حول قوامة الرجال ، وولايتهم على النساء - بقلم العلامة مصطفى الزرقاء رحمه الله
إن الإسلام عقيدة إيمانية ، وعبادة روحانية ، ونظام حياة اجتماعية اقتصادية قانونية . وكل ذلك يمثل في عقيدة المسلم ما اختاره الله للإنسان من صورة الحياة الإنسانية الفضلى . فهو نظام متكامل مترابط الحلقات ، إذا انفصلت منه حلقة عن أخواتها اختلت سائر الحلقات .
        والإسلام يبني أحكامه وتكاليفه على الفطرة السليمة ، والغرائز الأساسية العامة في الإنسان ، ولا يبني على الحالات الاستثنائية النادرة في بعض الأشخاص.
        فبالنسبة إلى المرأة ، والقوامة والولاية عليها ، قرر الإسلام بنص القرآن الكريم: أن الرجال قوامون على النساء . وسبب ذلك – كما أشار إليه القرآن نفسه ـ ما ميز الله به كلا من الجنسين من عناصر القدرة ، وما هيأه للقيام به من لوازم واستمرار الحياة الإنسانية على الوجه الأفضل الذي أراده لها ، وميزها به وفضلها لأجله على سائر الكائنات الحية .
        ومن ذلك : أن الله – جلَّت حكمته – قد جهز الرجال ( بوجه عام ) بقدرة بدنية أعلى مما جهز به المرأة ، كما جهز المرأة بعاطفة وصبر على تنشئة الأجيال ( التي ستخلص أصولها حفظاً للنوع ) أقوى مما جهز به الرجل . فالمرأة هي التي تقوم بأربع مهمات أساسية في هذا السبيل : فهي التي ستحمل،وتصنع، وترضع، وتربي. وكل هذا يحتاج إلى تفرغ له ، كما يحتاج إلى بيئة داخلية صالحة له ، وإلا فإن هذه المهمات الأربع لا تصلح لها بيئة الأسواق والمعامل والمصافق لكسب حاجات الحياة، ولا ساحات القتال والنضال للحماية والدفاع .
        ولذلك اعتبر الإسلام أن المرأة بوجه عام ( دون نظر إلى الحالات الاستثنائية) هي الأصلح لتلك الحياة الداخلية وتنظيمها وحاجاتها ، وأن الرجل هو الأصلح للجو الخارجي وشدائده وما يتطلبه من كدح وكسب ونضال ودفاع ، لضمان استمرار الحياة الداخلية واستقرارها ، وأن جميع ما يقاسيه الإنسان ، رجلاً كان أو امرأة ، في الحياة الخارجية من عناء ومصاعب، إنما غايته الوصول إلى تأمين تلك الحياة الداخلية وطمأنينتها ، وهي تحتاج إلى المرأة ولا يغني فيها الرجل .
        وبما أن قيام المرأة بهذه المهمات الأربع في الحياة الداخلية على الوجه الأكمل يستغرقها ويعوقها عن الكدح الخارجي للكسب ، وما يتطلبه من كفاح ونضال، أقام الإسلام نظامه على أساس أن وسائل حياة المرأة في كفالة الرجل ، وجعل له الرئاسة في الأسرة ، لأن الأسرة بلا رئيس كسفينة بلا ربان معرضة للغرق ، ولأن الرجل هو الأقوى على القيام بأعباء هذه الرئاسة المصلحة الأسرة ، وما تتطلبه من مسؤوليات. ولا ينكر هذا ويماري فيه مَنْ له أدنى إدراك في حقائق الحياة البشرية إذا كان نظره علمياً عقلياً حيادياً يبتغي معرفة الحقيقة ، ولا ينظر من زاوية عصبية بجهلٍ، أو غرض خبيث ، أو هوى أعمى .
        من هنا نشأت في الإسلام فكرة قوامة الرجال وولايتهم على النساء ، وذلك لمصلحة المرأة نفسها ، فهي كفالة لها ، وصيان لكرامتها .
        والمرأة التي تجمح عن هذه الحقيقة الواقعية إنما هي مفتونة تريد أن تخرج عن طبيعتها . والرجل الذي يريد منها هذا الجماح إنما هو جاهل معتوق، أو خبيث غشَّاش انحلالي يريد أن يفسح المجال لأهوائه على أوسع نطاق ، دينه منفعته بأيِّ طريق كان ، ولا يؤمن بمسؤولية أخلاقية ، وهؤلاء هم أصل البلاء.
 هذا ، وان الولاية المقصودة في النكاح هي من أهم وسائل هذه الكفالة والصيانة ، ولمصلحة المرأة ذاتها ، كما يتضح مما سلف بيانه من الحقائق التي يتجاهلها من يريد أن يتجاهلها .
        فأولياء المرأة هم سندها ، والمسؤولون بالدرجة الأولى عن كفالتها وحمايتها، لأنها – ولاسيما في شبابها – مطمع لذئاب الرجال وثعالبهم. ولولا هذا السند للمرأة – ولاسيما الفتاة الناشئة – من الأهل والأولياء لغرها وعبث بها كل طامع من أولئك الذئاب والثعالب الذين يجيدون نصب الشباك المغرية للناشئين الأغرار الذين لا خبرة لهم.
        وأولياء المرأة هم عصابتها الصلبيون من الرجال بترتيب معروف في الفقه، بدءاً بأبيها ، ثم أبيه ، ثم اخوتها الأشقاء ، ثم وثم ، بشرط أن يكون الولي راشداً . فإذا استبدت الفتاة على أوليائها فتزوجت بمن لا يوافقون عليه ، فلوليها الأقرب المقدم على غيره في الدرجة حق الاعتراض أمام القاضي من حيث كفاءة الخاطب فقط، أو لمانع شرعي . ذلك لأن خطأها في اختيار الزوج غير الصالح لها سترتد نتيجة على أوليائها في حال فشل الزواج ، إذ تعود فتاتهم حينئذ إليهم وإلى كفالتهم ومسؤوليتهم. فإذا شاركوها في اختيار الزوج لم يكن لهم حجة في حال فشل الزواج، على خلاف ما كان مأمولاً .
        وولاية الأولياء في الزواج المرأة الراشدة ( 18 سنة ) هي في أوسع المذاهب الفقهية ولاية اختيار ( استشارية ) ، وليست إلزامية، ولو كانت الفتاة بكراً . فإذا أصرت الفتاة المخطوبة على الزواج من خاطبها ، ورفض وليها دون بيان مانع شرعي، فإن القاضي يأمر بإتمام الزواج رغم رفض الوالي .
        هذا مذهب الحنفية من فقهاء الشريعة ، وبه أخذ قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة السادسة منه .

        فأي ظلم للمرأة في هذه التدابير ، وأي مصلحة معقولة لها في خلافه؟! وهذا كله في الحالات العادية ، أما الحالات الاستثنائية والطوارئ فلها تدابيرها الاستثنائية وأحكامها الخاصة التي تناسبها ، كما لو ثبت أن الولي فاسد غير مأمون ، أو أنه سيء الاختيار ، فإن للقضاء عندئذ دوره الذي يضع الأمور في نصابها ، ويضفي الحماية على محتاجها .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين