معالم الأخوة في الله‎

أن يحب المسلم المسلم لا يحبه إلا لله وذلك بأن يكون المحبوب ممتثلا أوامر الله تعالى مجتنبا نواهيه بعيدا عن الأغراض الدنيوية وإلا انقلبت المحبة شرا وكان نتاجها خطرا. ومن لم تكن في الله خلته فخليله منه على خطر وهي بهذا المعنى كانت بغية الصالحين من السلف وطلبة السابقين من المؤمنين، واليوم قد درست محاجها وعفت آثارها فمن عمل بها أحياها ومن أحياها كان له مثل أجر من عمل بها، فمن رزقه الله تعالى أخا صالحا تطمئن به نفسه ويصلح معه قلبه فهي نعمة من الله تعالى عليه مضافة إلى محاسن نعمه ، ولأن الأخوة في الله ركن ركين ، وشعبة باسقة من شعب الإيمان بالله تعالى ، ولقد ذكَّر الله تعالى عباده المؤمنين نعمته عليهم في الدين إذ ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا متفرقين، فأصبحوا بنعمته إخوانا بالألفة متفقين وعلى البر والتقوى متعاونين ؛ثم ذكر بالنعمة عليهم في تقواه وأمر بالاعتصام بحبله وهداه.ونهى عن التفرق إذ جمعتهم الدار وقرن ذلك بالمنة عليهم إذ أنقذهم من شفا حفرة النار وقد جعل ذلك كله من آياته الدالة عليه وسبله الواصلة بالهداية إليه فقال تعالت كلماته "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته..تهتدون" فالمؤاخاة في الله من أوثق عرى الإيمان والصحبة لأجله من أحسن أسباب المتقين وقد كثرت في تفضيلها الآيات والأخبار وليس القصد الجمع لكل ما روي وما قيل في ذلك بل التنبيه بما يذكر على مالم يذكر فنذكر من حال الصحابة والتابعين اتخاذهم الأصحاب والإخوان ومبلغ حرصهم على الصديق الصدوق وكيف كانوا يختارونه؟ فنذكر ذلك ننير به الطريق لمن يريد أن يتخذ إخوانا في الله يحبهم ويحبونه ...وقد قال أكثر التابعين باستحباب كثرة الإخوان في الله عز وجل بالتأليف والتحبب إلى المؤمنين لأن ذلك زين في الرخاء وعون في الشدائد وتعاون على البر والتقوى وألفة في الدين ومن كلام بعض التابعين (استكثر من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة فلعلك تدخل في شفاعة أخيك.؟؟فما لنا من شافعين ولا صديق حميم"وروي في حديث غريب في تفسير قوله تعالى ويستجيب الذين آمنوا..." قال يشفع في إخوانهم فيدخلهم الجنة معهم.وقد روي "إن أقربكم منى مجلسا يوم القيامة.....""المؤمن يألف ويؤلف..." وفي الخبر من أراد الله به خيرا.." وفي الحديث حول العرش منابر من نور ......" وفي الحديث سبعة يظلهم الله في ظله..منهم رجلان تحابا في الله ....؟ويقال إن الأخوين إذا كان أحدهما أعلى مقاما من الآخر رفع الآخر معه إلى مقامه وأنه يلحق به كما تلحق الذرية بالأبوين لأن الأخوة عمل كالولادة وقد قال تعالى " ألحقنا بهم ذريتهم ..."وقال تعالى مخبرا عمن لا صديق له حميم فما لنا من شافعين ولا صديق حميم"وحميم أي هميم أبدلت الهاء حاء لتقاربهما في المخرج وهو مأخوذ من الاهتمام أي مهتم بأمره ففيه دليل على أن الصديق لك هو المهتم بأمرك وإن الاهتمام حقيقة الصداقة وقد كان الرجلان من الصحابة إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر..."والعصر إن الإنسان.. ثم يسلم أحدهما على الآخر..ويقول الشافعي لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم؟وإذا كانت الإخوة في الله بهذه المنزلة من الدين وجب علينا معرفة من هو ذلك الصديق الذي يجب أن يُتخذ خليلا في الله وأن يُستمسك بصحبته ويُعض عليها قال الفاروق ما أعطي عبد بعد الإيمان خيرا من أخ صالح فإذا رأي أحدكم ودا من أخيه فليستمسك به فقلما يصيب ذلك . وإذا كان أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان فأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم ولهذا كانت الأخوة في الله طرائق للعالمين لهم في كل طريق رفيق وفي كل شعب إخوان  فمن فاته اتخاذ ذلك كان مغبونا في حياته ناقصا في إيمانه ورحم الله من قال

 

ما نالت النفس على بغية                     ألذ من ود  صديق أمين

من فاته ود أخ صالح                        فذلك المقطوع منه الوتين.

 

وإذا تحتم علينا اتخاذ إخوان في الله وجب أن نحسن الاختيار فعليه تدوم الألفة وبمقدار التوفيق فيه تكون المودة ولأن الكمال لله تعالى وحده فقلما تجد صديقا يسلم من عيب ومن أهم الشروط التي يجب مراعاتها فيمن نتخذه أخا في الله التقوى

 

ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها                    كفي المرء نبلا أن تعد معايبه

 

(اصطف من الإخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب فإنه ردء لك عند حاجتك ويد لك عند نائبتك وأنس لك عند وحشتك وزين لك عند عافيتك)

 

وقد يدعي هذه الخصال كلها إنسان ولكن ليس الإيمان بالتمنى وإنما هو بالتحلي

 

وكل أخ يقول أنا وفي                        ولكن ليس يفعل ما يقول

سوى خل له حسب ودين                    فذاك لما يقول هو الفعول.

 

فإذا ظفر الإنسان بصحبة التقي فليعقد عليها الخناصر وليشدد عليها بالخمس ، وليدم المحبة والألفة حتى يأتيه اليقين وليحذر نزغ الشيطان ووسوسته بينه وبين من آخي فإن عدو الله ما حسد متعاونين على بر حسده متآخيين في الله تعالى ومتحابين فيه فإنه يجهد نفسه ويحث قبيله على إفساد ما بينهما وقد قال الله عز وجل ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم.." ومن علامة المتقي حسن المقال عند التفرق وجميل البشر عند الالتقاء

 

إن الكريم إذا تقضي وده                     يخفي القبيح ويظهر الإحسانا

وترى اللئيم إذا تصرم حبله                  يخفي الجميل ويظهر البهتانا

 

ووصف الكريم في هذين البيتين بخلق الربوبية ففي مأثور الدعاء يا من أظهر الجميل وستر القبيح ولا يؤاخذ بالجريرة ولا يهتك الستر.."فصفات المؤمنين على معاني أخلاق واهب الإيمان المؤمن الأعلى عز وجل وفي الحديث تخلقوا بأخلاق الله" هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الخطأ والخلل والزلل فى القول والعمل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين