مكة تحت الحصار - مشاهد متطابقة بين حصار مكة وحصار غزة

غزة ومكة... حصار ودمار!


بقلم: يوسف القادري 28/12/1429 = 26/12/2008


التاريخ يعيد نفسه، و"الحصارُ الصهيوني- عربي" المضروب على غزة اليوم، يُذكّرنا بالمقاطعة التي أحكَمَتْها "السلطة الوثنية العربية" على رسول الله محمد وبني هاشم في مكة، منذ نحو 1430سنة وسيتعجب القارئ مِن تَشَابه أو تطابق التكتيك والتفاصيل التي اعتمدتها قيادات الإجرام القديمة والمعاصرة. وإليك المقارنات:
1. الأسباب والخَلْفيات: مَزَّق الحقدُ أبا جهل ومشركي مكة لِمَا رأوه من نجاحاتِ وانتشارِ الدعوة الإسلامية في القبائل، واعتناقِ عمر بن الخطاب للإسلام، وأداءِ المسلمين صلاتهم علانية عند الكعبة المشرفة، وحمايةِ النجاشي مَلِك الحبشة اللاجئين المسلمين الذين هاجروا إليه، وفَشَلِ مَساعي عمرو بن العاص لاسترجاعهم والتنكيل بهم...
       تَوافَقَ زعماءُ قريش على قتلِ النبي صلى الله عليه وسلم فأجمعَ أبو طالب وأقاربه بنو هاشم (مسلمين وغير مسلمين) على إدخال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى شِعْب بني هاشم (وهو وادٍ فيه بيت أبي طالب)، ورفضوا تسليمه، والتفُّوا حوله يحمونه.
وفي فلسطين عندما حققت الدعوة الإسلامية نجاحات متوالية: في توسيع حاملي فكرتها الإسلامية من كل شرائح المجتمع ومؤسساته، وتفعيل دور المسجد، وإلحاق الذل والهزيمة بالمحتل الصهيوني حتى اضطروهم بجهادهم إلى الانسحاب مِن غَزة. ثم أكَّدَت للقاصي والداني أن الأكثرية الساحقة تثق بتسليم قيادها للإسلام – عندها حاول أعداء الإسلام خنقَ حماس فكان الردّ التفافَ الشارع حولَها.
2. تصعيدٌ إجرامي: وكانت الخطوة التالية لقريش "خطة جهنمية" اتفق المشركون فيها على مقاطعة المسلمين (ومن ساندهم) في شِعبهم؛ ألاّ يجالسوهم ولا يخالطوهم، ولا يبايعوهم ولا يناكحوهم، ولا يتركوهم يعودون إلى بيوتهم: حتى يسلّموا محمداً للقتل! وعادوا لاستعمال سياسة تعذيب بعض المسلمين لعلهم يتركون دينهم.
وكذا في غزة: قرر اليهود وحلفاؤهم إغلاق الْمَعابر العِبرية والعَربية! وإحكام الحصار: حتى يسحبوا الثقة من المشروع الإسلامي.
3. تزويرُ الشرعية: وحاولت قريشٌ في ظلْمها الاستقواءَ بالكعبة المشرّفة فكتبوا صحيفة "تُشَرْعِن" مقاطعتها المجرمة الظالمة، وعلقوها في جوف الكعبة في 1 محرم 7سنة قبل الهجرة!
مثل غزة: حيث يدعي اليهود وأعاونهم أن جريمتهم قانونيةّ! تحت صَمْت أو تأييد المنظمات الدولية.
4. اشتداد المِحْنة: كانت قريش تَسمع بكاء أطفال بني هاشم من الجوع وترى معاناة نسائهم، حتى أكلوا أوراق الشجر.
       وفي غزة: بلغت المحنة أَشُدّها (لا ماء - لا غذاء - لا دواء - لا كهرباء)!! ولكن الرد اعتصام مئات الآلاف مساندة لشريعتهم ورافعي راية عقيدتهم في وجه المحتل الغاصب، والمتواطئ المتنازل.
5. أبو لهب وإخوانه: ومما يلفت النظر أن أبا لهب لم يَنضمّ إلى قومه وإلى أخيه أبي طالب وابنِ أخيه محمد صلى الله عليه وسلم، بل شذّ عن إجماعهم ولَحِق بالعدو السفّاح الغاصب.
       ولكن الأعجب أن القرار الصهيوني المجرم اليوم وَجد ألفَ ألفِ "أبي لهب" ينحاز إليه ويسانده!
6. محاولات كَسْر الحصار: لم يستسلم أصحاب العزائم والفطرة الإنسانية للواقع الجائر فكان بعضهم يُمِدّ المحاصرين في جُنح الليل بما يستطيعه بناقة محمَّلة طعاماً كهشام بن عمرو وكحكيم بن حزام وغيرهما.
وفي غزة: كلما طَمَر المجرمون نفقاً تُحفر مقابِلَه أنفاق. وتتوجه سفن الكرامة من مسلمين وغير مسلمين تحدياً للطغيان، ومنها سفينة من لبنان موعد انطلاقها 3/1/2009 نسأل الله أن تحقق غوثاً للمظلومين وغيظاً للظالمين.
7. الاختلاف في القيم والمبادئ: ظن كفار قريش أن الماديات تنفد بالتحكم بمواقف المسلمين كما تتحكم بهم، فتفاجؤوا من ثبات المسلمين وإصرارهم، وعندما تَعرّض عثمان بن مَظْعون إلى الضرب والتعذيب (من سلطة أبي جهل الحاكمة في مكة) ونالت ضربةٌ عينَه فازرقت، فقال له الوليد بن المغيرة -وهو من مشركي قريش- مشفقاً: "يا ابن أخي والله إن عينَك كانت في غِنى عما أصابها!" فأجابه عثمان: "والله إنّ عيني الصحيحةَ تفتقر إلى ما أُصيبت به عيني الأخرى في سبيل الله!".
       واليوم في غزة: تتبع القوى العالمية المنحازة لليهود الترغيب والترهيب (سياسة العصا والجزرة) حيث نزلت الظروف الاقتصادية لثلثي أهل غزة إلى ما تحت خط الفقر! و60% من أطفالهم يعانون الأمراض... ولا نجد منهم إلا ثباتاً كالجبال الشامخة. بل وجدنا أن المبادرة صارت بيد مجاهدي فلسطين -باعتراف اليهود- حيث لم يجددوا الهدنة فأوقعوا المحتلين في أزمات نفسية ورُعب هجَّرهم ببضعة صواريخ، فحققوا معادلة "غزةُ تحاصركم".
8. الرسالة مستمرة مَهما كانت الظروف: فقد بَيّنتْ كُتبُ السيرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دأب على الدعوة إلى الله طَوال فترة الحصار.
وفي غزة اليوم: تُكمل المؤسسات والأفراد مسيرة الدعوة، وقد خضع 400 لدورة صيفية حفظوا فيها القرآن تحت الحصار، وهكذا لم يتجمد دور المسلم في فلسطين تجاه الدعوة عبر كل جوانب الحياة.
9. ونجحوا في كسر الحصار: بعد 30 شهراً اختار هشام بن عمرو 4 رجال فتوافقوا على أن يقف زهير بن أبي أمية عند الكعبة فينادي بنقْض هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فلمّا أعلن ذلك عارضه أبو جهل فقام أصحاب زهير وساندوه في موقفه. فلمّا فُتحت الكعبة وجدوا أن السُّوس (الأَرَضة) أكلها كلها إلا اسم الله في أولها (باسمك اللهم)! تماماً كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق الوَحْي قبل فتح الكعبة. ولا ننسى مكافأة الله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج ثم الهجرة إلى المدينة ليعود فاتحاً لمكة سنة 8هـ.
وفي غزة: ننتظر بعد عام من المقاطعة أن يُكرم الله أهل غزة على صبرهم نصراً وكسراً لحصارهم، كما كافأهم بالتحرير.
أخي المسلم أختي المسلمة: لو كنتَِ زمن حصار مكة كيف نصرتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وصحابته الكرام؟ قال الله تعالى: ?وإنِ اسْتَنْصَروُكُمْ فِي الدِّين فَعَلَيْكُم النَّصْـر ?[الأنفال: 72]، هذا خطاب الله لنا... لكَِ! أنْ تحبهم وتَحمل همهم وتنشر أخبارهم وتبث قضيتهم وتحشد لها الدعم وتدعو لهم، وتخففَ مِن مصاريفك لترسل إليهم كل ما تستطيع مِن مال، وقد تذهب بنفسك لتوصل المعونة إليهم! لِمَ لا؟! وتلتزم طاعة الله وتتجنب المعاصي والإفراط من الكمالياتِ واللهوِ...
باختصار: أن نؤدّي واجبنا تجاه حصار غزة وكأنه حصار مكة! حيث المَشاهدُ شِبْه متطابقة في إنجازات الأبطال كما في خزايا الفجار

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين