غزة أولاً ثم رام الله ثانياً - غزة أولاً ثم رام الله
غزة أولاً ثم رام الله ثانياً


عبد الله نجيب سالم

 ها هي غزة تصحو من سباتها ، وتستذكر تاريخها وأمجادها وتنفض عنها كابوس الخوف والرعب، وتملأ الدنيا ضجيجاً وهياجاً، وتلقن اليهود درساً قاسياً في المقاومة والإباء والصمود والبقاء . ها هي غزة هاشم تفقد إسرائيل صوابها، فتأبى الدخول في بيت الطاعة اليهودي، بعد أن لم يفلح فيها الهجوم الجوي ولا التقدم البري ولا الحصار البحري ... بل تمردت على الهيمنة الإسرائيلي والوصاية العربية والتآمر العالمي، وأبلغت الجميع بصوت عال واضح أن لعبة التخويف وسياسة التركيع وأسلوب العصا والجزرة قد انتهى إلى غير عودة . ها هي غزة ـ ومن حولها رفح وبيت لاهيا وبيت حانون وسائر المدن الأخرى التي في القطاع ـ تضع أمام الجميع خارطة طريق جديد، وتقدم لهم بدائل عملية أخرى، وتخترع خيارات عديدة ... فمن الأنفاق الأرضية التي حيرت اليهود، إلى صواريخ القسام التي تتقدم باطراد على الأرض، إلى أسلوب الكمائن والكر والفر على مجموعات الصهاينة، إلى كلمة (لا) الصلبة التي رفعتها في وجه الوحش الكاسر (إسرائيل)، إلى غير هذا وذاك من فنون وإبداعات وأساليب واختراعات .
وعلى الرغم من مرور أكثر من خمسة عشر يوماً على آخر نوبة من الجنون الإسرائيلي الذي ابتليت به المنطقة بأسرها ـ وكانت أياماً سوداء طويلة وحزينة ـ فلا تزال غزة عصيََّة قوية ، شامخة أبية . ولست الآن بصدد المطالبة بوقف العدوان على غزة ، ولا أريد رفع شعار فتح المعابر للمساعدات الإنسانية، ولا أدعو إلى العودة إلى التهدئة وفك الحصار وعودة المفاوضات ... فهذا كله في رأيي وظني خسارة كبرى، بعدما حققته غزة من انتصارات ومكاسب وثبات إنني أدعو إلى تحريك قطاع رام الله في نفس الاتجاه ... اتجاه المقاومة والصمود، والبدء عملياً في حفر أنفاق من غزة إلى مدن الضفة الغربية، لتهريب السلاح والصواريخ والمجاهدين إليها ، ثم الدعوة بعد حين إلى فتح معابر الأردن وسوريا ومصر ولبنان والسعودية إلى فلسطين ... فالحرب الحقيقية الشاملة الطويلة هي التي ترعب اليهود، وهم أضعف الناس وأجبنهم فيها ، وآلتهم الحربية بكل ألوانها وأشكالها لن تنفعهم شيئاً إزاء محيط ملتهب من البشر والدول والأمم من حولهم، ترفض وجودهم وتأبى جيرتهم ولا تعترف بهم .
نعم إن شرارة الحل الحقيقي تتمثل في قدح زناد رام الله رغماً عن كل المطبلين والمزمرين لإسرائيل وللتفاوض معها واسترضائها والرضوخ لشروطها.
رام الله يا جماعة هي أخت غزة الأقرب في الجغرافيا، ومؤشر الخطر الأكبر عند اليهود، والامتداد الطبيعي لأرض فلسطين ، وحولها مدن أخرى لا تقل عنها أصالة ولا تنقصها الغيرة والحمية ... حولها جنين والخليل والبيرة وطولكرم وقلقيلية وأريحا ... فمتى تهب رياح التغيير على سلطة متسلطة كالسلطة، ومتى نسمع أزيز الرصاص ودوي الهاون وانطلاقة الصواريخ، من بيارات الضفة الغربية وجوار القدس الشريف وشواطئ البحر الميت كلما سقط شهيد في غزة زاد حرف في وثيقة الحرية، وكلما انهار مبنى فيها اقتربت خطوة نحو النصر، وكلما لمعت في سمائها قذيفة لليهود أو حلقت فوقها مروحية أو نفاثة ضاقت سبل الهزيمة أمام المعتدين .
والنصرة الحقيقية الأهم حالياً لغزة ليست من مصر ولا من سوريا ولا من الأردن ولا من لبنان ... إن أخوف ما يخاف اليهود وأشد ما يحسبون له ألف حساب أن ينقلب السحر على الساحر، فيصبح ذات يوم على حركة انقلاب شعبي عارم، يكتسح مؤسسات المتعاونين معه، ويطهر رام الله والمدن الأخرى من أزلام النظام الفاسد، ويطحن المتعاونين معه طحناً لا رحمة فيه، فعند ذلك يفقد اليهود صوابهم . وتتهاوى تباعاً دعاوى التطبيع ومواعيد المفاوضات والعيش المشترك، الذي طالما اتخذها اليهود ذريعة لفرض الأمر الواقع وقمع أية محاولة للتحرير .
من غزة بدأ الصمود، وفي رام الله يغلق طريق العودة إلى الوراء أمام اليهود، ولتتجه كافة الحناجر والشعارات والتظاهرات نحو التطوير الطبيعي للأحداث، والتركيز على رام الله وما حولها، فقد آن الأوان، وما النصر إلا صبر ساعة، وليس أمام إسرائيل خيارات أخرى سوى استخدام المزيد من العنف والقصف . وهذا ما أثبت فشله في غزة وسقط متهاوياً أمام بواباتها . عبد الله نجيب سالم الباحث الشرعي بالموسوعة الفقهية 10 / 1 / 2009



جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين