الثورة السورية ومستقبل البشرية -3-

ويقول توينبي في محاضرته عن الإسلام والغرب والمستقبل : هناك من يفترض مقدما أن الخليط المتنافر الذي نتج عن غزو الغرب للعالم سيطور تدريجيا وسلميا إلى تركيب متجانس، وسيشكل هذا التركيب بدوره تدريجيا وسلميا أيضا نوعا من الإبداع الجديد ...

قد ينتهي الخليط إلى تركيب متجانس ، وقد ينتهي أيضا بانفجار مدمر ، وفي حالة وقوع هذه الكارثة سيكون للإسلام دور مختلف تماما ، وهو دور العنصر الفاعل في ردة فعل عنيفة تقوم بها البروليتاريا العالمية للشعوب المسحوقة، ضد أسيادها الغربيين.

صحيح أن هذه الإمكانية المدمرة للإسلام لا تظهر الآن حتمية الوقوع لان الكلمة المؤثرة "الوحدة الإسلامية" والتي كانت دائما بعبع المستعمرين الغربيين منذ استعمالها في اللغة السياسية للسلطان عبد الحميد ، بدأت ، مؤخرا تفقد سيطرتها التي كانت لها على عقول المسلمين ؛ وليس من الصعب علينا أن نرى العوائق الذاتية الموجودة في الدعوة لمثل هذه الحركة الإسلامية الشاملة.

صحيح أن الوحدة الإسلامية نائمة .. ولكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ إذا ثارت البروليتاريا العالمية للعالم المتغرب ضد السيطرة الغربية ونادت بزعامة معادية للغرب ، فقد يكون لهذا النداء نتائج نفسانية، لا حصر لها ، في إيقاظ الروح النضالية للإسلام.. حتى ولو أنها نامت نومة أهل الكهف ، إذ يمكن لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولي للإسلام..

?? يمكن ???? ?????? ?? يوقظ أصداء التاريخ البطولي للإسلام ، وهناك مناسبتان تاريخيتان كان للإسلام قيهما رمز سمو المجتمع الشرقي في انتصاره على الدخيل الغربي .

ففي عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد الرسول صلى الله عليه حرر الإسلام سوريا ومصر من السيطرة اليونانية التي أثقلت كاهلهما مدة ألف عام تقريبا .

وفي عهد نور الدين وصلاح الدين والمماليك احتفظ الإسلام بقلعته أمام هجمات الصليبيين والمغول .

فإذا سبب الوضع الدولي الآن حربا عنصرية ، يمكن للإسلام أن يتحرك ليلعب دوره التاريخي مرة أخرى

ثم يقول بروحه الصليبية " وأرجو أن لا يتحقق ذلك"([1])

يقول ( أيوجين روستو) رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية ومساعد وزير الخارجية الأميركية, ومستشار جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م " يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب, بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية لقد كان الصراخ محتمداً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي .

إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته، وعقيدته، ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها . ([2])

ويقول ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة السابق، في مقال نشرته ( مجلة الشؤون الخارجية( عام 1985م : "يجب على روسيا وأمريكا أن تعقدا تحالفاً حاسما لضرب الصحوة الأصولية الإسلامية " .

وفي بريطانيا تقول رئيسة وزرائها السابقة مارجريت تاتشر " يجب المحافظة على حلف الأطلنطي لمواجهة الخطر الإسلامي "

ورغم أن مبررات حلف الناتو أصبحت غير قائمة  إلا انه ما زال موجودا وتحول هدفه إلى مقاومة الإسلام كما صرح بذلك مسئول كبير في المجلس الوزاري الأوربي ( جياني دي مكليس ) بأن المواجهة مع الشيوعية لم نعد قائمة إلا أن ثمة مواجهة أخرى يمكن أن تحل محلها بين العالم الغربي والعالم الإسلامي "

أما سكرتير عام الحلف " ويلي كلايس " فيصرح بان الحركات الإسلامية تشكل تهديدا سياسيا وجغرافيا مباشرا على الغرب "

يقول جون ميجور رئيس وزراء انجلترا ـ وهو صليبي حاقد  " نحن لا نوافق الآن ولا في المستقبل على تسليح المسلمين في البوسنة والهرسك ، نحن سوف نستمر في إرغام الأمم المتحدة على فرض حظر السلاح على مسلمي البوسنة والهرسك ، ونعلم جيدا أن اليونان وروسيا وبلغاريا يمدون الصرب بالأسلحة ، ونعلم أن ألمانيا والنمسا وسلوفينيا يمدون الكروات بالسلاح ، من الضروري أن نستمر في المحادثات الصورية للسلام بهدف تأخير أي تحرك للدولة الإسلامية التي نتحكم في حكامها جيدا " .

وهذا تصريح خطير يظهر حقا انجلترا صاحبة وعد بلفور المشؤوم والقائمة بتسليم فلسطين لليهود ظلما وجورا ، كما يظهر تآمر الدول المذكورة على المسلمين في يوغسلافيا ومدى ما تقدمه الأمم المتحدة من خدمات لنجاح المخطط الغربي اليهودي ثم الطامة الكبرى حيث يتحكم الغرب في حكام البلدان الإسلامية .

وهذا نص خطاب أرسله جون ميجور أيضا إلى دوجلاس هوج رئيس مكتب الأجانب والكومنولوث برئاسة الوزراء والخطاب بخصوص موقف بريطاينا من الوضع في البوسنة :

نص الخطاب :

" عزيزي دوجلاس : شكرا على تقديركم الوافي حول الوضع الحالي الماضي في منطقة البوسنة والهرسك في يوغسلافيا السابقة .

وكما تعلمون من المناقشات السابقة أن كلا من مجلس الوزراء وحكومة جلالتها لم تغير موقفها من أي من السياسات التالية :

نحن لا نوافق الآن ولا مستقبلاً على تسليح أو تدريب المسلمين في البوسنة والهرسك .

سوف نستمر في إلزام وإرغام الأمم المتحدة على حظر السلاح إلى منطقة البوسنة والهرسك ، بينما نعلم جيداً أن اليونان وروسيا وبلغاريا يمدون صربيا بالسلاح ، كما أن  ألمانيا والنمسا وسلوفينيا وحتى الفاتيكان يقومون بنفس المجهودات لصالح الكروات في المنطقة ، مع التأكيد من عدم نجاح الدول والجماعات الإسلامية توصيل المساعدات إلى المسلمين في البوسنة .

وسوف نستمر في اتباع هذه السياسة حتى يتم تقسيم البوسنة والهرسك وتدميرها كدولة إسلامية متوقعة داخل أوربا ، وهذا الأمر الذي لا يحتمل ، ولا نريد أن نكرر خطأ تسليح وتدريب المجاهدين الأفغان ضد قوات الاتحاد السوفيتي السابق ، وتحويلهم لما يسمى بالمجاهدين المسلمين ، الأمر الذي يؤدي إلى مشاكل خطيرة في المستقبل بين التجمعات المسلمة المهاجرة في المجموعة الأوربية وأمريكا الشمالية . إن هناك اهتماما خاصا من قبل أجهزة الأمن الداخلي سوف يتخذ تجاه التجمعات الإسلامية في أوربا خاصة هنا في المملكة المتحدة .

وحتى يستقر الوضع في يوغسلافيا القديمة يجب علينا مهما كلفنا الأمر أن نتأكد من انه لا يمكن لدولة تعتبر نفسها إسلامية أن تقوم في المنطقة ، وعليه فانه من الضروري أن نستمر في المحادثات الصورية " لفانس أوين" للسلام بهدف تأخير أي تحركات ممكنة حتى لا يعود هناك وجود للبوسنة والهرسك ، ويزاح التجمع الإسلامي تماما من أرضه ، هذه الرؤية يجب أن تعرف أنها السائدة في كل حكومات أوربا وأمريكا الشمالية ، وعليه فإننا لن نتدخل في هذه المنطقة لحماية التجمعات الإسلامية أو ندفع إلى رفع حظر السلاح عنهم

 إن المسلمين يجب أن يعلموا أنهم لا يمكن أن يعترضوا رؤيتنا للعالم في ظل النظام العالمي الجديد ، وفي ظل جمود ما يسمى ( بالحكومات الإسلامية ) وفي ظل عجزهم  عن فعل أي شيء لمنع القضاء على المسلمين في البوسنة والهرسك  و عدم جدوى فعل أي شيء لتحقيق وعودهم بعد مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي بتاريخ  15/1/1993م . فإنهم جميعاً ليس لديهم قوة لاعتراضنا ، إذ أننا نتحكم في حكوماتهم ." ([3])

" إن الغربي لا يمكن أن يهضم فكرة دوله تقوم على أساس إسلامي ولا يمكن أن يهضم فكرة قيام حزب سياسي على أساس الإسلام فضلا عن أن يهضم فكرة دوله إسلاميه واحده تضم العالم الإسلامي كله.

إن حسه ومشاعره وعواطفه وعقله وتركيبه الثقافي والتاريخي وكل شيء فيه يكره ماله علاقة في هذا الموضوع فالمسالة بالنسبة له ليست قابله للأخذ والرد.

إن الغربي الرأسمالي يستطيع أن يهضم سيطرة الشيوعية على قطر إسلامي ولا يمكن أن يهضم قيام حكومة إسلاميه فيه.

والشيوعي الغربي قد يكون راغبا في تحرير قطر إسلامي من براثن الاستعمار الغربي ولكن ليقع في أحضانه ، أما أن يتحرر بالإسلام وللإسلام فهذا لا .

إنه يفضل ألف مره أن تبقى أقطار العالم الإسلامي مستعمره على أن يتحرر العالم الإسلامي ويبني كيانه على أساس الإسلام الخالص، إن هذه قضايا لا يجوز أن تغيب عن أذهاننا لان غيابها عن أذهاننا يؤدي إلى كوارث رهيبة قال الله تعالى ?  وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ? (الأنفال:73) فالكافرون كلهم علينا في الأوضاع العادية وهم كما قال تعالى :? وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ?.(البقرة:217) ? وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ  ? ( البقرة : 120) . ولا تحتاج هذه القضية إلى شواهد من الواقع عليها ، فكل ما يجري في العالم الآن شاهد على ذلك.([4])

 

 


[1] )  جند الله ثقافة وأخلاقا  18-20

[2] ) العالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر الهجري فتحي يكن مؤسسة الرسالة ط 3-1403/1983ص 65

[3] ) حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى وأثرها على العالم الإسلامي احمد محمد زايد دار المعالي الطبعة الأولى 1420-2000م ص 243-246

[4] ) جند الله ثقافة وأخلاقا ص 23-24

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين