هذه هي أسباب ما يحل بنا - محاضرة رئيسة جمعية الاتحاد الإسلامي في المركز الإسلامي
محاضرة رئيس جمعية الاتحاد الإسلامي في المركز الإسلامي
(هذه هي أسباب ما يَحُلُّ بنا)
عائشة بكار
مختصر المحاضرة 18 جُمادى الآخرة 1429هـ
23 حزيران 2008م
 
هذا الموضوع على غاية من الخطورة لأننا نتأذى بما يحل بالمسلمين، ولا نقصد الأحداث الأخيرة التي حصلت في شهر أيار فقط والتي جعلتنا نقف وقفة نراجع فيها حساباتنا ونتعمّق في دراسة الأزمة ونتعرّف على أسبابها بل نقصد واقع العالم الإسلامي برمته؛ فوضع أمتنا ليس صحيّاً على الإطلاق بل هو في غرفة العناية الفائقة:
-         صراع واصطراع واحتراب على المستوى السياسي.
-         تخلف على المستوى العلمي والثقافي والتكنولوجي.
-         فساد وغلاء فاحش ونسبة بطالة عالية على المستوى الاجتماعي والمعيشي.
-         جهل وتفلت وتسيب وتمييع على المستوى الديني.
ولقد صدق الشاعر في توصيف حال أمتنا فقال:
وزماننا هذا الذي ترونه             حلّ الفساد به بلا كتمانِ
والأرض من أطرافها منقوصة      والدين منبوذ وراء الظُّهرانِ
 
لهذه الأسباب مجتمعة كان لا بدّ لنا من التعرّف على أسباب ما يحلّ بنا حتى نبدأ التعاطي معها بالشكل الصحيح، وندخل المدخل الصحيح للتغيير.
 
بعض أسباب ما يحلّ بنا كما ورد في القرآن الكريم
1- ?وكأين من قرية عتت عن أمر ربّها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذّبناها عذاباً نكرا * فذاقت وبال أمرها وكانت عاقبة أمرها خُسرا? سورة الطلاق: 8.
2- ?وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ? سورة النحل:112.
المثل: يأتي في القرآن بمعنى الشبه أو الوصف أو الأنموذج الذي يخضع لسنة وقانون، وهذا الأخير هو المراد في هذه الآية.
قرية: تطلق على كل تجمّع سكني.
أنعُمُ الله: على رأس هذه النعم الإسلام الذي هو دين ربِّ العالمين، ولأنه رأس النعم ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يسمع بي أحد يهودي ولا نصراني ثمّ لا يؤمن بما جئتُ به إلا كان من أصحاب النار"، ومن أجلّ النعم الحكم بما أنزل الله فنبذه جريمة كبيرة تتسبّب بكوارث خطيرة، ثم سائر ما يخطر على البال من نعم.
3-    ?ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم? سورة الأنفال: 46.
 
بعض الأحاديث التي تصف واقعنا بحذافيره
وأكثر هذه الأحاديث أوردها العلماء في كتب (دلائل النبوة).
1- في سنن أبي داوود عن ابن عمر بسند صحيح قال رسول الله: "إذا تبايعتم بالعِينة ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزِعُه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم".
2- وفي مسند الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه- وأورده الإمام أبو داود في سننه في كتاب الملاحم، باب (تداعي الأمم على الإسلام)- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشِكُ أن تتداعَى عليكم الأمم من كل أفق كما تتداعى الأَكَلة على قصعتها، قالوا: أوَ مِنْ قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟، قال: لا بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل! والله لينزِعَنَّ الله المهابة من صدور عدوكم منكم وليقذِفَنَّ في قلوبكم الوهْن. قالوا: وما الوهْن يا رسول الله؟ قال: حبّ الحياة وفي رواية: حب الدنيا وكراهية الموت".
3- وفي صحيح ابن حبّان عن أمامة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لتُنْتَقَضَنَّ عُرى الإسلام عُروة عُروة وكلّما انتُقضت عُروة تشبّث الناس بالتي تليها؛ فأولها نقضاً الحكم وآخرها الصلاة".
4- وورد في سنن ابن ماجه في كتاب الفتن عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "يَدْرُس الإسلام كما يَدْرُس وَشْيُ الثوب حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة... إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: «ويبقى طائفة من الناس الشيخ الكبير والعجوز، يقولون إنّا أدركنا آباءنا على كلمة: (لا إله إلا الله) نحن نقولها" وصححه الحافظ البوصيري والحاكم ووافقه الذهبي.
5- وفي سنن الترمذي وصححه الضياء المقدسي عن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول التي تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين".
6- وفي معجم الإمام الطبراني بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه بسند صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث مهلكات: شحّ مطاع وهوى متّبع وإعجاب كل ذي امرىء بنفسه".
 
صياغة الأسباب المستفادة من النصوص والواقع
صياغة كليّة
 
1- البعد عن الإسلام:
 ليس فقط في السلوك والتطبيق بل في فهم حقيقته بدليل أن كثيراً من الناس يقتصرون في فهمهم على الإسلام على القيام ببعض العبادات والشعائر ويقبلون في سائر جوانب حياتهم بالأحكام الوضعية، والإسلام في الحقيقة أوسع وأشمل هو الاستسلام لأمر الله في كل شؤون الحياة ?ولما أسلما وتله للجبين?سورة الصافات: 103 وآية أخرى: ?قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين? سورة الأنعام: 162، وإذا أردنا أن نسقط الآية الأخيرة لا سيما قوله تعالى (مماتي) على الواقع اللبناني، فسون نجد أنّ كثير من الناس في الأحداث الأخيرة قاتلوا وماتوا لغير الله تعالى، مع العلم أنه ورد في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤاله: "الرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل رياءً أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"،  وفي صحيح مسلم وسنن النسائي حديث عنون له الإمام النسائي: (باب التغليظ فيمن يقاتل تحت راية عُمِّيَّة) قوله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل تحت راية عمية يدعو لعصبية ويغضب لعصبية فقُتل فقِتْلتُه جاهلية"، وقال العلامة السندي شارح النسائي: يقاتل لا لإظهار الدين ولا لإعلاء كلمة الله.
 
2- جنون الفساد: ويتجلّى في التعري: ورد في صحيح مسلم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات... لا يَدْخُلن الجنة ولا يَجِدْن ريحها"، وهذا الحديث ورد في كتب (دلائل النبوة).
ولا ننسى الدور الكبير للذين يروِّجون لهذا الفساد من وسائل إعلام، دُور أزياء وغيرهما، والله سبحانه تعالى يقول: ?ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً? سورة النساء: 27.
ورحم الله الزاهد الأديب ابن عسّال في قوله:
لولا ذنوبُ المسلمين وأنهم                      ركبوا الكبائرَ ما لهنّ خفاءُ
ما كان يُنْصَر للحقارى فارسٌ                  أبداً عليهم بالذنوب عليهم الدّاء
 
3-   الانضباع الحضاري وانعدام الوزن:
عندما كان المسلمون يتقيّدون بمنهج الله في وأفكارهم وأخلاقهم وعطائهم كانت الثمرة حضارةً رائعة أنتجوها في القِيَم والعمران (وحضارة الأندلس نموذج)؛ أما اليوم فأصبح حال المسلمين كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لتتبعُنّ سَنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو أنّ أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتم".
 
4-   الحكّام وعلماء السلاطين:
وضع الحكام: فقر ديني وفكري وبياني وروحي، وينطبق على معظمهم وصف (السفاهة) ووصف (الرّويْبضة) كما نطق بذلك فم النبوّة: ففي الحديث الذي ورد في مسند الإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخاف عليكم ستاً: إمارةَ السفهاء، وكثرةَ الشُّرَط، وبيعَ الحُكْم، واستخفافاً بالدم، وقطيعةَ الرحم، ونَشَأَ يتّخذون القرآن مزاميرُ يقدّمون من يغنّيهم وليس بأفضلهم ولا أفقههم".
وفيه وصححه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قبل الساعةسِنون خدّاعة يُصدّق فيها الكاذب ويُكذّب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخوّنفيها الأمين، ويتكلّم فيها الرويبضة"، قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟ فقال صلى اللهعليه وسلم: الرجل التافه يتكلّم في أمر العامة"، وفي مسند الإمام أحمد رواية: ويُنظر فيها للرويبضة. قال العلامة السَّنْدي في شرحالمسند: ينظر للرويبضة نظرة إجلال وتقدير.
أما علماء السلطان فمن أعظم وأخطر أسباب ما يحلّ بالمسلمين، وقد ورد التحذير منهم على لسان النبوة ففي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر بسندٍ صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "غيرُ الدجال أخوَف على أمتي من الدجّال، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الأئمّة المُضلّون".
 
لفت نظر مهم: ما تعانيه الأمة الإسلامية من أمراض لا يسوِّغ لنا اليأس لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشّر في أحاديث كثيرة أن المستقبل للإسلام والغَلَبة في قال: "ليبلُغَنّ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار"، وبيّن في أحاديث أخرى أنّ هذه الأمة مرحومة، وأنّ الخير فيها لا ينقطع فقال: "مَثَلُ أمتي مثل المطر لا يُدرَى أولُه خير أم آخِرُه" كما في سنن الترمذي بسند حسن، وحديث آخر موجود في صحيح مسلم قال فيه: "لا تزال أمتي قائمة على أمر الله حتى تقوم الساعة".
شروط النهوض: النهوض معناه الأخذ بأسباب القوة الحضاريّة... فنبدأ بأنفسنا... ننطلق من منهج الله (كتاب الله وسُنّته)... نستقي منهما أفكارنا ومناهجنا وطرق عملنا ومخططات نهوضنا، ولكن يجب أن نضع في حسباننا ثلاثة شروط أساسية نراعيها من أجل التغيير المنشود والنهوض معناه، وهي:
1. التبيُّن: قال تعالى: ?قد تبيَّن الرشد من الغي?، فما لم نتبيَّنَ الحق أولاً ونفرِّق بينه وبين الباطل ونعرف (الصراط المستقيم) لا يمكن أن نتوقّع النهوض، ومن التبيُّن: دراسة واقع الأمة الإسلامية ومشاكلها، وإنزال أحكام الله عز وجل على القضايا الكبرى في خطط عمل لمعالجتها.
2. الشعور بالمسؤولية: بمعنى أنه إذا لم يعتبر كل واحد منا أنه مسؤول عن واقع المسلمين، ويُحسّ بالخطر لا يمكن أن يُساهم في الجهد، ولنتأمّل كثيراً قول الله تعالى: ?أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ? سورة آل عمران:165.
3. العزيمة: والشاعر يقول:
وما نيلُ المطالب بالتمني                       ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو به ويعلّمه لأصحابه: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد".
 
واللهُ نسأل أن يُلهمنا رُشدنا ويسدّد جهودنا
ويُثبّتنا على الحقّ ويهيدنا
إلى الأسباب التي يرضى بها عنا
آمين
جانب من الحضور
 
للحصول على المحاضرة كاسيت أو فيديو أوCD  
يرجى الاتصال على مكتبة الرسالة مقابل الجامعة العربية 313973/01
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين