حكاية أخت

قدِمَت من بلاد الحبشة، ككثير من مثيلاتها، لتعمل، خادمةً، حاملةً حقيبة يدٍ بيدها الهزيلة..

تتصنّع ابتسامةً تعلوها عيونٌ غائرةٌ خائفة، وجهها شاحب، لا أدري، أهو العِرق أم الفقر، أم لخوفها من المجهول؟

لربّما سمِعَت بعض رفيقاتها العائدات من الغربة أنّ الأحلام الّتي يوعدن بها قبيْل هجرتهنّ لا علاقة لها في معظمها بالواقع، لأنّهنّ يعاملن في كثيرٍ من الحالات بعجرفةٍ مقيتة، و عنجهيّةٍ بغيضة، و كِبْرٍ مقرف، و أنّ بعضاً من أصحاب وصاحبات العمل من لا يجد متنفّساً لعُقَده و أمراضه النّفسيّة المزمنة سوى هذا المخلوق الضّعيف "المتخلّف الدّونيّ المنحطّ اللّاحضاريّ" كما يحلو له وصفه!...لا لشيءٍ إلّا لأنّ الصّفات هذه وأكثر في صاحب العمل ذاته أو صاحبة العمل ذاتها..

و منهنّ من يسوقهنّ الخالق العظيم الكبير الحكيم سوقاً الى سبيل جنّته، الى أبواب رحمته، الى نجاة الدّنيا والآخرة، فتتعرّف على الإسلام الحنيف الرّحيم من خلال أهله، من معاملة ربّة البيت لها، من مشاهدتها للإسلام يطبّق على أرض الواقع، كم فيه من الرّحمة والعدل و المساواة و الأمل...أملٌ لمن فقد الأمل في غيره و لا عجب..

فيشرح الله قلبها للسّعادة الأبديّة لتدخل أبواب

رحمته و منها إلى جنّات عرضها السّماوات و الأرض أُعِدّت للمتّقين...

تلك أخت أتت من بلاد الحبشة، نصرانيّة، متشدّدة، هدى الله قلبها للإسلام، و إذا بها تبكي بكاءً مرّاً لأنّ وقت عودتها أصبح قريباً و لأنّ أباها لم يسمح لها بتجديد مدّة إقامتها...

أرادت أن تعصيه فلا تردّ عليه، فقال لها أصحاب البيت الّتي تعمل فيه: إنّ الإسلام يأمرك برّ أبويك و طاعتهما في غير معصية، فسلّمي أمرك لله و أطيعي أباكِ...

.....

ذكرت ما ذكرت أعلاه لأكتب كلمتان، أخال الجبال تنأى عن تحمّل مسؤوليّتها:

"كم وقفت متأمّلاً و متألّماً أمام نتائج تقصير المسلمين الفادح و الفاضح و الكارثي لتبليغ دعوة الإسلام للبشريّة، و ما وصلت إلى ما وصلت البشريّة إليه من ظلماتٍ و عذاباتٍ و ضلالاتٍ إلّا بسبب تخلّفنا و ضياعنا و غربتنا عن ديننا...

و كم من عشرات بل مئات الملايين الّذين لم تصلهم دعوة الإسلام الوسطيّ الحقّ والّذين نتحمّل كأمّة مسؤوليّة التّقصير في إنارة الطّريق لهم، بغضّ النّظر إن هم  سيختارون المضيّ فيه أم لا...

و الله وليّ الهداية و التّوفيق

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين