مشروع نصر قريب -2- شرطا النصر

 

شرطا النصر التقنيات + العدل و الأمانة

 

لا يمكن أن يتحقق النصر بدون تحقق شرطين بالحد الأدنى على الأقل. وهما يتناسبان بين طرفي الصراع. أما الشرطان فهما: المهارات أو التقنيات + الأخلاقيات من الأمانة والعدل والتقوى إلى آخرها.

إذ لو قدمنا أتقى الناس وأكثرهم أمانة وطلبنا منه إقامة بناء من خمسة طوابق مثلا لما عرف من أين يبدأ إن لم يكن تخصصه في الهندسة المدنية. وإن حاول وبنى فسيسقط البنيان على رؤوس ساكنيه. مثله من يريد إجراء عملية جراحية بل مثله من يريد إصلاح خط التصريف في مغسلة في البيت. وهكذا يكون الشرط دائما المهارات المناسبة أو التقنيات.

أما الشرط الثاني فهو الشرط الأخلاقي مثل الأمانة أو العدل. وإذا عدنا للمثل السابق في إنشاء بناء نجد أن أقوى المهندسين إن لم يكن أمينا سرق من الحديد أو الإسمنت ما يجعل البناء يسقط على رؤوس ساكنيه تماما مثله مثل من لا يمتلك المهارات أو التقنيات. لعله لذلك يكون واضحا ضرورة وجود الشرطين كليهما. ونحن اليوم أحوج إلى الشرط الأول. فطبيعة الثورة أن يقوم بها غير المتخصصين. ومن لا يمتلك ولا حتى فكرة عن العمل التنظيمي أو السياسي أو العسكري تراه يصبح فجأة في مصاف القادة.

 

المهارات أو التقنيات:

مر أن الثورة بطبيعتها أكثر ما تفتقر إلى المتخصصين. وأن الكثير من غير المتخصصين هم من فجر الثورة فشغل مناصب قيادية فيها بغير إرادة ولا طلب. لكن ذلك لا يمنع من معرفة مجموعة قواعد لا بد من رسوخها لتحقيق النجاح:

1- إذا ظن شخص نفسه مضطرا لقيادة جزء من الثورة أو الثورة كلها بسبب فقدان المؤهلين، فيجب عليه في هذه الحالة أن يعرف ويحس: أ. أنه يقتات على دماء الشهداء لكنه مضطر معذور مادام لا يجد بديلا. ب- أن يبحث باستمرار عمن هو أفضل منه ليعطيه القيادة. ت. أن يطلب مساعدة الناس في البحث عن الأفضل.

أما إن كان يتخيل في نفسه الأهلية فعليه أولا أن يدرك أنه لا يمكن أن يكون مؤهلا في جميع التخصصات ولا بد له من اختيار تخصص. ثانيا: عليه أن يمتلك ولو على سبيل الإجمال تصورات عما يحتاجه لصناعة النصر في تخصصه؛ فيدرك الآليات التي يحتاجها ويدرك الأدوات والمعدات المطلوبة. ويدرك ولو بصورة تقريبية المدة المطلوبة. ويدرك الطريق التي سيسلكها والتي ستوصله إلى النصر. ونختصر ذلك كله بقولنا: إنه يمتلك إستراتيجية وبرنامج عمل محدد الخطوات وتوقعات النتائج.

فإن لم يمتلك تلك القدرات فليس مؤهلا وعليه إن كان ناصحا للمسلمين أن يعود لحالة القائد المضطر التي بدأنا الحديث بها. وأن يكتفي بتخصصه إن كان جامعا للمال مثلا، وأن لا ينفق ما جمع إلا حسب ما يمليه عليه صاحب المشروع مالك الإستراتيجية وبرنامج العمل. و أن يطلب بسعي حثيث صاحب المشروع هذا. فيظهره للناس ويقويه ويقدمه ولا يتقدمه. كانت هذه إشارة لأهمية التقنيات الفنية في صناعة النصر للتذكير. ومن شاء الاستزادة فليرجع إلى كتيب "دليل الثورة" ففيه تفصيل بلغ حوالي ربع الكتاب.

 

الأخلاقيات: الأمانة و العدل

الأمانة هي أقرب شيء إلى ما نطلق عليه "المسؤولية" وهي تعني: مجموعة القيم العملية والأخلاقية الضابطة لتحقيق الشيء بأكمل وجه وبأعلى مردودية ممكنة. هذه القيم مثل العدل وتطبيقه كأن لا يسند الأمر إلى الأقل كفاءة مع وجود الأكثر كفاءة! ومثل التفاني في تحقيق أعلى المكاسب كأن لا ينفق قرشين على ما يمكن تحقيقه بقرش واحد. وكأن لا نزعم الحرص على الثورة في حين أن حرصنا الأول هو على المصلحة الشخصية وتزعمنا وتصدرنا للمجالس. وهكذا إلى آخر المشاكل الأخلاقية التي قد تواجه أي شخص فينا.

 

إقامة العدل:

العدل الداخلي والعدل الخارجي: كل دولة لها سياسات داخلية وسياسات خارجية. فإذا قامت سياساتها الداخلية على العدل سمت وازدهرت وعلا إنسانها. حتى و لو كانت سياساتها الخارجية ظلم كلها! والمثل على ذلك أمريكا أو إسرائيل أو الغرب عموما. ففي أمريكا مثلا تقام انتخابات حرة نزيهة تظهر خيار الناس الحقيقي. وفي إسرائيل مثلا لا يداهن أحد بسبب منصبه فتدخل الشرطة وتأخذ حاسوب رئيس الدولة. وقد تعتقله إن كان عندها مبرر. وفي الغرب كله لا يعتقل إنسان بسبب فكرة يقولها لم ترق لغيره.

لنستنتج من ذلك قاعدة أساس نص عليها بعض الفقهاء فقال: إن الله ينصر الملك العادل وإن كان كافرا على الملك الظالم وإن كان مسلما. وشاع بين الناس أن العدل أساس الملك. فمن أقام العدل في نظامه الداخلي انتصر على من فشل في إقامة العدل في نظامه الداخلي مهما كانت القضية التي يدافع عنها هذا أو ذاك! من هنا نفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا قدست أمة {لا يقضى فيها بالحق} ولا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير مضطهد" جيد رواه الطبراني.

أي أن الله سبحانه لا يعلي ولا يرفع أمة لا يقضى فيها بالحق ولو داخليا على أقل تقدير. بل لا بد أن يأخذ الضعيف فيها حقه كاملا وهو غير منزعج وبدون أي عناء! مما سبق ندرك أن ثورتنا بالذات وهي تقاتل ضد العالم كله لا يمكن أن تنتصر وهي تشوبها أدنى شائبة ظلم في تراتبيات الداخلية الإدارية. ولا يمكن أن يتم هذا إلا باتهام الشخص لنفسه وتقديم غيره على نفسه عمليا وليس بالكلام. إن لم نفعل سيتأخر النصر كثيرا و كثيرا جدا. وسنكون سببا في ذلك المصاب العظيم.

 

و تبدأ إقامة العدل داخليا بالتالي:

1. امتلاك القدرة على الإحساس بالمعروف ورؤيته: وهي أساس في إقامة العدل وفي الحديث الصحيح عند أحمد "لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ". فشكر إحسان المحسن ورده بمثله هو العدل وهو مساواة الخير بالخير. ولا يمكن شكر الإحسان أو رد المعروف بمثله إلا بالقدرة على رؤية المعروف والإحساس به ثم شكره ورده بمثله. من هنا كان لزاما تدريب العاقل لنفسه حتى يتحسس ويدرك صانع المعروف ليشكره. و يبدأ تحسس إدراك المعروف بمقارنة فعل شخص بعدم فعله أو بفعل آخر كالتالي:

a. فهل التبسم في وجهي وهو أقل المعروف، له أن لا يتبسم لكنه اختار التبسم؟! و هل فعله يجعله صانع معروف أعرفه له وأقدره؟

b. مقارنة المعروف بعضه ببعض: المبتسم في وجهي ليس علي من الجميل له مثل من يعطيني مليون دينار مثلا. والمبتسم ليس مثل من يضحي بحياته من أجل كرامتي وحريتي. ولا مثل من يضع التصورات النظرية والتطبيقية لنجاح الثورة وانتصارها ... الخ. وكلٌ محسن، ولكن الآخر أفضل بكثير من الأول وفي كلٍ خير. وبينها درجات كثيرة جدا وكبيرة جدا.

c. شكر صانع المعروف والاعتراف له بالفضل وتكبير معروفه. فالحديث الصحيح عند أحمد: "إِنَّ أَشْكَرَ النَّاسِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ". وأقل الشكر ذكر المعروف باللسان بين الناس ونشره وإشاعته وشكر فاعله. والدعاء له. ولا أقل من هذا.

d. شكر المعروف بقدره: فلا أشكر المتبسم مثل شكري لمن يضحي بحياته من أجل كرامة الأمة، مع أن عليَّ شكرهما جميعا. والعدل أن أشكر المتبسم بابتسامة. وشكر المضحي بنفسه من أجلي أن أضحي بنفسي من أجله على الأقل... و هكذا. والإحسان أفضل من العدل. وهو رد المعروف بأحسن منه. فإن لم يكن فلا أقل من العدل.

2. شكر المعروف بذكره في الناس وتسمية فاعله: فأثني على فلان أنه فعل معي أو مع الثورة المعروف المعين. فتعرف الناس له والمحيط وتميز بين المعطي صاحب المعروف وبين غيره. وتعترف للمعطي وتقدمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُوْلِيَ مَعْرُوفَاً فَلِيَذْكُرُهُ، فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ". حسن صحيح رواه الطبراني. وبذلك تتشكل آليات طبيعية في المجتمع في تمييز قادته عمن سواهم. وعملية النشر بين الناس لها أهمية عظمى في خلق تراتبيات الثورة العادلة القادرة على صناعة النصر. وهي أكثر ما نفتقد اليوم.

3. التشبث بصاحب العلم النافع ومعرفة فضله: إذا كان المسلم يعبد الله سبحانه لاستحقاه العبادة وعظيم فضله علينا ويحب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لما علمنا من خير ودلنا عليه فما هو موقفه ممن علمه ولو آية من كتاب الله؟ وفي المرفوع الذي أظنه حسنا لغيره: "مَنْ عَلَّمَ عَبْدًا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ مَوْلاهُ لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْذُلَهُ، وَلا يَسْتَأْثِرَ عَلَيْهِ". فكيف بمن يعلم سبل النهضة والخلاص من الظلم والطغيان وإسالة الدماء؟ وقد جاء في المرفوع أيضا: "أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء، أن قل لفلان العابد: أما زهدك في الدنيا، فتعجلت راحة نفسك. وأما انقطاعك إلىَّ، فتعززت بي! فماذا عملت فيما لي عليك؟ قال: يا رب ومالك علي؟ قال: هل واليت لي وليا؟ أو عاديت لي عدوا؟".

4. الوفاء بالوعد وكل العقود: آخر ما سنتكلم عليه من العدل والأمانة في هذه العجالة هو الالتزام بالكلمة والوعد والعقود الشفوية. فالله سبحانه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. و كيف نتوقع نصرا من الله سبحانه ونحن لا نطيع أوامره ولا نلتفت لها ؟

 

تناسب شرطي النصر بين الطرفين:

أما تناسب الشرطين بين طرفي الصراع فيعني أن كل شرط منهما يتعلق بنظيره عند خصمه. وقد يحصل بعض التعويض من شرط إلى آخر أحيانا. ومعنى ذلك أن القدرة العسكرية عند طرف إذا كانت بمقدار 5% منها عند الطرف المقابل فلا يتوقع لمثله أن ينجح ما لم تعدل كفته عوامل أخرى مثل الحاضنة الشعبية. ولكنه قد ينجح إذا كانت قدراته العسكرية تبلغ 60-70% من قدرات عدوه، مثلا. ومثلها القدرة السياسية والتنظيمية والتخطيطية. وكل القدرات الحاسمة في صناعة النصر!

 

أما عملية التعويض فتتم من شرط لآخر ضمن السياق السابق. ومثاله الجيش الأضعف عدلا في داخله تجد إرادة القتال عند جنوده أضعف بكثير منها عند الجيش القائم على العدل. فينهزم هكذا وإن كان الأقوى عسكريا أمام عدو أضعف لكنه أكثر عدلا! مع إعادة التنبيه إلى أن الضعف العسكري والعدلي ينضبط ضمن نسب متقاربة نسبيا كما مر. فلا نتوقع مثلا أن الجيش القائم على العدل 100% وقدراته العسكرية 0% يستطيع أن ينتصر على جيش عدله 20% و قدراته العسكرية 70% من المعايير الدولية.

 

ويجب التمييز هنا بين العدل الداخلي في القوات أو الثورة وبين العدل في القضية التي تحارب من أجلها. فالعدل الداخلي الذي هو بيين رتب الثورة وتعامل الضباط مع الجنود مثلا بعضهم مع بعض أهم بكثير من عدل القضية التي تحارب الثورة من أجلها. فالقضية تأتي في المرتبة الثانية. فإذا فقد العدل الداخلي وكان العدو أقوى ماديا استحال النصر عليه مهما كانت قضيتنا عادلة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين