أعياد المسلمين وحفاوة الإسلام بها - وداع رمضان

أيها المسلمون:

سلام الله - تعالى - ورحمته وبركاته عليكم أجمعين.

 

أما بعدُ، فقدِ انتهى شهر رمضان، وأصبح المسلمونَ يَسْتَعِدُّون لِهَذه النهاية، بِاسْتِقبال عيد الفطر المبارك، وبِهَذه المناسبة أَتَحَدَّث إليكم عَنْ أعياد المسلمينَ، وعن تاريخ مَشْرُوعيتها، ومبلغ حفاوة الإسلام بها، وعما ندبت إليه الشَّريعة الإسلاميَّة مِن فضائل الأعمال ابْتِهاجًا بِهَذه الأعياد المُبارَكة.

 

فالعيدُ اسْمٌ مأخوذ منَ العود؛ لأنَّه يعود ويَتَكَرَّر على مَمَر الأيام، ويعود السُّرور، ويعود في كل عام، ولقد كان للعرب في جاهِلِيّتهم قبل أن يشعَّ نورُ الإسلام أعيادٌ كثيرةٌ، يَحْتَفِلون بها، ويربطون حوادث سُرورهم بِأَيامها، وكان لهم في ذلك أعيادٌ مكانيَّة، وأعياد زمانيَّة، فأعيادُهمُ المكانيَّة هي مواضع أَصْنامهم وأَوْثانهم، وأماكن طَوَاغيتهم التي كانوا يشدُّون الرِّحال إليها، ويجتمعون حولها.

 

 فقدِ اتَّخذ أهلُ الطائف عيدًا لِطَاغوتهم "اللاَّت"، واتَّخذ بعضُ كُفَّار مكة عيدًا لِطَاغوتهم "العُزَّى" قريبًا مِن عَرَفات، وكان لِأَهْل المدينة "مناة الثالثة" بين مكة والمدينة، يهلون بها شركًا بالله، أمَّا أعياد العرب الزَّمانيَّة فكثيرةٌ، وتختلف تَبَعًا لِعَقائدِهم الدِّينيَّة، فقد كانتِ النَّصرانيَّة في ربيعة وغسان وبعض قضاعة، ولهم منَ الأعياد عيد البشارة، وعيد الزيتونة، وعيد الفصح، وخميس الأربعين، وعيد الميلاد، وعيد الغطاس.

 

وكانتِ اليَهُوديَّة في حِمْيَر، وبني كنانة، وبني الحارث ابن كعب، وكندة، ولهم منَ الأعياد الزَّمانيَّة عيد رأس السَّنة، وعيد صوماريا، وعيد المظلة، وعيد الفطير في الخامس عشر من شهر نيسان.

 

وكانتِ المجوسيَّة في تميم، ومن أعياد المجوس النَّيروز، وعيد المهرجان، وعيد السدق، وهكذا كان لِكُلِّ قومٍ أعياد ترتبط بِمُعتقداتهم، أو ترجع إلى حادثٍ تاريخيٍّ من حوادِثهم، واستمرَّ الحال على هذا المِنْوال، إلى أن سَطع النُّور الإسلامي، فبدل من أعياد اللَّهو والضَّلال، إلى أعياد سرور، يُمَجَّدُ فيها الكَبيرُ المتعال، وتشغل المسلمون فيها بِشُكْر الله - تعالى - ذي العَظَمَة والجلال، رويَ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَدِم المدينة، ولِأَهْلها يومان يلعبون فيهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما هذان اليومان؟))، فقالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهليَّة، فقال: ((قد أبدلكم الله - تعالى - بِهِمَا خيرًا منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى))، فكان أول ما بَدَأ به منَ التَّغْيير عيد الفِطر، وكان ذلك في السَّنة الثانية منَ الهِجْرة، وفي هذه السنة أيضًا كانتْ مشروعيَّة عيد الأضحى المبارَك.

 

والحكمة فيما فعل الرَّسول - عليه الصلاة والسلام - أنه خَشِي إذ تركهم وعادتهم، أن يكون هنالكَ تَنْويه بِشَعائر الجاهليَّة الممقوتة، أو ترويج لِسُنة أسلافهم المَرْذُولة، فأبدل بِهِما يومينِ فيهما تنويه "بِشَعائر المِلَّة الحنيفيَّة، وجمع للمسلمين فيهما بين الجمال الخلقي وروعة المظهر الاجتماعي، المشار إليه في قول الله - عز وجل -: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

 

وقد اختارتِ الشَّريعة الإسلاميَّة لِهَذَيْنِ العيدين أنسب الأيام، فجعلت عيد الفطر عقب أداء فريضة الصوم؛ شكرًا لله الذي أعان عبادَه المسلمين على أداء هذه الفريضة، كما جعلت عيد الأضحى عقب مناسك الحج؛ شُكرًا لله على معونته وتوفيقه لأداء هذه الفريضة، وشكرًا لله على ما أَتَمَّ مِن نعمته في حادث نبي الله إبراهيم الخليل - وعزمه على ذبح ولده إسماعيل حيث فرج كربه الجسيم، وفَدَاه بِذبح عظيم، فكان ذلك مِن أجَلِّ النِّعَم، التي تستنهض المسلمين لِشُكره، والإشادة بذِكْره، فَكَبّروا الله على جليل نعمائه، واذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبحوه بُكْرَة وأصيلاً.

 

ولقد عنيتِ الشريعة الإسلاميَّة بِمَظْهر هذينِ العيدينِ، فندبت إلى إخراج الزكاة في عيد الفطر، وإلى نحر الأضاحي في عيد الأضحى؛ لِتَتَجَلَّى آثار نعم الله - تعالى - على عامة المسلمين، فإنَّ في ذلك توسعةً على الفقراء والمساكين، وإغناء لهم عن ذلِّ السؤال في مثل هذا اليوم العظيم، وبذلك تَتَوَثَّق الروابط بين الفُقراء والأغنياء، ويحيا الجميع في ظِلٍّ وارفٍ منَ التعاون والإخاء، كذلك ندبتِ الشريعة إلى الحفاوة بِهَذين العيدين، فطلبتْ من المسلمين أن يتجملوا بالملابِس الجديدة، ويَتَطَيّبوا بالرَّوائح الزكية، ويتبادلوا التَّهاني فيما بينهم، لِيَعُمَّ الفرح والسرور غنيهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنَّ الله - تعالى - يحب أن يرى أثر نِعْمته على عَبْده)).

 

كذلك ندبتِ الشريعة إلى إحياء لَيْلَتَي العيدين؛ تعظيمًا لأمرهما وتنويها بشأنهما، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)).

أيها الأخوة الكِرام:

نحن الآن في الساعة الأخيرة، ساعة الوداع لِرَمضان المعظَّم، وداع تهتزُّ له المشاعرُ، وتَجِب له القلوبُ وتخفق، لفراق شهر حبَّب اللهُ فيه الطاعةَ للمسلمين، صيامٌ بالنهار، وقيام بالليل، وتزاور بين الأقارب والجيران؛ أملاً في الفوز برضاء الرحيم الرحمن.

 

ما أعجبَ حالَ المسلمين في شهر رمضان، يصوم فيه مَن لم يَبلغ الحُلم من أبنائنا الصغار، ومَن يؤديه مجهودًا من الكبار، خاضعين لله طائعين، فرحين مستبشرين، أليس في هذا الشهر وحده يكثر سواد المصلِّين كثرةً لا يدانيه فيها موسمُ طاعةٍ؟ وتفيض فيه أبواب المكارم على الفقراء؛ أملاً في نيل الحسنى وزيادة؟ حقًّا لقد فاز وسَعِد مَن وُفِّق إلى طاعة الله في شهر رمضان، الذي أُنزل فيه القرآن، وخاب من ظلَّ هائمًا في غفلته، سادرًا في غوايته: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84].

أيها المسلمون:

بعد زمن قليل سيطلع عليكم هلالُ عيد الفطر، بهيجًا ميمونًا، فاستقبلوه راضين آمنين، فرحين مستبشرين، فائزين برضا الله - عز وجل -: {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

 

روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا كان يوم الفطر وَقفَتِ الملائكةُ على أبواب الطرق، فنادوا: اغدُوا يا معشرَ المسلمين إلى رب كريم، يَمنُّ بالخير، ثم يُثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتُم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم،؛ فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلَّوا نادى منادٍ: ألا إن ربكم قد غَفَر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة)).

 

أدام الله على المسلمين النعمة، وحبَّب إليهم الطاعة؛ حتى يكون هواهم تبعًا لما جاء به نبيُّهم - عليه الصلاة والسلام -: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 7].

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: مجلة كنوز الفرقان - السنة الرابعة - العددان التاسع والعاشر - رمضان وشوال 1371، يونيه ويوليه 1952 - من ص 46 : 49

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين