الثورة السورية ومستقبل البشرية -11-

جهاد المعركة :

 

" لم يحمل الإسلام السيف إذن ليكره الناس على اعتناقه عقيدة ولم ينتشر بالسيف على هذا المعنى كما يريد بعض أعدائه أن يتهموه! إنما جاهد ليقيم نظاما آمنا يأمن في ظله أصحاب العقائد جميعا ، ويعيشون في إطاره خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته.وكانت قوة الإسلام ضرورية لوجوده وانتشاره واطمئنان أهله على عقيدتهم،واطمئنان من يريدون اعتناقه على أنفسهم . وإقامة هذا النظام الصالح وحمايته.ولم يكن الجهاد أداة قليلة الأهمية،ولا معدومة الضرورة في حاضره ومستقبله كما يريد أخبث أعدائه أن يوحوا للمسلمين!..

لا بد للإسلام من نظام ولا بد للإسلام من قوة،ولا بد للإسلام من جهاد.فهذه طبيعته التي لا يقوم بدونها إسلام يعيش ويقود. ? لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ? ..نعم ولكن: ? وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ.وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ?  .. وهذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام..وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم،وحقيقة تاريخهم فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع إنما يقفون به دائما موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات الأرض جميعا ، وعلى نظم الأرض جميعا،وعلى مذاهب الأرض جميعا..ولا ينخدعوا بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه،ويحول بينها وبينه.فهذا هو أعدى أعداء البشرية،الذي ينبغي أن تطارده البشرية لو رشدت وعقلت. 

وإلى أن ترشد البشرية وتعقل ، يجب أن يطارده المؤمنون ، الذين اختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان ، فذلك واجبهم لأنفسهم وللبشرية كلها ، وهم مطالبون بهذا الواجب أمام الله..([1])

قامت الثورة السورية بقدر من الله سبحانه سلمية ، ثم حولها الوحش والغرب من خلفه بحماقتهم إلى ثورة قتال ، وهذا أمر لم يكن في حساب أو بال أحد من الثوار ، بل ولم يكن أحد يحبذ حمل السلاح .. فالشعور الفطري تجاه القتال هو الكره كما قال تعالى ? كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ? ( البقرة : 216)

" إن إدراك الإسلام للطبيعة البشرية ، وصراحته التامة في الاعتراف بها ، جعله يقول : إن القتال (كره) للمقاتلين .

ومن خلال هذا الاعتراف الصريح يصل إلى نتيجتين في آن واحد :

الأولى : أنه لا يدع مجالاً للكبت الذي يمكن أن ينشأ في نفوس بعض المقاتلين – بل كثير منهم – حين يصادر حقهم في استشعار كراهية القتال مما يؤدي بهم إلى التخاذل في ساحات الوغى .

الثانية: أن هذا الاعتراف من جانب الله – سبحانه – بأنه لا يستنكر من عباده أن يكرهوا هذا التكليف الثقيل ، يجعل هؤلاء العباد يندفعون إلى القتال بحماسة عجيبة مسطِّرين البطولات "([2]).

ومع هذا الشعور الفطري الذي لا ينكره الإسلام ، " يعالج الأمر من جانب آخر , ويسلط عليه نورا جديدا إنه يقرر أن من الفرائض ما هو شاق مرير كريه المذاق ; ولكن وراءه حكمة تهون مشقته , وتسيغ مرارته , وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنساني القصير . . عندئذ يفتح للنفس البشرية نافذة جديدة تطل منها على الأمر ; ويكشف لها عن زاوية أخرى غير التي تراه منها . نافذة تهب منها ريح رخية عندما تحيط الكروب بالنفس وتشق عليها الأمور ، ([3]) قال تعالى ? وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ? (البقرة : 216)

وتصحيح النظرة النفسية إلى القتال يرتكز على مدى إيمان العبد بهذه القاعدة الإيمانية " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " تلك القاعدة التي يفوح منها " الترغيب العظيم في الجهاد ، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد قصور علم نفسه وكمال علم الله تعالى ، ثم علم أنه – سبحانه – لا يأمر العبد إلا بما فيه خيرته ومصلحته ، علم قطعاً أن الذي أمره الله – تعالى – به وجب عليه امتثاله ، سواء كان مكروهاً للطبع أم لم يكن "([4]) .

وفي ظل هذه القاعدة الإيمانية يأتي تصحيح النظرة النفسية إلى القتال ، ? وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ? (البقرة :216) ، "فلعل وراء المكروه خيرا . ووراء المحبوب شرا . إن العليم بالغايات البعيدة , المطلع على العواقب المستورة , هو الذي يعلم وحده . حيث لا يعلم الناس شيئا من الحقيقة"([5])

" ربما كان الشيء شاقاً عليكم في الحال ، وهو سببٌ للمنافع الجليلة في المستقبل وبالضد، ولأجله حسُن شرب الدواء المر في الحال لتوقع حصول الصحة في المستقبل .

 إن ترك الجهاد وإن كان يفيد في الحال صون النفس عن خطر القتل ، وصون المال عن الإنفاق ، ولكن فيه أنواع من المضار ، منها :  أن العدو إذا علم ميلكم إلى الدعة والسكون قصد بلادكم ، وحاول قتلكم ، فإما أن يأخذكم ويستبيح دماءكم وأموالكم ، وإما أن تحتاجوا إلى قتالهم من غير إعداد آلة وسلاح ، وهذا يكون كترك مداواة المرض في أول ظهوره بسبب نفرة النفس عن تحمل مرارة الدواء ، ثم في آخر الأمر يصبر المرء مضطراً إلى تحمل أضعاف تلك النفرة والمشقة "([6])

إن الجهاد في سوريا ليس مجرد أمنية ، أو فكرة جنونية ، وإنما هي بيعة لله ، وتقوى لله ، وتوكل على الله ، وصبر وبذل وتضحية ولنتأمل كلمات أسعد بن زرارة في بيعة العقبة الثانية التي تدل على عمق فهمه مع حداثة سنه يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فقمنا نبايعه - أي رسول الله r_20-   فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين، فقال: رويدًا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله , إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف , فإما أنتم قوم تصبرون على السيوف إذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة , فخذوه وأجركم على الله  وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر عند الله , قالوا: يا أسعد بن زرارة أمط عنا يدك , فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها , فقمنا إليه رجلاً رجلاً يأخذ علينا بشرطة العباس ويعطينا على ذلك الجنة.([7])

إن الجهاد في الثورة السورية ليس بالأمر الهين ، ولا رحلة استجمام ، فهو ما يخافه أعداء الأمة الإسلامية ، ولذا لن يسمحوا لهذا الجهاد بإحراز النصر أو الاقتراب منه ، وهذه خططهم علنا للقضاء على الجهاد في سوريا بكافة الوسائل ولنا في كيفية القضاء على الجهاد الأفغاني درس ، والقضاء على الجهاد البوسنوي درس !!

وهذه تصنيفاتهم فالكتائب عليها علامات استفهام ، ووصم لها بالإرهاب بينما حزب الشيطان الذي يقتل ويدمر ويخرب لا تراه عيونهم ، ولا تبحث عنه أقلامهم ، ولا تعرفه سياساتهم ، لأنه منهم وفيهم ...

إنهم يحاولون القضاء على الجهاد باسم الجهاد ، فيدعمون بعض الكتائب ويطلقون عليها معتدلة ، وفي المقابل يصفون الآخرين بالكتائب المتشددة ، فيشقون الصفوف ، والأنكى من ذلك اختراقهم للصفوف .. وقد يتبادر للذهن الاختراق الإستخباراتي ، بمعنى التجسس على حركات وأحوال المجاهدين ، ولكن الاختراق اشمل من ذلك ولا تقل خطورة عنه فيشمل : الاختراق العقدي والفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي .

فتجد مجاهدين متحمسين جدا يزعمون حب الجهاد والذود عنه وهم يسيئون للجهاد ويحرفون مسار الجهاد ، فنجدهم عن جهل أو علم يستهدفون إخوانهم المجاهدين أو الناس العزل ويتركون عدوهم الحقيقي ولا يستهدفونه ، ويمارسون ممارسات منحرفة فيتم تشويه الجهاد والمجاهدين .. فيعطون للعدو الداخلي والخارجي صورة قاتمة علن الجهاد والمجاهدين فيطيلون بذلك عمر الطاغية الوحش بالإضافة إلى أنهم ارض خصبة للاختراق فأسلوب التكفير وسب واحتقار الآخرين والحماس الزائف والاستعلاء في الكلام يتقنه كل من يريد الاختراق والتجسس والعمالة .

" إن أشدّ الناس حماسة واندفاعًا وتهورًا، قد يكونون هم أشدّ الناس جزعًا، وانهيارًا وهزيمة، عندما يجدّ الجدّ، وتقع الواقعة، بل إن هذه قد تكون القاعدة، ذلك أن الاندفاع والتهوّر والحماسة الفائقة - غالبًا ما تكون منبعثة من عدم التقدير لحقيقة التّكاليف، لا عن شجاعة واحتمال وإصرار، كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال، قلة احتمال الأذى، والضيّق والهزيمة، فتدفعهم قلة الاحتمال إلى طلب الحركة، والدفع والانتصار بأي شكل دون تقدير لتكاليف الحركة، والدفع والانتصار، حتى إذا ووجهوا بهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا، وأشقّ مما تصوّروا، فكانوا أول الصف جزعًا ونكولا وانهيارًا، على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم، ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت، ويعدّون للأمر عدته، والمتهورون المندفعون المتحمسون يحسبونهم إذ ذاك ضعافًا، ولا يعجبهم تمهلهم، ووزنهم للأمور، وفي المعركة يتبين أي الفريقين أكثر احتمالا، وأي الفريقين - كان - أبعد نظرًا كذلك  ([8]).

إنها الحقيقة التي عبّر عنها سيد - رحمه الله -، تلك الحقيقة التي لا يدركها إلا من عاشها، وذاق مرارة هذا اللون من الاندفاع والحماس، مما نراه ماثلا أمام أعيننا في صنف من الناس، لا يقدرون عواقب الأمور، ويثورون لأقل الأسباب، غافلين عن السنن الربانية، والأحكام الشرعية، والقدرات البشرية، متصورين أن طيبتهم وحسن نيتهم، ومقصدهم تكفي سببًا لانتصارهم. ([9])

 

 


[1] ) في ظلال القرآن  1/273

[2])  انظر : الإنسان بين المادية والإسلام , محمد قطب صـ 77 بتصرف ؛ في ظلال القرآن 1 / 223 بتصرف .

[3] ) في ظلال القرآن ص  202

[4])  تفسير الفخر الرازي 3/31.

[5] ) في ظلال القرآن ص 202

[6] ) تفسير الفخر الرازي 3/30.

[7] )

[8] ) في ظلال القرآن ص 712

[9] ) الوسطية في القرآن الكريم ناصر العمر ص 165

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين