الحقد اليهودي - اليهود عبر التاريخ
‏‏الجمعة‏، 23‏ ذو القعدة‏، 1429 الموافق ‏21‏/11‏/2008
الحقد اليهودي

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:
ليس من دأبي أن أُسَخِّرَ مثل هذا المنبر في مثل هذا المقام لمعالجة المشكلات السياسية مهما كانت، ولكن عندما تجدُّ حوادث يُسَخَّرُ ويُسْتَخْدَمُ فيها الدين للسياسة في طريقة من المزج شائنة فلابد أن ننتصر في مثل الموقف للدين الحق ولابد أن نحرر الدين الحق من السياسة التي تريد أن تستخدمه وأن تقوده لصالحها، والله المستعان أن يجعل أعمالنا وأقوالنا كلها خالصة لوجهه. في لقاء ضم طائفة من رؤساء وملوك العالم العربي في أمريكا تحت قيادة وتبريك ولي أمرها الراحل تحت عنوان حوارات الأديان قام فتكلم رئيس الكيان الإسرائيلي الذي كان يتبوأ مكان الصدارة في ذلك اللقاء، قام فقال إن كان هنالك من ينادي بضرورة العودة إلى فلسطين فإننا بدورنا ننادي بضرورة العودة إلى يثرب، أي إلى المدينة المنورة. ونظراً إلى أن رئيس الكيان الإسرائيلي لم يجد من يجيبه على جرأته هذه التي تجاوزت حدود العدالة والحق وتجاوزت حدود الأدب واللياقة إذاً لابد أن نجيب عن أولئك الرؤساء والملوك الذين تقاصروا أو جبنوا في الإجابة عن هذا الكلام الذي تجاوز أقصى حدود اللياقة. نقول إن عدالة الإسلام رحبت بالقبائل اليهودية التي كانت تقيم في المدينة المنورة في ظل الدولة الإسلامية الفتية التي أعلنها وأقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم  على أساس من التعايش والتعاون والمساواة التامة، ولقد استصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم  آنذاك وثيقة تتألف مما يقارب تسعين بنداً، وهي تلك التي تسمى في المصطلح الحديث اليوم الدستور، نص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم  على هذه الحقيقة التي أقولها لكم، جاء فيها ما نصه: يهود بني عوف أمة مع المسلمين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتِغُ إلا نفسه، أي لا يهلك إلا نفسه. البند الذي يليه: على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وعلى أهل هذه الصحيفة النصر على من حاربهم. هكذا أعلنت عدالة الإسلام وهكذا ترجم الإسلام هذه العدالة إلى واقع. فما الذي حدث بعد ذلك؟ الذي حدث أن الخيانة هي التي قذفت باليهود خارج المدينة المنورة، لا بل إنها سلسلة الغدر والخيانة التي لم تقف عند حد هي التي أخرجت اليهود من المدينة المنورة، بل الذي اقتضى ذلك ميثاق العدالة الذي نص عليه بيان الإسلام والذي نطق واستكتبه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. إليكم بعض النماذج من هذه الخيانة الفاقعة التي تشمئز منها الإنسانية في أي عصر عاشت وإلى أي مذهب من المذاهب انتمت. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى حي يهود بني النضير ليطلب منهم معونة لتقديم الدية لقتيلين قُتِلا خطأً من بني كلاب طبقاً لما تنص عليه الوثيقة أو الدستور الذي حدَّثْتُكم عنه. ولما توسَّطَ بيوتات بني النضير وطلب منهم برفق تقديم المعونة التي تمكنهم قالوا نفعل يا أبا القاسم، وتركوه واقفاً في ظل منـزلٍ من منازلهم وبدلاً من أن يأتوا إليه بالعون تراوضوا فيما بينهم واتفقوا على قتله في فرصة سانحة ما مثلها، وقال أحدهم سأعلوا فوق هذا المنـزل الذي يقف محمد في ظله ولسوف أطرح عليه صخرة تميته وننتهي من أمره. ولكن الوحي الرباني أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم  فتسلل من ذلك المكان عائداً مع صحبه إلى المدينة، ولما سأله أصحابه عن ذلك قال بيت بنو النضير بسوء وغدر وأنبأني الله عز وجل بذلك، فهذه واحدة من صور الغدر بل الخيانة التي غدت مضرب مثل في العالم كله، وإليكم هذا النموذج الثاني. في غزوة الأحزاب، عندما اجتمعت أحزاب المشركين بتخطيط من اليهود أنفسهم، عندما أحدق المشركون بأحزابهم المختلفة بالمدينة المنورة وأحاطوا بها كإحاطة السوار بالمعصم وخرج المسلمون كلهم ليواجهوا هذا العدوان الذي أطبق عليهم من كل الجهات وليس بينهم وبين أولئك المشركين إلا الخندق كان يهود بني قريظة يعيشون آنذاك آمنين سالمين يتعايشون مع المسلمين في مستوىً واحدٍ من الندية لا يدفعون جزية ولا غرامة، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، في تلك الساعة الحرجة والمسلمون كلهم تركوا بيوتاتهم ليستقبلوا هذا العدوان الذي أحاط بهم من كل الجوانب يعلن كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة في قومه اليهود، يعلن نقض العهد، يعلن الخيانة، يعلن تمزيق هذا الاتفاق ويعلن الحرب من داخل المدينة المنورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه. بلغ الخبر رسول الله، ما صدق، لا يُصَدَّق! أناس يعيشون في ظل ظليل من الأمن والحرية والمكانة، في ظل من الأساس الإنساني، ليس في حياتهم أي معنى من معاني الدونية ولا التبعية، فيم يعلنون هذه الحرب في أحلك الساعات وفي أحرج الأوقات! لماذا! إنه الحقد ولا شيء غير الحقد. وبعث رسول صلى الله عليه وسلم  من يأتيه الخبر الحق وإذا بالأمر حقيقة، وإذا الأمر يُذْهِلُ الإنسانية تماماً كما أذهل رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فهذا نموذج آخر يا عباد الله من هذه الخيانة الفاقعة الغادرة التي قذفت باليهود آنذاك إلى خارج المدينة المنورة. فإن كانت لليهود الإسرائيليين اليوم تَرْيَة وإن كانت لهم دعاية وإن كان لهم حق يريدون أن يحاكموا به فليخاصموا الخيانة التي هي المسؤولة عن إخراجهم من المدينة المنورة، إذا كان لهم خصم يريدون أن يحاكموه في خروجهم من المدينة المنورة فليحاكموا غدرهم وليحاكموا خيانتهم وإنه لطبع قديم متجدد في هذه الطغمة من الناس عرف ذلك التاريخ كله. على أن المصيبة يا عباد الله لا تكمن في كلمات أفرغتها هذه الطبيعة على لسان رئيس الكيان الإسرائيلي، ليست هذه هي المصيبة التي نقول عنها شنشنة أعرفها من أخزمي ولكن المصيبة أن تواجه كلماته هذه جدراً صامتةً لا تعي ولا تسمع، المصيبة كل المصيبة ألا يوجد في أولئك الذين تجرأ هذا الوقح وقال ما قال أمامهم، ألا يوجد فيهم من يقول هذا الكلام، من يقول لهم إن الذي بوسعكم أن ترفعوا دعواكم عليه إنما هو غدركم، إنما هو خيانتكم، ولكن أحداً لم يواجهه بشيء. وبيان الله سبحانه وتعالى الخالد المخلد يتكرر على أسماعنا يصور لنا هذا البلاء الذي واجه المسلمين من خارج المدينة ثم تفجر عليهم من داخل المدينة ”إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا“. والذي أريد أن أقوله أيها الإخوة آملاً أن نقطف جميعاً من هذا الحديث العبرة والدرس اللذين ينبغي أن نستفيد منهما في مشكلاتنا المتجددة اليوم هو أن هذا العدوان الذي أحاط بالمدينة المنورة من خارجها إلى جانب هذا الغدر القذر الذي تفجر من داخل المدينة المنورة كل ذلك لم يُصِبْ المسلمين بأي رشاشٍ من أذىً أو ذل أو هوان، وأنتم تعلمون النصر الذي قَيَّضَهُ الله عز وجل للمسلمين يوم الخندق، يوم غزوة الأحزاب. لا الحرب الخارجية استطاعت أن تنال من المسلمين منالاً ولا الغدر الداخلي استطاع أيضاً أن ينال هو الآخر من المسلمين منالاً، كيف ذلك؟ إنما كان ذلك بنصر من الله عز وجل تنـزل عليهم من علو، إنما كان ذلك بتأييدٍ من الله عز وجل وفَّى الله عز وجل به وعده الذي قطعه لرسوله ولأصحابه الذين من حوله، ولكن ماذا كان ثمن ذلك النصر؟ هذا ما ينبغي أن نعلمه، كان ثمن هذا النصر بعد الإعداد الذي لابد منه، وحسبكم من مظاهر هذا الإعداد حفر المسلمين للخندق، الكل، وفي مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  يؤدي هذا الواجب المادي، هذا الإعداد المادي ولكن الثمن من وراء ذلك هو صدق الالتجاء إلى الله، صدق التعامل مع الله، صدق البيعة لله عز وجل، إعلان العبودية لله سبحانه وتعالى لا بألفاظ تقليدية متكررة تعوَّدَ عليها اللسان ولكن بسلوك وبقلب مفعم بتعظيم الله عز وجل وتعظيم حرماته والتمسك بمبادئه. ماذا فعلت خيانة اليهود، يهود بني قريظة؟ ما فعلت شيئاً، ما فعل غدر بني النضير الذين خططوا لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن طريق صخرة يلقونها عليه من علو، ما فعل كل ذلك شيئاً لأن ربك بالمرصاد، لأن الله سبحانه وتعال وليُّ كل من انتصر لدين الله عز وجل ”إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون“. كان ذلك واجباً، لعل المسلمين جميعاً وقعوا في إثم عدم القيام به عندما نطق ذلك الإنسان رئيس الكيان الإسرائيلي بما نطق به يطلب العودة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرضٌ كفائي كان عليَّ أن أرفعه عن كاهلنا وكاهل الأمة الإسلامية كلها بهذه الإجابة التي أسأل الله أن تبلغ مشارق الأرض ومغاربها، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين