شوق وهيام إلى البلد الحرام - الطريق إلى البيت العتيق
ساعة البداية
 
شوق وهيام
 
في الساعة الأولى التي يتحرك فيها ركب الحجيج، ميمماً شطر بيت الله الحرام، يمتلىء قلب المؤمن بالشوق الدافىء والحب الحاني، للقاء البر الرحيم، الحليم الكريم، العفو العظيم... إن المؤمن آنذاك في الطريق للقاء ربه.
 
يقول الإمام أبو حامد الغزالي: (فالشوق إلى لقاء الله عز وجل يشوقه إلى أسباب اللقاء لا محالة.. هذا مع أن المحب مشتاق إلى كل ماله إلى محبوبه إضافة، والبيت مضاف إلى الله عز وجل، فبالحري أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة، فضلاً عن الطلب لنيل ما وعد عليه من الثواب الجزيل).
 
هذا الشوق الذي يحرك القلب تحريكاً يرقق الفؤاد ويذيب الجماد نابع من تعلق القلب بصفات الله العليا، وأسمائه الحسنى، التي نطق بها القرآن ووردت بها السنة، وهام بها الهائمون، وتغنى بها العارفون، وسبح بها المسبحون، والتي لولاها لكان هذا الدين خشيباً جامداً، لا يملك على أتباعه قلباً، ولا يثير فيهم عاطفة، ولا يبعث فيهم حماساً.
ومن هنا فإن ساعة الإقبال على الله ينبغي أن تتميز بشدة الحرص على الأسلوب الصحيح، لأفضل بداية تضمن خير نهاية، فالبدايات نهايات كما يقول أرباب المعارف والقلوب.
 
ولا يشرك بعبادة ربه أحداً
 
إن مما يحرص عليه الحاج في هذه الساعة:
1ـ على الحاج أن يقصد ساعة تحركه لحجه وعمرته وجه الله تعالى، لأن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، وليتذكر الحاج جيداً أن النبي r ذكر لنا عن ربه سبحانه وتعالى أنه يقول:
"أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه" (1) فإذا ما خالط قصده الحج شيء من الأغراض المذمومة، والأهواء الفاسدة، والشهوات السفلية كالرغبة بالتباهي أمام الناس، أو قصد رضاهم ومدحهم، فليعلم منذ البداية أنه مطرود غير مقبول، ومذموم غير ممدوح.
 
كيف لا وقد قال الله في كتابه العزيز:
(مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) (2).
ولكن تصحيح النية وإخلاص القصد بالقلب إلى الله لا يعني عدم جواز الحج إذا صحب ذلك تجارة للحاج أو تكسب، فما دامت النية الأصلية - نية الحج - صحيحة خالصة لله، وكان التكسب والتجارة تابعاً لها، فلا مانع من ذلك ولا بأس، وقد نص على ذلك الكتاب العزيز.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفات وسوق ذي المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حُرُم، فأنزل الله سبحانه: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) (1) يعني في مواسم الحج (2).
وكذلك ورد النص بجواز الحج بالنسبة لمن يُؤجِر نفسه، أو يؤجر ركائبه، ما دام قد صحح النية الأصلية بالحج وتجرد عن المقاصد غير المشروعة.
 
 
صلاة ودعاء
 
2ـ وإذا همّ الحاج بالخروج فليصلّ ركعتين أولاً، يقرأ فيهما بعد الفاتحة:
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى، وفي الثانية سورة الإخلاص: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
وقد ورد في صلاة الركعتين عند السفر بعض الآثار المروية عن النبي r (3)
 
3ـ إذا فرغ من صلاة الركعتين رفع الحاج يديه ودعا الله سبحانه بنية خالصة قائلاً:
اللهم أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل والمال والولد والأصحاب، اللهم احفظنا وإياهم من كل آفة وعاهة، اللهم إنا نسألك في مسيرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى... اللهم إنا نسألك أن تطوي لنا الأرض، وتهون علينا السفر، وأن ترزقنا في سفرنا سلامة البدن والدين والمال، وتبلغنا حج بيتك... اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد، اللهم اجعلنا وإياهم في جوارك، ولا تسلبنا وإياهم نعمتك، ولا تغير ما بنا وبهم من عافيتك... اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي، فاكفني ومالا أهتم به، وما أنت به أعلم مني، لا إله إلا أنت عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك.
 
وداع الرفقة المقيمة
 
4ـ ثم ليودع رفقاء الحضر المقيمين وأهله وأصدقاءه، وليدع عند الوداع بدعاء رسول الله r، فقد ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما قال بعض من أراد أن يفارقه بعد أن شيعه: سمعت رسول الله r يقول: " قال لقمان: إن الله تعالى إذا استودع شيئاً حفظه، وإني أستودع الله دينك وأمانتك، وخواتيم عملك" (1).
 
كما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله r كان إذا ودع رجلاً قال:
-    (2).
 
وتتحرك القوافل المباركة
 
5ـ فإذا ركب الحاج سيارته أو طائرته أو باخرته فليقل:
باسم الله، وبالله، والحمد لله، والله أكبر الله أكبر الله أكبر، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم أنت الحامل على الظَهْر، وأنت المستعان على الأمر، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطْوِ عنا بُعده، اللهم إني أعوذ بkأأ،ن
 
ك أن أضل أو أُضل، أو أزل أو أُزل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أَجهل أو يجهل علي.
 
6ـ ويندب أن يبدأ سفره بكرة في أول النهار، حيث تكون البركة والتيسير.
روى جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي r رحل يوم الخميس وهو يريد تبوك وقال:
-    (1) .
 
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا كان لك إلى رجل حاجة فاطلبها منه نهاراً ولا تطلبها ليلاً، واطلبها بكرة، فإني سمعت رسول الله r يقول: " اللهم بارك لأمتي في بكورها" (2)
 
7ـ وتشييع المسافر ووداعه مستحب للمقيم، وقد استدل له الإمام الغزالي بقوله عليه الصلاة والسلام بخصوص تشييع المجاهد في سبيل الله:
(1) وكأنه رحمه الله قاس الحاج على المجاهد، لما ورد من أن فضل الحج كفضل الجهاد.
 
جماعة وأمير
 
8ـ نهى النبي r أن يسافر الرجل وحده بل يخرج مع جماعة ورفقة صالحة، ثم إن لم يكن للجماعة المسافرة مسئول، كصاحب الحملة أو وكيله ونحوهما، فيندب أن تؤمر الجماعة أحد أفرادها، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
-    (2).
 وعلى من وقع عليه الاختيار أن ينظر في مصلحة الرفقة وأن يجعل نفسه وقاية لهم وخادماً.
يقول الغزالي حجة الإسلام رحمه الله في الإحياء:
نقل عن عبدالله المروزي أنه صحبه أبو علي الرباطي فقال: على أن تكون أنت الأمير أو أنا؟ فقال: بل أنت. فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي على ظهره، فأمطرت السماء ذات ليلة، فقام عبدالله طول الليل على رأس رفيقه، وفي يده كساء يمنع عنه المطر، فكلما قال لعبد الله: لا تفعل رد عليه: ألم تقل إن الإمارة مسلمة لي، فلا تتحكم ولا ترجع عن قولك، حتى قال أبو علي:
ـ وردت أني مت ولم أقل له أنت الأمير.(3)
هكذا تكون البداية الصحيحة... لحجة مقبولة.


(1) أخرجه مسلم عن أبي هريرة.
(2) [الإسراء: 18 ـ 19].
(1) [البقرة: 198].
(2) رواه أبو داود وسعيد بن منصور عن ابن عمر.
(3) رواه الطبراني وابن عساكر.
(2)  رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق والمحاملي في الدعاء.
(1) رواه أصحاب السنن الأربعة.
(2) أخرجه البزار والطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق.
(1) رواه ابن ماجه عن معاذ بن أنس.
(2) أخرجه الطبراني عن ابن مسعود.
(3) إحياء علوم الدين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين