الإسراف والتبذير - وسائل ترشيد الطاقة
الإسراف والتبذير
هذه الكلمات محاضرة ألقيت في المركز الثقافي العربي
في مساكن برزة بالتعاون بين وزارة الأوقاف والاتحاد النسائي
فرع القنيطرة أعدها لندوة وسائل ترشيد الطاقة والجمع بين الوسائل العلمية والقيم الإيمانية الشيخ محمد خير الطرشان
وألقاها في يوم الثلاثاء 23/رمضان/1429هـ-23/أيلول/2008م
وأحببنا نشرها في ركن روضة المنابر بعد إجراء تعديل يسير عليها ، ونسأل الله سبحانه أن ينفع بها :
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد :
مدخل :
 
يقول الله تعالى : " وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا " [الإسراء:26، 27].
وفي حديث المغيرة رضي الله عنه قال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)) رواه البخاري .
فالله سبحانه وتعالى ينهانا في كتابه العزيز عن الإسراف والتبذير وتجاوز الحد في الإنفاق ، وفي الوقت نفسه يدعونا إلى التوسط والاعتدال وهما من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية . قال الله تعالى : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) .
وقال تعالى في صفات عباد الرحمن: ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) .
هذا هو دِينُنا، ينهانا عن الإسراف والتبذير، ويأمرنا بالاقتصاد والتوسط والاعتدال في الأمور كلها، ولكن من المؤسف أن تغيبَ هذه الوسطية عن حياة كثير من الناس، فكمْ هُمْ هؤلاء الذين تورطوا في الإسراف والتبذير؟ وكأنهم لم يقرأوا قول الله تعالى في كتابه الحكيم: ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين ) ، وكَمْ هُمْ هؤلاء الذين تجاوزوا ما يَكْفِي ويُغْنِي إلى ما يُلْهِي ويُطْغِي؟ وكأنهم لم يَسْمعوا قَوْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم :((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ)) . وَقَولَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ " .
الإسلام لم يُحَرِّم زينةَ الحياة الدنيا والطيباتِ من الرزقِ كما حرمتها بعضُ الديانات والفلسفات، وإنما حَرَّمَ الاعتداءَ والطغيانَ والإسرافَ والتبذيرَ في الاستمتاع بها، يقول الله تعالى: :( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) .
ويقول تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) .
إن الله جل وعلا أنعم علينا نعماً عظيمة كثيرة، وتفضل علينا بخيرات وفيرة، فكان من ذلك أن أغنانا بعد فقر، وأطعمنا بعد جوع، وفتح لنا من أبواب الخير وسُبل الرزق مالم يخطر لنا على بال، فلنشكر الله تعالى على ذلك حق الشكر، وذلك بالمحافظة على تلك النعم وعدم استخدامها بِشَكْلٍ فيه إسراف أو تبذير.
مظاهر الإسراف والتبذير :
من مظاهر السَّرَفِ والتبذير في حياة الناس اليوم إنفاق الأموال الطائلة في المراكب والملابس والمساكن والأعراس، فتجد أقواماً تحمَّلوا الديونَ العظيمة، ليحصل أحدهم على السيارة الفارهة أو الثوب الزاهي أو المسكن الفاخر، تكاثراً وتفاخراً، وقد يستدين البعض بالربا ليقيم عُرْساً ينفق فيه مئات الألوف من الدراهم مباهاة ومفاخرة، ويرمي بأطنان الطعام والشراب في القمامة والنفايات، ومَلايِِينُ الناس مشردون هنا وهناك لا يؤويهم مسكن ولا يجدون ما يقتاتون به.
أمَا يُدْرك هؤلاء الَّذينَ يستدينون في أبواب السرف والترف أن الدَّيْن هَمٌّ بالليل وَمَذَلَةٌ في النهار؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إياكم والدَّين فإنه همٌّ بالليل ومَذَلَةٌ في النَّهارِ)) .
- من مظاهر الإسراف والتبذير أن نُضَيِّعَ المال الذي تفضَّل الله به علينا في السرف والترف واللهو الفجور وغير ذلك من المعاصي الموبقات، فعن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الله كره لكم ثلاثاً: قيلَ وقال، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال)) .
فلنقتصد ولنتوسط في الإنفاق وفي شتى الأمور، ولنعد للسؤال جواباً، فإن الله سائلنا عن هذا المال من أين اكتسبناه وفيمَ أنفقناه، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَ عَلِمَ » .
- من مظاهر الإسراف والتبذير الإسراف في الطعام والشراب :
قال الله عز وجل: " وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ " [الأعراف:31].
قال بعض العلماء: جمع الله بهذه الآية الطب كله .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { ما ملأ ابن آدم وعاءً شرّاً من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه } [أخرجه أحمد:4132].
- من مظاهر الإسراف والتبذير الإسراف في استخدام المرافق الحيوية التي تقوم عليها حياة الناس اليوم من ماء وكهرباء ونحو ذلك، فالماء الذي هو أرخص موجود وأعز مفقود يُهْدر بالكميات الكبيرة الهائلة والنبيُّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الإسراف في الماء ولو كان استعمالُه في عبادة فضلاً عن غيرها، فعَن عبد الله بن عمرو (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِسَعْدٍ وهو يتوضأ فقال: ما هذا الإسراف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟! قال: نعم ، وإن كنتَ على نهرٍ جارٍ)) .
 
- من مظاهر الإسراف والتبذير الإسراف في الكهرباء :
يؤدي الإسراف الزائد عن الحد في استهلاك الكهرباء إلى زيادة الحمل الملقى على عاتق محطات توليد الكهرباء.وهذا معناه زيادة في استهلاك الوقود المستخدم لأغراض التوليد, وبالتالي زيادة في تلوث الهواء بسبب حرق كميات كبيرة من الوقود. وكذلك زيادة في استهلاك مياه التبريد لمعدات التوليد ومن ثم التلوث الحراري للمسطحات المائية التي تصب فيها مياه التبريد .
- من مظاهر الإسراف والتبذير الإسراف في الماء :
يُجمع كثير من الخبراء الدوليين على أن الحروب القادمة سوف تكون حروب مياه تقع بسبب التنافس على هذا المصدر الحيوي. إن كثيراً من الحروب السابقة مع فظاعتها كانت لأسباب تافهة، فكيف لنا أن نتصور حروباً تقوم بسبب الماء.. المصدر الأقصى أهمية والأغلى على وجه الأرض.
إن أقل الواجبات المتحتمة على كل فرد يعيش في هذا الوطن أن يحافظ على هذه الثروة الغالية النادرة...
ولا ينبغي أن يفوتنا أهمية المياه كما وردت الإشارة إليها في القرآن الكريم :
قال تعالى: {قل أرأيتم إن أصبح مآؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين}.
نحن بحاجة إلى وعي إسلامي للحفاظ على المياه ونشر ثقافة إسلامية معاصرة لترشيد استهلاك الطاقة وكل مسلم أن يطبقها هو وعائلته بدافعٍ ذاتي مبعثه الشعور بتحمل المسؤولية وتطبيق السُنّة النبوية الشريفة بطريقة عملية ، وليس بدافع الخوف من قوانين أو تشريعات أو مخالفات وغرامات فاتباع السُنّة النبوية الشريفة في شؤون الحياة اليومية يعتبر في حد ذاته هدفاً يصبو إليه كل مسلم .
في السُنّة الشريفة يكمن الحل للكثير من مشاكلنا المعاصرة :
حضّ الرسول صلى الله عليه وسلم أتباعه على الاقتصاد في استعمال الماء ونهى عن هدره أثناء الوضوء والغُسل كما ثبت في صحاح الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمُدّ ويغتسل بالصاعِ من الماء .
و المُدّ والصاعِ استعملا من قبل العرب القدماء وفي صدر الإسلام كوحدات لقياس الكيل و بالأخص قياس كميات الحبوب
فالمُدّ يساوي 688 غرام (1.5ليتر من الماء تقريباً) و الصاع يساوي 2752 غرام (4 ليتر من الماء تقريباً).
اعتماداً على التوصيات الفقهية التي تفيد بأن مداً واحداً من الماء هو ما يلزم للوضوء فإنه يقدر بأن حوالي عشرة لترات من المياه تذهب هدراً في كل وضوء يتم بفتح المياه بشكل متواصل علماً أن صنبور مفتوح بنسبة 50% يصرف 4 ليترفي كل دقيقة ...
من أهم قواعد ترشيد الاستهلاك أثناء الوضوء و الغُسل الشرعي:
* فتح الصنبور ربع فتحة أو أقل أثناء الوضوء في المنزل أو المسجد .
* الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم بالوضوء بكمية قليلة من المياه قدر الامكان.
* عدم ترك صنبور دورة المياه مفتوحاً حفاظاً على المياه .
* الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم أثناء أداء الغُسل و التقليل من استهلاك المياه قدر المستطاع.
وأخيراً:
الماء هو أرخص موجود وأثمن مفقود ، شح المياه بات يشكل أزمة حقيقية في دول كثيرة. " ومصادر المياه في بلادنا محدودة ، ومن الضروري جداً المحافظة عليها عن طريق الترشيد في استهلاكها، وتعاون إقليمي بين الدول من أجل إيجاد الحلول وتفادي تفاقم المشكلة قبل فوات الأوان".....

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين