مؤتمر القدس والأقصى الحقيقة والدلالة - حول مؤتمر القدس والأقصى
مؤتمر القدس والأقصى الحقيقة والدلالة
بقلم الدكتور : خالد حسن هنداوي
يروق للكثيرين من الناس وحتى عدد من المفكرين والمطلعين أن يَسمُو كلَّ المؤتمرات التي تعقد على مختلف الأصعدة والمواضيع بأنه لا جدوى منها ولا أثر دون تفريق بين نوع وآخر. ولكن هذا لدى المتأمل الحصيف لا يصح ولا يعقل ، فإن مؤتمر مؤسسة القدس الدولية الذي عقد في الدوحة 12ـ14/10/2008 قبل أيام قد أنتج ثماراً جنية على صعيد النواحي الدينية والسياسية والفكرية وحقوق الإنسان الفلسطيني، بل والعمل الخيري ، وكل ذلك جهاد مدني ترمي إليه هذه المؤسسة التي تعمل لهذا النوع من الجهاد فعلى الصعيد الديني ذكرنا الاخوة المؤتمرون والمناصرون بأن اجتماعهم هذا مبارك لأنه يرتبط بقضية القدس والمسجد الأقصى المباركين ، فالقدس درة فلسطين وجوهرتها والأقصى قبلته الأولى وثاني مسجد وضع في الأرض، وقد رفضوا بالإجماع الإسلامي والمسيحي مسألة تهويد القدس وإقامة مدينة يهودية بموازاة البلدة القديمة، وأشاروا إلى تأكيد ما ورد في إعلان استانبول العام الماضي 2007 من إدانة الممارسات العنصرية التي تستهدف محو معالم القدس وتهويدها، وكيف لا يشددون على ذلك والقدس وبيت المقدس مقدسان إذ ورد في قوله تعالى :[وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ] {المؤمنون:50} . عن الضحاك وقتادة، هو بيت المقدس. وقال المفسر ابن كثير: وهو الأظهر، وقد أقسم الله بالتين والزيتون. وقال الصحابي عقبة بن عامر: إن التين دمشق، وإن الزيتون القدس ، وقد خرج الطبراني في معجمه الأوسط والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي ذر عنه صلى الله عليه وسلم : «ليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس، وهو خير له من الدنيا وما فيها». وهذا فيه إشارة من الرسول إلى فتح بيت المقدس ، وقد سألت ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما عند أحمد ورجاله ثقات ـ: أفتنا في بيت المقدس فقال:" أرض المحشر والمنشر ايتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه بألف" . قالت: فإن لم أستطع تحمله قال: فتهدي له زيتاً يسرج فيه وذلك كمن أتاه. وقد ورد عند ابن ماجه بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم: أن من أتاه فصلى فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ترغيباً وتحبيباً . وقد يقول قائل :إننا نسمع بهذه الآثار ونعرف بعضها فما تكرارها في المؤتمر أقول : إن إصرار أهلنا في فلسطين والقدس والأقصى وتشبثهم بهذه النصوص محرض لنا على دوام الالتفات والبعد عن النسيان، والذكرى من أصحابها أوقع وأنفع.
 أما على الصعيد السياسي والفكري وحقوق الفلسطينيين أنفسهم وكيف أن نشر سياسة فرق تسد أشغلت الفلسطينيين عن أهدافهم الحقيقية، وأكد الشيخ صادق عبد الله حسين الأحمر المندوب عن اليمن أن الإصرار على المفاوضات إنما هو كسب وقت لإسرائيل فقط ، وأن من جرب منهج الصمود ومنهج السلام المزعوم يعرف أيهما أجدى لنا كما أطلعنا مندوب باكستان السيد عبد الغفار عزيز على الموقف المشرف للشعب الباكستاني حينما اعتبر أن التخلي عن القدس هو من التخلي عن الإيمان جواباً على الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف حين قال : إن قضية القدس لا تعنينا!!
كما أدلى السيد عبد الرشيد الترابي مندوب كشمير المسلمة بقوله: إن شعبنا يرفع يديه ويتضرع إلى الله داعياً أن يحرر القدس قبل كشمير ، ومن هنا رأينا الأستاذ المفكر الداعية راشد الغنوشي يعبر عن ذلك بقوله: إن التجربة تثبت لنا أن فلسطين هي التي تحررنا لا أننا نحررها.
وقد أكد الجميع أنه لا بدَّ أن تبقى القدس عاصمة لفلسطين بأكملها وأن الواجب يحتم المصير إلى الائتلاف السياسي والبعد عن الاختلاف لتحقيق الأهداف. وضرب الشيخ الأحمر مثالاً لذلك أن مواقع الصراع هي امتداد للقدس، وأن اليمن كان يحتفل بمرور 129 عاماً على رحيل الانكليز الذين كانوا يقولون: لا تنازل عن عدن فهي جزء من إمبراطورية التاج. لكن ماذا حصل ، إننا حررناها وخاب فألهم ، ولذلك أكد المؤتمرون على الحكومات والشعوب أنه لا بدَّ من تضافر الجهود لتحدي الخوف وكسر الحصار ، خاصَّة عن أهلنا في غزة وأن نجاح المواجهة مع الاحتلال لا بدَّ له من وحدة الأمة، هذه الوحدة التي تقوي نصرة حق العودة للاجئين عام 1948 ، والنازحين، وأن هذا الحق لا يقبل المساومة أبداً ، وقد أكد مجلس أمناء مؤسسة القدس والشبكة العاملة للقدس في الخارج ، على تكثيف الإصدارات الإعلامية والثقافية لخدمة القضية، وذلك من قبل الفعاليات والمراكز والشخصيات المخصصة في دعم المجتمع المدني . هذا إلى جانب عدم إغفال التذكير الدائم لحكومة السلطة الفلسطينية أن تواجه ما يجري للقدس والمسجد الأقصى ، وأن توقف اللقاءات والاجتماعات مع الجانب الإسرائيلي . خاصَّة بعد أحداث عكا الأخيرة واستشهاد الشباب الفلسطينيين المعتدى عليهم.
وذكروا أيضاً بتصريح أولمرت رئيس وزراء العدو المنصرف قريباً، وهو يزور روسيا : أن حلم إسرائيل قد مات كما نقل ذلك الدكتور حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين . إذن لماذا نفاوض ؟ وقال : إننا في العراق مع أننا قدمنا حوالي مليون شهيد، فإننا سائرون إلى تحرير فلسطين بإذن الله ، وأبان الأستاذ جمال الزير في صدد الحديث عن حقوق الفلسطينيين: إنها ضائعة ، ونقل المآسي عن وضعهم البائس في السجون وعن استعمال الأسرى للتشريح في كليات الطب في إسرائيل ، وإجراءات الاختبارات عليهم في التحاليل والزراعة الطبية كما يجري للفئران!
وتحدث عن دس الصراصير في طعام الأسرى، وأن عددهم بلغ 11600 أسير بينهم 1500 يحتاجون إلى عمليات جراحية ، وشدد على أنه لا بدَّ من آليات داخلية وخارجية للحفاظ على عدم إهانة أي فلسطيني يذكر بقرار مؤتمر الدار البيضاء عام 1965 الذي يدعو إلى إحسان استقبالهم في كل بلد متأسفاًَ لما يجري للبعض في البلاد العربية والإسلامية، أما عن الجانب الخيري في أمسية القدس الخيرية فما أحلى هذه الليلة التي ترجم فيها الإخوة القطريون والمقيمون العرب والمسلمون في الخارج عن تأثرهم ومدوا يد العون بالجهاد المالي حتى وصل في هذه البرهة الوجيزة إلى ستة وستين مليون ريال قطري، أفلا يكون هذا من إيجابيات المؤتمر، ونحن نعرف أن إخواننا في القدس وفلسطين يحتاجون إلى كل شيء. ولعمري كيف تخسر البورصة الكويتية كمثال في الأسبوع الماضي وخلال ثلاثة أيام 15.5 مليار دينار أي ما يعادل 60 مليار دولار ، أما عندما يكون الأمر للقدس فأكثرنا يشح ويبخل فلماذا ذلك ؟ وختاماً فإن القدس وطن التحدي والأحرار، وإن كل جبهة تختبر على صخرة فلسطين كما قال الغنوشي : وإن سلطة اللاسلطة لا تنفع كما قال المهندس : إبراهيم غوشة، وأنكر الجميع الحفريات التي تجري تحت المسجد الأقصى ، لاسيما في المنطقة الجنوبية والغربية إضافة إلى الاعتداء على مقبرة الرحمة شرقي المسجد، وقال الشيخ الأحمر: لماذا نهب لإنقاذ أمريكا الآن في الأزمة المالية ولا نهب لإنقاذ القدس؟ . ثم حيا صمود الأبطال بقوله: انتصاركم انتصار لنا نحن الأسرى وأنتم الأحرار ، وختم الشيخ العلامة القرضاوي المؤتمر بالتأكيد على النصر مستدلاً بالحديث الذي يذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم طائفة الحق التي ستحرر بيت المقدس ، فهل كان في هذا المؤتمر منافع أم لا ؟!!.
من مجلة الشرق القطرية
العدد (7430)
الأحد 20 شوال 1429
الموافق 19اكتوبر 2008-10-22
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين