المعاهد الشرعية حصن منيع ضد التطرف - المعاهد الشرعية حصن للأمة

المعاهد الشرعية السورية حصن منيع ضد التطرف

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان


  تمتاز دمشق عن غيرها من العواصم العربية بمعاهدها الشرعية الملتزمة بمناهج علمية مدروسة ، و التي استطاعت عبر نصف قرن من الزمان أن تخرِّج للعالم الإسلامي عدداً لايستهان به من العلماء والدعاة و القضاة والباحثين والمفكرين ...
ولعل السبب في ذلك نقاء المشرب العلمي الذي تنهل منه هذه المدارس الشرعية والذي يعتمد الكتاب والسنة وما أجمع عليه الصحابة وما اجتهد فيه الأئمة الأربعة وما ارتضاه أعلام العصر الحديث ، سواء مما اتفقوا عليه في المجامع الفقهية أو مراكز البحوث العلمية الممتدة عبر البلاد العربية والإسلامية .
وتعد المعاهد الشرعية في سوريا ملاذاً آمناً للطلاب الوافدين من البلاد العربية والأجنبية لتلقي علوم اللغة العربية والشرعية والثقافة العامة التي تؤهلهم بعد العودة إلى بلادهم للمشاركة في عملية النهوض العلمي والثقافي .
وتميز هؤلاء الخريجون بأن كانوا سفراء خير للشام في بلادهم ، إذ حملوا عنها فكر الاعتدال والوسطية اللذين يتمتع بهما علماء سوريا ودعاتها ، بعيداً عن التعصب والعنف والشدة والتنطع... وهي صفات الجهلة والمعتدين على هذا الاختصاص العلمي الدقيق ، " إن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ".
ولمَّا كان علماء الشام وسوريا على هذا الجانب من الاعتدال والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وجدتهم يجوبون العالم شرقه وغربه محاضرين ومناظرين وداعين إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، في حين ندر أن تستضيف الشام علماء أو دعاة على أراضيها – إلا من باب تعميق الصلات والزيارات المتبادلة _ نظراً لاكتفائها الذاتي ، فضلاً عن انتشار أعلام منها في بلاد شتى ...
وفي الآونة الأخيرة ظهر من ينسب إلى المعاهد الشرعية ما ليس من خصائصها ولا من أنشطتها وخططها العلمية والثقافية والمسلكية ، وذلك من خلال تسليط الضوء على تصرفات بعض المندسين في صفوف هذه المدارس ، ممن ضلوا الطريق و أخطئوا الهدف ، و وقعوا تحت تأثير وضغوطات خارجية ،طمعاً بمنصب أو دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وهنا أسأل : إذا كان عمر هذه المدارس الشرعية يزيد على خمسين سنة وهي تنشط تحت مرأى ومسمع الجهات الرسمية وبدعم منها ومتابعة من الوزارات المختصة ، أفما آن الأوان أن تحظى هذه المعاهد باعتراف رسمي وحكومي يمنحها مزيداً من القدرة على مواكبة حركة التطوير والتحديث التي تشهدها البلاد ؟
أليست هذه المعاهد التي تدرس مناهج الفكر الوسطي والمعتدل هي التي حاربت فكر التطرف والغلو والتشدد ؟
إن مرتكز العمل العلمي والدعوي في هذه المعاهد يقوم على أسس ومبادىء ثابتة ، منها ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا و أبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) رواه البخاري .
يقول الإمام ابن حجر في فتح الباري :
"والمشادة بالتشديد المغالبة ، يقال شاده يشاده مشادة : إذا قاواه . والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينيه ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب" فتح الباري ج1/ص94.
فلا مكان في المعاهد الشرعية لهذا الفكر الوارد من خارج أسوار البلاد ، والمنهي عنه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثا .
يقول الإمام النووي :
" أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم و أفعالهم " شرح النووي على صحيح مسلم ج16/ص220 .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين