آلام وآمال حول أحداث غزة لا تهنوا ولا تحزنوا

(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 0 فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)

في غمرة الألم والحزن الذي يعتصر قلب كلّ مسلم لديه ذرة إيمان يبقى المؤمن واثقاً بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين مطمئناً إلى أن الفرج يأتي من قلب الضيق ، وأن مع العسر يسرا ، ولن يغلب عسر يسرين، وأن الباطل مهما تمادى وعلا وأرغى وأزبد لابد أن يندحر وينتهي ، أما الحق فهو باق إلى قيام الساعة ، وأمر المؤمن دائماً إلى خير . ( ... وإن أصابتهُ ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم . ويؤمن :( أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ) .

إن الآلة العسكرية الضخمة التي تمتلكها دولة اليهود، والتي تحاول أن تدمر بها كل شيء تستطيع تدميره لم تزد الفئة المؤمنة المجاهدة الصابرة إلا إيماناً وثقة بنصر الله ، وإن التآمر العالمي على هذه الفئة لم يزدها إلا إصراراً على ثوابتها ضاربة بإصرارها وصمودها كل محاولات التركيع والإذلال ، حالهم حال الفئة المؤمنة الأولى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يردون على كلّ هذه التهديدات بقولهم : ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) 

ماأشبه حال الفئة المؤمنة اليوم، وهي تواجه هذه القوة العاتية بحال المؤمنين في غزوة الأحزاب كما وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله: ( إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا 0 هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) .

رغم المحنة الشديدة يرتفع صوت المؤمنين عالياً مدوياً (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) وهكذا يرتفع اليوم صوت الفئة المؤمنة في فلسطين تلك الفئة التي عاهدت الله تعالى على الجهاد في سبيله لتطهير أرض النبوات من دنس اليهود الغاشمين فهي تنتظر إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة ، وتقدم الشهداء الواحد تلو الآخر من أمثال : البطل الشامخ الشيخ أحمد ياسين إلى عبدالعزيز الرنتيسي إلى إسماعيل أبو شنب إلى نزار ريَّان وهكذا تتوالى قوافل الشهداء لتروي الأرض المباركة بدمائها الزكية الطاهرة .

وصدق فيهم قول الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) نعم لم تبدلوا ، ولن تبدلوا بإذن الله ولم تغركم المناصب ولن تفتنكم الدنيا ولا الإغراءات ، ولن تخيفكم التهديدات ولا الصواريخ ولا الطائرات ولا الدبابات . 

أيها الفئة المنصورة بإذن الله (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ، والله معكم ولن يتركم أعمالكم وسينجز لكم ماوعدكم، ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )

أما أنتم أيها المتخاذلون ، أيها المتهالكون ، يامن جعلتم قضيتكم مصدراً للثراء والابتزاز والعمالة والركوع ثم الخوف والجبن والخور أقول لكم ماذكره الله تعالى في كتابه :

(قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ، قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ،أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) الأحزاب 

وأخيراً لابد لهذا الليل من آخر ، ولابد لهذا الليل أن ينجلي ، وماهذه التضحيات وقوافل الشهداء إلا وقود النصر والعزة والكرامة ، وماهذا التفاؤل والأمل الذي يخالج قلوبنا إلا بعض ماعند هذه الفئة المؤمنة التي كلما استمعت إلى بطل من أبطالها ورأيت حديثه ينبض بالإيمان الصادق والثقة بنصر الله الأكيد تضاءلت نفسي وبكيت عليها وشعرت أن هذا القول موجَّه إليّ ولأمثالي.

ياعابد الحرمين لو أبصرتنـا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه فنحورنـا بدمائنـا تخضب

فمعذرة إليكم – إخوة الإيمان ، لكم تفطرت قلوبنا أن نشاركَكم محنتكم بأجسادنا وأرواحنا وبكل غال ورخيص لدينا ، وما كلُّ مايتمناه المرء يدركه ، وهنيئاً لكم صبركم ومصابرتكم وتضحياتكم ، وهنيئاً لشهدائكم الذين اختارهم الله لجواره فهم الأحياء وهم الأخيار 

( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ).

أما أنتم يامن جرحتم في سبيل الله في معركة الكرامة والعزة فلا نملك إلا أن ندعو الله تعالى لكم من أعماق قلوبنا أن يكتب لكم الشفاء والعافية وأن يردكم إلى ذويكم سالمين غانمين وما أعد الله لكم من الأجر أعظم وأبقى ،وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : ( مايصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همًّ ولاحزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه ) .

وما أعظم مابشر الرسول صلى الله عليه وسلم به الذين يجرحون في المعركة بقوله مامن كَلم ـ جرح ـ ُيكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كُـِلم اللون لون دم ، والريح ريح مسك .

فبالله ثقوا ، وعليه توكلوا ، وإليه أنيبوا ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) وإنَ غداً لناظره قريب 

وفي الختام أُذَكّر نفسي وإخواني الذين يعيشون مع إخوانهم المجاهدين بشعورهم وقلوبهم بأن الجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس ، فإذا لم يكتب لنا شرف الجهاد فلنجاهد بأموالنا في سبيل الله ولنتذكر قول الله تعالى 

( هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) صدق الله العظيم 

نشرت في 2009 وقد أعيد تنسيقها ونشرها اليوم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين