهو أساس كلِّ مصيبة كما يقول الأب بولس حنا مسعد في كتابه همجية التعاليم الصهيونية .

وما جاء في التلمود : ( اهدم كل قائم ، لوث كلَّ طاهر ، أحرق كلَّ أخضر ) . وكذلك جاء فيه : ( تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح، بأنها جزء من الله كما أن الابن جزء من أبيه ، ومن ثمَّ كانت أرواح اليهود أعز على الله من باقي الأرواح لأن أرواح غير اليهود شيطانية وشبيهة بالحيونات ) !! . 

وكذلك ينسبون إلى نبي الله يعقوب عليه السلام كذباً وبهتاناً وحاشاه عليه السلام ذلك بأنه سأل ربه ، فقال له : ( لمَ خلقتَ شعباً سوى شعبك المختار فقال : لتركبوا ظهورهم وتمتصوا دماءهم وتمحقوا وتلوثوا طاهرهم وتهدموا عامرهم ) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً . 

هذا غيض من فيض ، ونقطه من نهر عمَّا يُكنه اليهود من عداوة لغيرهم، أما عن عداوتهم للمسلمين عامة ، وللفئة المؤمنة المجاهدة خاصة فأنقل لكم ماقاله المجرم موشي ديان : 

إن عودة الروح الدينية الإسلامية إلى الظهور من جديد تشكل خطراً شديداً لاعلى إسرائيل وحدها وإنما على كل الأمم التي كان الإسلام وسيظل يُشكل عدواً تاريخياً لها ، وإنه في الوقت الذي تشعر فيه إسرائيل أن العرب الذين بقوا في فلسطين قد بدأوا في التمسك بالاتجاهات الإسلامية المتعصبة فإنها لن تتردد في القذف بهم بعيداً لينضموا إلى إخوانهم اللاجئين .

أظن أنه أصبح واضحاً لكل عاقل بعد هذه التصريحات من موشى ديان والتي ذكَرتْ قريباً منها وزيرة الخارجية ليفي مع بداية الحرب على غزة لماذا الحرب ضد حماس وإخواتها من الفصائل المجاهدة ؟ لأن اليهود – قاتلهم الله – يعلمون تمام العلم أنه لن تتطهر الأرض المباركة من رجسهم إلا على أيدى هذه الفئة المؤمنة التي يُزيّن وجوهها النور وينبعث من خلال شعرات لحاها المتوضئة الإيمان التي يرى اليهود وأعوانهم من الخونة في كل شعرة من شعراتها شوكة في حلوقهم . 

نعم لأن اليهود متأكدون من أنه سيأتي اليوم الذي يقاتلهم به أهل الإيمان فيختبئون وراء الحجر والشجر ، وهم يرون أن هذه الفئة المؤمنة هو المؤهلة لهذه المهمة فلذلك لايترددون في أن يبذلوا كلَّ مافي وسعهم للقضاء عليها ، ولعلها هي الفئة التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لايضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله .. ) وفي رواية: ( وهم في الشام ) . 

- وأما لماذا هذا التحالف والتواطؤ من الدول الكبرى ( أمريكا والدول الأوربية ) ؟ فهذا أولاً ماتوضحه الأية الكريمة التي تؤكد عداوة اليهود والنصارى للمسلمين: { [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] {البقرة:120}. 

ثم أذُكِّر – إخواني القراء – بأن هذه الدول النصرانية الحاقدة هي التي زرعت هذه البذرة القذرة في أرض فلسطين من يوم أن أعطى الصليبي المتصهين بلفور وعده المشؤوم لليهود في 02/11/1917م بالتزامه بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين . 

ثم جاءت بعده اتفاقية سايكس بيكو لتترك فيها بريطانيا لفرنسا احتلال سوريا ولبنان وتبقي هي فلسطين لتنفذ وعدها لليهود وتأتي بهم من أصقاع العالم ليدنسوا هذه الأرض المباركة ، والحديث عن تاريخ الاستعمار الصليبي لبلاد المسلمين وتفظيعهم بالمسلمين حديث يثير آلاماً وأحزاناً ، ولكن المهم أن لاننسى تاريخ أولئك ، وأكبر شاهد الآن ماتقوم به الدولة العظمى – كما يطلق عليها – والتي يدير الحكم فيها النصارى المتطرفون فما فعلوه في العراق وما يفعلونه الآن في فلسطين من انحيازهم التام لليهود بل وتشجيعهم على حرب المسلمين وإقامة المجازر في فلسطين أكبر شاهد على ذلك وأنقل فيما يلي مايقوله الكاتب المشهور الحاقد على المسلمين جورج براون لنرى مدى تعاون اليهودية الظالمة والصليبية الحاقدة في القضاء على المسلمين : 

لقد كنا نخَّوفُ بشعوب مختلفة ، ولكنا بعد اختبار ، لم نجد مبرراً لمثل هذا الخوف ، كنا نخَّوفُ من قبل بالخطر اليهودي والخطر الأصفر وبالخطر البلشفي ، إلا أن هذا التخويف كله لم يتفق كما تخيلناه ، إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد ثم رأينا البلاشفة حلفاء . ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قوته على التوسع والإخضاع ، وفي حيويته ، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي .

إنها معركة العقيدة في صميمها وحقيقتها يرفعها العدو بأسماء شتى في مكر وخبث ، لقد ألقوا في روع المخدوعين الغافلين أن حكاية العقيدة صارت حكاية قديمة لامعنى لها ، وذلك كي يأمنوا جيشان العقيدة وحماستها ، بينما هم في قرارة نفوسهم ( الصهيونية العالمية والصليبية العالمية جميعاً ) يخوضون المعركة أولاً وقبل كلِّ شئ لتحطيم هذه الصخرة العاتية التي نطحوها طويلاً فأدمتهم جميعاً، وصدق الله إذ يقول : { [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] {البقرة:120} فهذا هو الثمن الوحيد الذي يرتضونه وماسواه مرفوض ومردود عندهم .

- لقد كشف الله لنا في هذه المعركة المتواطئين والمخذلين والمرجفين ممن ينتمون إلى عروبتنا وإسلامينا بالاسم بل فضحهم على ألسنة غير المسلمين من ذلك ماقاله الباحث الأكاديمي الألماني البروفسور أود شتاين باخ ( إن محمود عباس كان دمية تلاعب بها الإسرائيلون والأمريكيون ولم يحقق إنجازاً لشعبه ... ، وأكد أن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة تمَّ بموافقة ضمنية مصرية وقال : لايستطيع أحد إقناعنا بأن وزيرة الخارجية ليفي لم تتحدث مع المصريين في هذا الأمر أثناء زيارتها القاهرة قبل ساعات من بدء الهجوم ) (1)

- ويقول الصحفي الشهير الأستاذ فهمي هويدي بعنوان في زمن الفتنة : 

هل يعقل أن تنقضَّ اسرائيل على غزة لتسحقها ، وفي ذات الوقت ينطلق القصف الإعلامي العربي حتى يقول أحد المعلقين الإسرائليين (زفاي باربل في هارتس 29/12/2008م، إن من يتابع الإعلام المصري يُخَّيل إليه أن المعركة بين مصر وحماس ، وليست بين إسرائيل وحماس . 

ولقد فطن أبو مازن إلى هذه المفارقة ، فأصدر قرارة بوقف الحملات الإعلامية بين فتح وحماس ، بعد خمسة أيام من التراشق العبثي ، الذي تبنَّت فيه بعض الأبواق في رام الله نفس مقولة السيدة تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل وكوندوليزا رايس الوزيرة الأمريكية ، التي مابرحت تؤكد أن حماس هي المسؤولة عما جرى . 

قرار أبي مازن كان عاقلاً ، وإن جاء متأخراً خمسة أيام ، وإن احتاج إلى تكملة تتمثل في وقف الحملات الأمنية أيضاً، وإطلاق أكثر من 600معتقل لديه . (2)

ما الفرق بين أولئك وبين الذين حدَّثنا عنهم القرآن الكريم بقوله : [الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ] {آل عمران:168}. 

نعم إنها المحن التي يميز الله تعالى بها بين الخبيث والطيب ، بين الصادق والمنافق وصدق الله إذ يقول : [مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ] {آل عمران:179} } . 

وأُبشِّر أولئك المتخاذلين بأن الله تعالى سيخذلهم وينتقم منهم في الدنيا قبل الآخرة ومصداق ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو داود والطبراني عن جابر وأبي أيوب الأنصاري رضى الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من امرئ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته . وما من امرئ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ) . 

لقد أثبتت هذه المعركة أن الإيمان بالله والثقة بنصره والعزيمة الصادقة كلُّ ذلك يصنع العجائب ولا أدل على ذلك من الموقف الشامخ الذي وقفه المجاهدون رغم إمكانياتهم اليسيرة وسلاحهم المتواضع أمام ترسانه من أكبر الترسانات العسكرية في العالم واثقين بأنهم أصحاب حق وأصحاب قضية ، وأصحاب مبدأ لن يتنازلوا عنه مهما كان الثمن متمثلين قول الله تعالى : [قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ] {التوبة:14}. 

لقد حطموا بإيمانهم وثباتهم أسطورة الجبروت اليهودي، وأثبتوا للعالم بأن الثبات على المبادئ هو من أهم أسرار النجاح والنصرة وسيخرجون من هذه المعركة بإذن الله منتصرين شامخي الرؤوس يُقرُّ لهم العدو قبل الصديق ببطولاتهم وانتصاراتهم . 

ولاننسى من باب العدل والإنصاف أن نسجل كلمة إكبار وتقدير للأحرار من زعماء وصحفيين وكتاب في العالم مسلمين وغير مسلمين الذين رفضوا الظلم والعدوان ووقفوا إلى جانب الحق والعدل من ذلك تصريحات وتحركات رئيس فنزولا (شافيز) حيث قام بطرد السفير الإسرائيلي ، ووصفَ الجيش الإسرائيلي بالجبان ودعا إلى محاكمة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز والرئيس الأمريكي المنصرف (السئ الذكر) أمام محكمة العدل الدولية ، يذكرنا هذه الموقف بموقف أولئك الأشخاص الذين تعاقدوا في مكة وهم من المشركين على نقض الصحيفة التي كان قد تعاهد بعض زعماء المشركين في مكة على حصار الرسول صلى الله عليه وسلم وعشيرته وصحابته في شعب بنى طالب . 

وكذلك ماقام به وزير خارجية تركيا الطيب أوردغان من تحركات وماأدلى به من تصريحات حيث قال : ( العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نقطة سوداء في تاريخ الإنسانية ، وإن هدف المسؤولين الإسرائليين هو تحقيق مكاسب انتخابية ) . 

وكذلك يحييّ المسلم موقف أولئك الأحرار من الأمريكان والإنجليز والفرنسيين وغيرهم من الأوربيين الذين وقفوا وقفه أحرار عبّروا فيها عن استنكارهم للظلم الوحشي الذي تقوم به دوله اليهود وتواطؤ دولهم معهم . 

أما أولئك الذين جبنوا وضعفوا حتى أمام دولة اليهود فلم يجرؤوا أن يطردوا سفيراً يهودياً أو يقوموا بعمل مُشرِّف هو من أهم الواجبات عليهم وهو فتح المعبر الوحيد الذي هو تحت سلطة العرب وذلك حتى لا يدخل إلى المجاهدين قطعة سلاح فتغضب دولة اليهود عليهم وحتى لايكون نصراً للمقاومة المسلحة التي هي شوكة في حلقه وحلوق أمثاله .

- لقد أثبت هذه المعركة أن جذور الإيمان مازالت حيَّة في قلوب الملايين من المؤمنين الذين خرجوا في شتى أنحاء العالم الإسلامي ليعبروا عن تعاطفهم مع أهالي غزة من المجاهدين والصابرين من الجرحى والمصابين وماهي أيضاً إلا إرهاصات تؤكد أن المستقبل للإسلام ، وقد لاحظنا من خلال هذه المسيرات والتصريحات ، والكتابات ، والقنوت دبر الصلوات أن الأمة المسلمة تعيش هذا الحدث بكل ماتملك من مشاعر وأحاسيس فهي تودُّ لو تفدي غزة وأهلها بكل ماتملك ولو خذلها حكامها ، فالدولة في النهاية للحق والعدل أما الباطل سيزول لامحاله عاجلاً أم آجلاً ، ولقد كان لهذه المشاركة الأثر الأكبر في نفوس أهالي غزة وثباتهم وخففت عليهم كثيراً من الألم الذي أصابهم من جراء تصريحات وتصرفات بعض المسؤولين الذين خذلوهم ، حيث تأكد لهم بأن الزمن سيلفظهم والحق باقٍ إلى قيام الساعة . 

وربَّ قائل يقول : ما فائدة هذه المسيرات التي لايكون لها أثر عملي في تغيير الواقع؟ ، وأقول : لعلها من باب التحريض على القتال الذي أمر الله تعالى به ورسوله بقوله : [فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ] {النساء:84} ، ومن باب إغاظة الكفار كما قال تعالى :[...وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا ...] {التوبة:120} . وكذلك ليشعر الإخوة في غزة أن لهم ظهراً وردفاً سينضم إليهم عندما تتاح له الفرصة ، وأيضاً حتى تبقى هذه القضية حيّة تنبض في جسد هذه الأمة التي حاول المتخاذلون أن يطووا صفحتها بمؤامرات السلام والاستسلام . 

- لقد كان من بركات هذه المعركة أن أحيت في نفوس هذه الأمة روح الجهاد في سبيل الله تعالى ، الذي هو ذروة سنام الإسلام ، ولطالما حاول اليهود وأذنابهم من الصليبين أن يشوِّهوا صورة الجهاد ويلصقوا به تهمة الإرهاب تارة والتطرف تارة أخرى ، حتى أصبح الكثير من الأئمة والخطباء يترددون في الحديث عن الجهاد ، صحيح أن بعضاً من المسلمين المتطرفين والمتنطعين أساؤوا فهم الجهاد وتصرفوا تصرفات تتناقض مع فقه الجهاد، ولكن هذه التصرفات مردودة عليهم ، والجهاد ماضٍ في هذه الأمة إلى قيام الساعة، ولن تتحرر فلسطين من رجس اليهود المعتدين إلا بالجهاد في سبيل الله تعالى، وما هذه المعركة إلا بداية الفرج والنصر بإذن الله تعالى، وبهذا بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر ) .

- ربما يحيك في بعض النفوس خاطرة مفادها : مادمنا أهل حق فلماذا يستبد بنا الظالمون ويعيثون في الأرض فساداً وطغياناً دون أن يعاقبهم الله تعالى ؟ ولعلَّ الجواب نجده في هذه الآية الكريمة: [وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ] {آل عمران:178} . 

إذن هو الاستدراج من الله تعالى كما في الحديث : ( إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ) . وكذلك نجد هذا المعنى في الأية الكريمة : [فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ] {الأنعام:44} . 

صحيح أنَّ الله تعالى قادر على أن ينصر عباده المؤمنين دون جهد وعناء، ولكن اقتضت سنتة في هذا الكون أن يكون صراع بين الحق والباطل ، وأن النصر لابد له من تضحيات ولابد له من ثمن لذلك قال : [ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ] {محمد:4}. 

ينبغي علينا أن نعلم ونوقن بأن طريق النصر والحرية شاق وطويل ومليء بالأشواك فلا بد من تضحيات ، ولابد من شهداءَ، ولابد من جرحى ، والتاريخ يحدثنا أن الاستعمار لم يخرج من بلد احتله إلا بالمقاومة والشهداء ، فهذه الجزائر لم تتحرر من الاستعمار الفرنسي إلا بمئات الآلاف من الشهداء ولذلك يطلق عليها بلد المليون شهيد . 

أما أن يقول قائل : إن المقاومة هي السبب في سقوط الشهداء والجرحى والدمار ، فهذا ما يطلبه أعداؤنا الماكرون ، لماذا لانقول : إن اليهود هم السبب ، هم المحتلون ، هم المغتصبون ، هم المعتدون !! ، أيصبح الدفاع عن الدين والوطن والعرض والمال والنفس تهوراً !! إنه كلام المستسلمين المتخاذلين الخائفين ، كبرت كلمةً تخرج من أفواههم . 

وللحرية الحمراء باب *** بكلِّ يد مضرجة يُدَّق

إذن لماذا ندبنا الله تعالى للجهاد واعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم ذروة السنام أليس من اجل حريتنا وكرامتنا ، نعم الجهاد في سبيل الله هو الطريق الوحيد للنصر والعزة والكرامة ، لاطريق غيره . 

أخيراً يبقى السؤال المهم الذي ينبغي على كلِّ مؤمن يعيش هذه القضية بآلامها ومآسيها وآمالها أن يسأله وهو : ماذا أستطيع أن أقدم لنصرة إخواني في غزة ؟

نعم – اخي المؤمن – تستطيع أن تقدم الكثير وأجمل فيما يلي أهم الأمور التي ينبغي علينا أن نقوم بها : 

1. إصلاح النفس والعزم على التغيير نحو الأفضل لأن كلَّ واحد منا جزء من هذا المجتمع ومن هذه الأمة والإصلاح يبدأ من الفرد يقول الله تبارك وتعالى [إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...] {الرعد:11}. فمحاسبة النفس مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى وهي طريق التغيير . وإصلاح النفس يعني الصلح مع الله الذي بيده مفتاح النصر ( وما النصر إلا من عند الله ) فما دام الأمر إليه فلنتقرب إليه بكل مايرضية عنَّا من صلاة وصيام وصدقة وقيام ليل إلى غير ذلك من الأمور التي تساعد على تزكية النفس وصلاحها . 

2. الإكثار من ذكر الله تعالى ومن ذلك قوله : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) . عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : (حسبنا الله ونعم الوكيل ) قالها إبراهيم حين ألقي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا : إنَّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل ) رواه البخاري . وكذلك الإكثار من الاستغفار لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل همٍّ فرجاً ، ورزقه من حيث لايحتسب ) رواه أبوداود . والتقرب إلى الله تعالى بكل أنواع الذكر لقوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {الأنفال:45}. 

3. الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء مع اليقين بأن الله تعالى سيستجيب لنا كما قال صلى الله عليه وسلم : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب من قلب غافل لاهٍ ) (رواه الترمذي والحاكم) .

ويستحب اغتنام أوقات الإجابة مثل : وقت السحر ، وفي السجود ، وأثناء الصيام ، والحذر من أن يقول الإنسان لم يُستجب لي ، قال صلى الله عليه وسلم : ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : قد دعوت فلم يستجب لي ) (متفق عليه) . 

فالدعاء له أثر كبير يقول صلى الله عليه وسلم : ( لايرد القدر إلا الدعاء ) رواه الحاكم وابن حبان . 

وكلّما ألح العبد بالدعاء كلّما كان أقرب إلى الله تعالى وإذا لم يرَ إجابة لدعائه فليعلم أنه لم يحن الوقت لذلك، ولكن الله يعوضه عن هذا الدعاء بالأجر العظيم والثواب الجزيل قال صلى الله عليه وسلم : ( ما على وجه الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ) وفي رواية زيادة: ( أو يدخر له من الأجر مثلها ) . (رواه الترمذي والحاكم)

4. استحضار نية الجهاد بصدق وإخلاص وغرسها في نفوس أولادنا وأحبابنا فإن كتب الله لنا هذا الشرف فذلك ما نتمنى وإن لم يكتب كتب الله لنا الأجر ونكون قد أُعذرنا أمام الله تعالى وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق ) رواه مسلم 

ولنتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يؤكد على أن الله يكتب أجـر الشهادة لكل من سأل الشهادة بصدق ( من سأل الله الشهادة بصدق ، بلَّغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) رواه مسلم . 

5. التفاؤل بأن النصر قادم بإذن الله تعالى وعدم القنوط لأن اليأس قرين الكفر قال تعالى : [...إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ] {يوسف:87}. 

فالمؤمن لاتزده المحن إلا ثباتاً وثقه بنصر الله تبارك وتعالى، ولقد ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ، وكان يرفع من معنويات أصحابه عند احتدام القتال ففي غزوة بدر الكبرى مشى في موضع المعركة وجعل يشير بيده: هذا مصرع فلان ، وهذا مصرع فلان ، ..... إن شاء الله فما تعدى أحد منهم موضع إشارته ) (رواه أحمد والنسائي) . 

وقال لأصحابه عندما رأى عزمهم على المعركة: ( سيروا وأبشروا ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، إني قد رأيت مصارع القوم ) (ابن اسحاق). 

6. لاتنسى أن الجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم .. ) (رواه أبوداود) . 

7. من باب اعرف عدوك ، ينبغي علينا أن نهتم بدراسة الكتب والاطلاع على المواقع التي تتحدث عن تاريخ فلسطين وتاريخ اليهود وجرائمهم ونشجيع أولادنا على ذلك وأذكر على سبيل المثال كتاب : فلسطين التاريخ المصور للدكتور طارق سويدان ، والكتيبات التي تصدرها الندوة العالمية للشباب الإسلامي لجنة فلسطين ، فإن فيها معلومات قيمة ، وكذلك زاد الخطيب إلى تحرير الأقصى الحبيب.... 

اللهم مُنزل الكتاب مُجريَ السحاب ، هازم الأحزاب ، اهزم اليهود المعتدين ، اللهم قاتل الكفرة من أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك وأنزل عليهم عذابك ورجزك الأليم، اللهم هؤلاء اليهود وأعوانهم قد جاءوا بخيلهم وخُيلائهم يحادونك ويكذبون رسولك وينتهكون حرماتك ، ويقتلون المؤمنين اللهم نصرك الذي وعدت إنك لاتخلف الميعاد.

نشرت 2009 وقد أعيد تنسيقها ونشرها اليوم

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين