عروة بن الزبير رضي الله عنه

عروة بن الزبير هو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، أبوه الزبير بن العوام رضي الله عنه أحد الصحابة العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأمه أسماء بنت أبي بكر، وهي ذات النطاقين، كان عالماً عابداً صالحاً، وهو صاحب بئر عروة في المدينة ، وماؤها عذب، وكان عروة من الصابرين.

ذكر المؤرخون أنه خرج من المدينة قاصداً الوليد بن عبد الملك في دمشق، وفي الطريق أصابه مرض في رجله تألم منه كثيراً ، فلما وصل دمشق جمع له الوليد الأطباء فلم يجدوا له دواء وأجمع رأيهم على قطع رجله كي لا يسري المرض إلى جسمه، ولما جاء الجزار ليقطعها قالوا له : نسقيك الخمر أو المخدر حتى لا تجد لها ألماً، فقال : لا أستعين بالحرام وما أحب أن أُسلب عضواً من أعضائي من غير أن أجد ألماً، ودخل عليه جماعة ليمسكوه عند القطع فأبى، فقطعت كعبه بالسكين حتى إذا بلغوا العظم، وضعوا عليه المنشار ونشروها حتى قطعت وهو يهلل ويكبر ، ثم أغلي له الزيت في مغارف الحديد وصبوه عليها لقطع الدم فغشي عليه، ثم أفاق وهو يمسح العرق عن وجهه، ولما رأى رجله المقطوعة أخذها بيده فقلَّبها، ثم قال : أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنه ما مشيت بك إلى معصية، ثم قال: الحمد لله لئن كنت ابتليت في عضو فقد عوفيت في أعضاء فبينما هو كذلك دخل ابنه الإصطبل فوقع بين أرجل الدواب فمات فلما جاءه الخبر ، قال: الحمد لله على كل حال. وفي تلك السنة قدم على الوليد بن عبد الملك وفد من قبيلة عبس فيهم رجل ضرير فسأله الوليد عن سبب ذهاب بصره فقال: يا أمير المؤمنين خرجت مرة مع رفقةٍ مسافرين ومعي مالي وعيالي فبتنا ليلةً في بطن واد فجاءنا سيل فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد إلا بعيراً واحداً وصبياً صغيراً، وكان البعير صعباً فشرد مني فوضعت الصبي الصغير على الأرض ومضيت لآخذ البعير فسمعت صيحة الصغير فرجعت إليه فرأيت رأسه في فم الذئب وهو يأكله، فرجعت إلى البعير لأمسك به فضربني برجله على وجهي فحطمه وذهبت عيناي فأصبحت بلا عينين ولا ولد ولا مال ولا أهل، فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة بن الزبير ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم منه بلاءً...

ونحن نسوق هذين الخبرين من غير تعليق كي يعلم القارئ الكريم أنَّ الدنيا لا تخلو من المصائب والبلايا ، وأن الصبر عليها من صفات المؤمنين ، وكي يعلم أن الله سبحانه يبتلي عبده المؤمن ليختبر قوة إيمانه ودرجة يقينه، قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]

وقال صلى الله عليه وسلم :«الصبر نصف الإيمان». نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الصابرين.

نشر المقال بتاريخ 2009 وقد تم تنسيقه وإعادة نشره اليوم 2 جمادى الآخرة 1440

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين