نور الدين الشهيد - ـ
نور الدين الشهيد
للشيخ ناجي الطنطاوي
إذا ذكر الرجال الصالحون، والزعماء المخلصون ، والملوكُ العادلون، جاء في مقدمتهم الملك العادل نور الدين الشهيد ، ولئن عرف الناس صلاح الدين الأيوبي وذاع اسمه على ألسنتهم فقد سبقه نور الدين في خدمة الإسلام ومحاربة الصليبيين، وقد اعترف صلاح الدين بذلك حين قال: إننا تعلمنا العدل من نور الدين.
قال عنه المؤرخ المعروف ابن الأثير: طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا هذا ـ يعني أواخر القرن السادس الهجري ـ فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرةً من الملك العادل نور الدين ولا أكثر تحرياً للعدل والإنصاف منه، قصر ليله ونهاره على عدلٍ ينشره وجهادٍ يتجهز له ومظلمة يزيلها وعبادة يقوم بها وإحسان يوليه وإنعامٍ يسديه ... ولم يكن ابن الأثير مبالغاً في قوله هذا لأن من قرأ سيرة نور الدين عرف منزلته السامية.
وقد روى المؤرخون أن الصليبيين الذين كانوا قد احتلوا مدينة القدس وجزءاً كبيراً من فلسطين قالوا: إنه ما ظفر علينا بكثرة جنوده ولا بوفرة عسكره وسلاحه، وإنما كان يظفر علينا بالدعاء وصلاة الليل فإنه كان يدعو بالليل ويستجيب الله دعاءه.
وكان نور الدين مشهوراً بشجاعته الخارقة التي أدهشت أعداءَه، وملأت قلوبهم رعباً وفزعاً منه، وكان رحيماً برعيته ، تفيض نفسه بالعطف والحنان على أفراد شعبه، وكان يبذل الأموال للعلماء والفقهاء والمتعبدين ويقول: إني والله لا أرجو النصر على الأعداء إلا بهؤلاء ، وكان كثير المطالعة لكتب العلم يحب العلماء ويكرمهم ويحترمهم ويُحسن إليهم، وقام بكثير من الإصلاحات فقد منع شرب الخمر وبيعها في جميع بلاده، وهي بلاد الشام ، وكان يحد شاربها الحد الشرعي ، وكان لا يُمَكِّن أحداً من إظهار ما يخالف السنة ويؤدبه، وقال كلمته المشهورة: نحن نحفظ الطرق من لص وقاطع طريق أفلا نحفظ الدين وندافع عنه؟
وقد أكثر من بناء المدارس ووقف عليها وقوفاً كثيرة، وهو أول من بنى داراً للحديث بناها في دمشق ورتب لها المدرسين ولا تزال هي وكثير من المدارس قائمة الآن في دمشق، وكان يتحرى الحلال في مطعمه وملبسه.
وأحضر الفقهاء واستفتاهم في أخذ ما يحل له من ذلك فأخذ ما أفتوه به وما تعداه إلى غيره، وكان يصلي فيطيل الصلاة ويصلي بالليل، وله أوراد كثيرة يدعو بها، هذا كله إلى جانب حروبه وجهاده المتواصل، ولولا ثباته وشجاعته وإخلاصه لامتدت أيدي الصليبيين إلى بلاد الشام كلها، وكان يباشر القتال بنفسه وما رأى الناس مجاهداً على ظهر فرس أشجع ولا أقوى ولا أثبت منه ـ رحمه الله تعالى ـ وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين