ندوة البيئة حمايتها ورعايتها في جامعة حلب - البيئة في منظور القرآن والسنة
ندوة: البيئة حمايتها ورعايتها/ جامعة حلب
شارك الدكتور الشيخ محمود عكام في ندوةٍ علميةٍ حول حماية البيئة ورعايتها أقيمت في كلية العلوم بجامعة حلب يوم الأربعاء 22/10/2008، الساعة السادسة والنصف مساء.
أدار الندوة الدكتور محمود كروم، وشارك فيها إضافة للدكتور عكام الأب إيليا طعمة، والأستاذ محمد قجة. وقد قدم الدكتور عكام ورقةً، فيما يلي نصها:
 البيئة حمايتها ورعايتها
الشكر الجزيل لكلية العلوم في هذه الجامعة العتيدة الحبيبة الغالية، وفي هذه المدينة الغالية والعزيزة على قلوبنا جميعاً، الشكر الجزيل لهذه الكلية بكل طاقمها من عميدٍ ونوابٍ للعميد وأساتيذ ومدرسين ومحاضرين وطلاب وعاملين، وكل الشكر للدكتور محمود كروم الذي قدمنا، وجعلنا الله من الذين يحافظون على البيئة المادية والمعنوية، وأظن أن حفاظنا على البيئة المادية طريق للحفاظ على البيئة المعنوية التي تقوم على الأخلاق وحسن التعامل، فالبيئة المادية النظيفة تتطلب بيئة معنوية نظيفة، نسأل أنفسنا ونلح عليها من أجل أن نكون على مستوى البيئة المادية والمعنوية الطاهرة.
قرأت القرآنَ الكريم منذ أكثر من ثلاث سنوات، والحديثَ الشريف بنية استخراج ما جاء في هذا الكتاب الكريم باعتباري مختصاً في الشؤون الإسلامية، وذلك لتكوين  منظومة فكرية عن البيئة عبر هذين المصدرين القرآن الكريم والسنة الشريفة، وها أنذا أطلعكم على ما وصلتُ إليه، وأسأل ربي أن يوفقنا من أجل أن نكون خداماً لأنفسنا عندما نقوم بخدمة البيئة التي نعيش فيها.
قال تعالى: ?هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها? وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله نظيفٌ يحب النظافة)، وقال علي رضي الله عنه في رسالة وجهها إلى واليه في مصر قال له: "ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، فمن طلب الخراج من غير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد".
وقد قلت أنا تعليقاً على ما يممت وجهي نحوه القرآن الكريم ونحو مثل هذه الأقوال:
"البيئة أمانة، وصلتنا من خالقنا نقية صافية رائعة نظيفة، فلنحافظ عليها كذلك لتبقى ظرفاً ووعاءً مسعداً ومناسباً للإنسان حتى يحقق غاياته الخيرة التي خُلق من أجلها، فإن شوَّهناها عاد الأثر الضار علينا وعلى كل بني جنسنا فارتددنا أسفل سافلين فهل يرقى عاقلٌ بهذا ؟".
آمل أن لا يكون كما قال الإمام علي نظرنا في استجلاب الخراج أبلغ من نظرنا في عمارة الأرض، وكنت أتحدث مع الأستاذ محمود كروم حول هذه النقطة وحول ما يقع من بني جنسنا ومن بني جلدتنا وبني وطننا في أنهم ينظرون إلى المنافع الشخصية الموهومة وبالتالي يكون تحصيل هذه المنافع القليلة على حساب منفعة لهذا البلد الذي نعيش فيه ولهذا الوطن الذي نسكنه والذي نرغب جميعاً من دواخلنا ومن قرارات أنفسنا أن يكون وطناً كريماً خيراً.
البيئة في منظور القرآن الكريم والسنة النبوية وهذا عرض موجز لهذا البحث حتى أترك المجال لغيري في هذه الندوة الطيبة:
البيئة في منظور القرآن الكريم:
يكفي بداية أن نقول أن أكثر من سبعمائة آية قرآنية تناولت البيئة ومكوناتها التي ذكرنا آنفاً. عرّفنا البيئة في البداية، وأنا لا أريد أن أعرّف البيئة لأنكم تعرفون وتعرفونها أكثر مني، عرفتها أنا متعدياً على اختصاصكم وذلك من خلال الآيات القرآنية التي قرأتها، أقول: إن أكثر من سبعمائة آية قرآنية تناولت البيئة ومكوناتها، وصنفتُ هذه الآيات القرآنية التي جمعتها حول البيئة وجعلتها قواعد ومعالم وملامح:
1- القاعدة الأولى: ربوبية الله عز وجل للبيئة فهو خالقها ومالكها وقيُّومها: والبيئة تسبح الله ويستفيد الإنسان منها وفق معايير مشروعة، لن أستعرض الآيات كلها لكنني سأقول على سبيل المثال قوله تعالى: ?ألم تر أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير?، ويقول الله عز وجل: ?وإن من شيء إلا يسبح بحمده? إلى آخر الآيات التي تتعلق بهذه القاعدة.
2- القاعدة الثانية: خلق الله الإنسان من مكونات هذه البيئة: قال تعالى: ?ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين?، وقال تعالى: ?ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشرٌ تنتشرون?.
3- القاعدة الثالثة: استُخلف الإنسان على البيئة الطبيعة ليفيد منها بعدلٍ وإحسان: قال تعالى: ?ولقد مكَّناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش?، ?الله الذي سخَّر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون?.
4- القاعدة الرابعة: من غايات العبادة الصرفة التحقق بحسن القيام بالاستخلاف: قال تعالى: ?ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم?، وقال تعالى: ?وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً?.
5- القاعدة الخامسة: تحذير الإنسان من فعل ما يؤدي إلى الإفساد والإسراف والتغيير في مكونات البيئة الطبيعية: قال تعالى: ?كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين? وقال الله تعالى أيضاً: ?ولا تطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون? والفساد تلوثٌ بكل أنواعه وإسرافٌ وتغيير في طبيعة مكونات الطبيعة وكل ذلك مرفوضٌ مرفوض، فيا أيها الناس انتبهوا ويا أيها المواطنون أفيقوا ويا بني البشر استيقظوا فاليوم استفادةٌ ظاهرةٌ عاجلة وغداً ضرٌ سيقع علينا وعلى أولادنا وعلى أجيالنا القادمة.
إذا أراد أحدٌ منا أن يتقدم إلى ربه عز وجل فلينظر نظرة رحمةٍ وعدلٍ وإحسان إلى البيئة التي تكتنفه إلى مكونات هذه البيئة وليحرص على أن يكون خادماً لهذه البيئة التي إن لم يكن وفياً لها فسيحصد بعد ذلك خسراناً يأتيه ويأتي أولادَه ويأتي من بعده إلى آخر أيام هذه الدنيا.
هذه الملامح العامة مستخلصة من الآيات التي جمعتها وهي متعلقة بالبيئة.
البيئة في منظور السنة النبوية:
الآن نظرتُ إلى الحديث الشريف فاستخلصت أيضاً منظومة تتعلق بالبيئة من الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن البيئة. هنالك معالم وقواعد استخلصتها من الحديث الشريف، وهي:
1- القاعدة الأولى: الدعوة أكيدة وجادة للرفق بالحيوان: والحيوان أحد مكونات هذه البيئة، وبالتالي عندما نتحدث عن الرفق بالحيوان نتحدث عن حفاظٍ على البيئة وعن توازن للبيئة وعن رعاية للبيئة، وهنالك انقراضٌ لبعض أنواع الحيوانات، والتي إذا ما انقرضت فإنها ستؤدي إلى اختلال توازن البيئة، وبالتالي سيكون هذا خسراناً مبيناً لأرضنا التي نعيش عليها. حسبي أن أذكر لكم الحديث الذي تعلمناه يوم كنا في الابتدائي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلبٌ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغني فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه حتى ارتقى، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له) فقالوا: يا رسول الله: وإن لنا في البهائم لأجراً ؟! فقال: (في كل ذات كبد رطبة أجر). وإن علينا أيضاً في البهائم وزراً إذا ما خالفنا القوانين التي جاءت من أجل أن نراعيها ونحن نتعامل مع هذه البهائم، وحفظنا يوم كنا صغاراً حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت).
2- القاعدة الثانية: بذل غاية الجهد للعناية بالنبات والمزروعات: وفي هذا المجال أحاديث كثيرة ووفيرة، على سبيل المثال نذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمٍ يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمة إلا كان له به صدقة) لست مختصاً بالقضايا الزراعية والقضايا العلمية، لكنني عندما أرى أرضاً زراعية تُباد ليقام عليها كُتلٌ من الأحجار، فعلاً أحس بأن قلبي يكاد يتفطر، أنجعل مكان الزرع كتلاً بنائية لنفيد منها على وجه السرعة أمراً مادياً سريعاً ولن نستفيد جميعنا، وإنما الذي يستفيد بعضٌ من الناس وبالتالي يكون هذا على حساب الإفادة الحقيقية لجميعنا ولكلنا، وقد قال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أرض، فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى، فليمسك أرضه).
3- القاعدة الثالثة: الماء نعمة كبرى فلنرعها أصلاً ووصفاً حسناً: فلا إسراف لأن الإسراف في استخدام الماء واستعماله حرامٌ حرام، ولا تلويثَ لأن الثلويث للماء رذيلةٌ وجريمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (سبعٌ يجري للعبد أجرهن بعد موته: من علَّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً صالحاً يستغفر له بعد موته) واليوم قلة قليلة منا من يفكر في أن يترك بعده هذا الذي دعانا إليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن نتركه، ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء) حتى لا يلوثه. خاف النبي على الماء من نفس أحدنا فقد يكون في نفس أحدنا شيء يضر هذا الماء عندما يشربه آخر.
4- القاعدة الرابعة: حماية المرافق العامة والعناية بها مطلب إنساني: وفي هذا المضمار يقول صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) تنظيف للبيئة (والحياء شعبة من الإيمان) وأنا لما أتصور أن الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله كلنا يركض إلى لا إله إلا الله من أجل أن يقولها بلسانه دون أن ينتبه إلى الشعب الأخرى التي تؤسس لـ: (لا إله إلا الله) فمن قال لا إله إلا الله من لسانه فقط ولم يقلها بحركته، بعمله، بنظافته، بطهارته، بعنايته فهذه الكلمة لن تكون له نافعة ً نفعاً مطلوباً ونفعاً مرغوباً. لو أن كل واحد منا فكّر في هذه الشعبة من شعب الإيمان بأن نميط الأذى عن الطريق، أعتقد بأن شوارعنا وبيئتنا وطرقنا سيكون نظيفاً بلا شك، يقول صلى الله عليه وسلم: (بينما رجلٌ يمشي في طريق إذ وجد غصن شوكٍ فأخره فشكر الله له فغفر له) وتكلم النبي صلى الله عليه وسلم عن النظافة بشكل عام والصحة العامة في المسكن والجسم والطعام والشراب فها هو يقول: (إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريمٌ يحب الكرم، جوادٌ يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود) عندما يقرأ الواحد منا هذا الذي ورد في تراثنا ويأتي ليرى ما نعيش عليه في بلادنا فسيحتار حيرة كبيرة، سيقول ما هذا الذي نسمع وما هذا الذي نرى فهناك بَونٌ شاسع، ولا أريد أن أتحدث وأجلد نفسي وأجلد الآخرين لأبين ما نعيش به من مفارقات، فكلكم يدرك هذه المفارقات لكنها صرخة من هذا الصرح العلمي من أجل أن يعي أبناؤنا الوعي الذي دعاهم إليه ربهم إن كانوا مسلمين، ودعاهم إليه وطنهم إن كانوا مواطنين، ودعاهم إليه نبيهم إن كانوا مؤمنين بهذا الرسول، ودعاهم إليه دينهم إن كانوا مؤمنين بأي دين آخر كما سيتحدث الزميل الأب إيليا طعمة.
وفيما يتعلق بالغسل يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (حقٌ على كل مسلم في كل سبعة أيامٍ يوماً يغسل فيه رأسه وجسده) وقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) والأحاديث كثيرة.
أما الطعام والشراب وضرورة العناية بهما وتعاليهما عن التلويث فقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة ووفيرة.
في الختام:
ولا أريد أن أطيل عليكم حتى لا ألوّث ثلويث ضجيج، أي الآذان، وفي الختام ما ذكرناه غيض من فيض، وقليل من كثير، وعلى المسلمين والعرب حيثما كانوا العمل من أجل بيئة نظيفة نقية وإلا فالمستقبل سجف رعبٍ منتظر، وخطر قادم، وهل أنتم يا هؤلاء منتهون ؟!
كل ما نريده أن يكون هذا الأمر تذكيراً، وأن يكون نصحاً، وأن يكون كلمة نضعها في أذهاننا وفي أذهان أبنائنا وفي آذان الجميع، وأتمنى على هذه الندوة أن تُسجِّل توصيةً في أن تكون البيئة في كل مستلزماتها موضوع مادة تُدرَّس في صفوف مدارسنا في التعليم الأساسي، في مدارسنا الإعدادية، وفي الثانوية، أرجو أن يكون الأمر جِداً، وأن يكون الأمر فعلاً على غايةٍ من الأهمية التي نسعى إلى تحقيقه في بلدنا.
شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين