الحزب السياسي عماد الحياة السياسية المعاصرة

 

الحزب السياسي هو أحد المؤسسات الأساسية التي تقوم عليها الحياة السياسية المعاصرة، و هو يضم مجموعة منظمة من الأفراد يملكون رؤية سياسية مشتركة و يهدفون إلى الوصول إلى الوصول إلى السلطة من خلال عملية ديمقراطية و بذلك يتمكن الحزب من تمثيل تطلعات أعضائه و مناصريه للوصول إلى السلطتين التشريعية و التنفيذية.

و بالرغم من أن الوصول إلى السلطة هو أحد أبرز إنجازات الأحزاب السياسية فإن الإنجاز الأكبر هو المشاركة في الانتقال السلمي للسلطة عبر آليات ديمقراطية حرة يتفق عليها كل الفرقاء، و بذلك تنجو الأمم التي تطبق هذه المعايير من العنف و إراقة الدماء التي واكبت الانتقال العنيف للسلطة في العصور السالفة.

 

و حتى يمارس الحزب هذا الدور الإيجابي لابد له من بيئة سياسية حاضنة و ضمانات ديمقراطية دستورية مثل حرية التنظيم و الترشح و الانتخابات، و كذلك حرية التعبير و التجمع بالإضافة للإجراءات التي تضمن تكافؤ الفرص و الوصول إلى وسائل الإعلام مع وجود  تمويل سياسي شفاف، و تضمن كذلك الاعتراف بالتعددية الدينية و العرقية و التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع.

و هنا قد يقول قائل إن الانتماء للأحزاب السياسية هو مدعاة فرقة بين المسلمين و تعدد الأحزاب يؤدي إلى التنابذ و الاختلاف: قال تعالى : "فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم عظيم" آية 65 الزخرف و قال كذلك:"كل حزب ما لديهم فرحون" آية 32 سورة الروم. بل إن كثيرا من الأحزاب تخلت عن مبادئها و قلبت ظهر المجن لشعوبها و أذاقتها ويلات الظلم و الإرهاب و قالت للناس ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد. و قد يقولوا أيضا إن الانتماء إلى حزب أو جماعة إسلامية مع وجود الحاكم العادل أو الجائر "لاحظ كلمة الجائر" ينافي الانتماء للدولة لأن ذلك خروج على جماعة المسلمين و إمامهم و خروج على ما كان عليه السلف الصالح، و الدولة المسلمة لا تحتاج إلى أحزاب لأنها دولة ملتزمة وقافة عند حدود الله تعالى كما وصفها القرآن الكريم  ( الذين إذا مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر" )الآية 41 سورة الحج.

و الحق أن المسلم مهما بلغ تقاه ليس معصوما عن الخطأ و كل الناس بشر لا يؤمن أن تغرهم الحياة الدنيا فيستبدوا و يظلموا و أشد أنواع الاستبداد ما كان باسم الدين و لابد من وضع الضوابط لمنع الاستبداد من الوقوع و الآليات القانونية لإزالته إذا وقع.

 

و أما التعدد الحزبي فهو ليس التفرق المذموم الذي جاء في القرآن الكريم " و لا تكونوا كالذين تفرقوا فاختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات" بل هو من باب الرحمة التي وسع بها على الأمة و آلية من الآليات التي أثبتت نجاعتها في مكافحة الاستبداد و التسلط، يقول الشاطبي "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا ، فقد يكون الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ و لكن له مآل على خلاف ما قصد فيه" – الموافقات 4-194 . ، و هذه القاعدة تقودنا لمشروعية التعددية الساسية رغم ما قد يشوبها من بعض التجاوزات فالاستقرار السايسي في الدولة و منع فتنة الخروج المسلح على الأئمة أحد مقاصد الشريعة غي هذا الباب و لم يقف الخروج عند حدود الرعيل الأول بل سرى و استشرى في معظم مسيرة التاريخ الإسلامي ، وإذا كان الخلاف حقيقة واقعة و التعددية أمرا واقعا كذلك فلم لا يمكن استنباط صيغة للتعامل مع المعارضين  تكفل مشاركتهم السلمية و تقي الأمة غوائل الخروج المسلح و حركات التمرد الهوجاء.

 

الدولة الإسلامية لا تضيق ذرعا بالتنوع الذي يعتبره الإسلام سنة كونية و لا تعمل على إقصاء الآخر الذي يحمل أفكارا سياسية مغايرة و لا تفرض رأيها عليه ، و كيف لا تكون حرية الرأي السياسي إذا كانت لديه أصلا حرية الاعتقاد، كما أن الدولة الإسلامية ليست دولة دينية ثيوقراطية و إنما دولة مدنية مرجعيتها إسلامية رئيسها ليس معصوما و أعضاؤها ليسوا قد يسين بل هم بشر يصيبون و يخطئون و يحتاجون للتقويم و التسديد.

 

و في الختام نقول إن فكرة الأحزاب الساسية المعاصرة نشأت و ترعرت في بيئة أوروبية غير مسلمة و لكنها تجربة أثبتت نجاحها في المشاركة في حياة سياسية قلمت أظافر الاستبداد و أرست قواعد العدل الاجتماعي و السياسي و الانتقال السلمي للسلطة

، و الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.    

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين