الشيخ فيصل مولوي يدعو لنصرة المقاومة اللبنانية - مناقشة لفتوى الشيخ عبد الله بن جبرين
بسم الله الرحمن الرحيم
مناقشة فتوى الشيخ عبد الله الجبرين
المستشار الشيخ فيصل مولوي
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان
قرأت بألم كبير فتوى شيخنا الحبيب عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حول حزب الله، فالشيخ من كبار العلماء، وقد شاب في طلب العلم والتعليم. وفتواه عادة ينتظرها ويتأثّر بها الكثيرون وأنا منهم. لكنّه في هذه الفتوى فاجأ الناس بغير ما يعرفونه عنه من التمحيص والتدقيق والتحقيق، وأجاب على سؤال لم يعرض الواقع على حقيقته حتى تكون الفتوى جواباً على أمر حاصل، فجاء الجواب بعيداً كلّ البعد عن الواقع الحالي، وألقي به في قلب المعركة الواقعة بيننا وبين العدو الصهيوني، التي يمارس فيها حزب الله دوراً محورياً. ومن هنا كانت صدمة الكثيرين من محبي الشيخ وتلامذته.
وقبل مناقشة هذه الفتوى موضوعياً أحببت الإشارة إلى خبث السؤال من خلال هذه التساؤلات:
1-    لو جاء السؤال هكذا: هل يجوز نصرة حزب الله الشيعي في معركته ضدّ العدو الصهيوني الذي أعلن الحرب على لبنان وقتل حوالي ألف شهيد وجرح الآلاف وشرّد مئات الألوف ودمّر البنية التحتية للبنان من الطرق والجسور والمطار ومحطات الكهرباء وغيرها. ومن بين الذين أصابهم القتل والجرح والتشريد ألوف من أهل السنّة ومن المسيحيين فضلاً عن مئات الألوف من الشيعة.
لو كان السؤال يشرح هذا الواقع المعروف، هل نتصوّر أن يكون الجواب نفسه؟
أكاد أجزم بالعكس، وسيأتي دليل ذلك فيما بعد.
2-    لو جاء السؤال الثاني هكذا: يخوض حزب الله الشيعي في جنوبي لبنان حرباً ضدّ العدو الصهيوني، ويعيش معه عشرات الألوف من أهل السنّة الذين يتعرّضون- مع إخوانهم الشيعة-  للاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة، ويريدون أن يقاتلوا دفاعاً عن أنفسهم وبيوتهم، ولا يمكنهم ذلك إلاّ إذا انضمّوا تحت إمرة حزب الله الشيعي باعتباره قائداً لعمليات المقاومة. فهل يجوز لهم أن يقاتلوا إسرائيل تحت قيادة حزب الله، أو بالتنسيق معه، أو يسعهم أن يستسلموا أمام الصهاينة، أم ينسحبون من المواجهة؟
لو كان السؤال معبراً عن هذا الواقع، هل نتصوّر أن يكون الجواب نفسه؟
أكاد أجزم بالعكس، وسيأتي دليل ذلك فيما بعد.
بعد هذه التساؤلات أنتقل إلى المناقشة الموضوعية للفتوى، وأحصر كلامي في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: هل الشيعة مسلمون؟
1- اتّفق الجمهور الأكبر من العلماء في الماضي والحاضر أنّ الشيعة الاثني عشرية مسلمون من أهل القبلة، لأنّهم يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجّون البيت. لم يخالف في ذلك أحد من العلماء المحققين الذين يعتدّ بهم. حتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أشدّ العلماء نقداً لهم، لم يخرجهم من الملّة، بل اعتبرهم من الفرق الإسلامية الثلاث وسبعين التي أشار إليها الحديث: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنّة، وهي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)[1]. لكن ذكر أنّ أقوالهم المشتهرة عنهم فيها مخالفات غليظة للكتاب والسنّة[2]، (وأنّ هذه المخالفات سوّغت لإمامين من أهل السنّة هما يوسف بن أسباط وعبد الله بن المبارك أن يعتبراهم من الفرق الضالة)، أما ابن تيمية نفسه فهو يقول أنه [لا يحكم على طائفة معيّنة بأنها من الفرق الضالة الإثنين والسبعين، وأنّ الجزم بذلك لا بدّ له من دليل، وأنّ الله تعالى حرّم القول عليه بلا علم: (قل: إنما حرّم ربّي الفواحش... وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (الأعراف: 33)]. وكان حريصاً على إنصافهم وعدم ظلمهم لأنّ الظلم حرام مطلقاً. ومن ذلك أنه يقول: (والرافضة فيهم من هو متعبّد متورّع زاهد)، (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار، فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفاراً)[3].
بناءً على ذلك وجدنا الشيعة الإثني عشرية على مدار التاريخ يحجّون مع الناس إلى بيت الله الحرام، باعتبار أنهم مسلمون، ولم ينكر ذلك أحد من العلماء فيما نعلم، كما يدخلون مساجد أهل السنّة والجماعة ويصلّون فيها، ويدخل أهل السنّة مساجدهم ويصلّون فيها، وقد اعتبر الأزهر مذهبهم الفقهي خامس المذاهب الأربعة. وكان قد ظهر على لسان بعض علمائهم القول بتحريف القرآن، لكن جمهور محققيهم أنكر ذلك، وقد عقد في طهران منذ سنوات مؤتمر واسع أجمع فيه علماؤهم على إنكار هذا القول. وهم يعتمدون القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين جميعاً، في معاهدهم الشرعية ومساجدهم ويتعبّدون بقراءته في صلواتهم، ويقيمون المسابقات العالمية بين الشباب على حفظه، كما يشتركون في المسابقات التي يقوم بها إخوانهم المسلمون.
2- وإذا كان الشيعة مسلمون، فلهم علينا جميع حقوق الأخوّة ومنها النصرة. يقول ابن تيمية رحمه الله: (جعل الله عباده المؤمنين، بعضهم أولياء بعض، وجعلهم إخوة، وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين، وأمرهم سبحانه بالائتلاف، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف، فقال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا) (آل عمران:3)، وقال تعالى: (إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) (الأنعام:159).. فكيف يجوز مع هذا لأمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم أن تتفرّق وتختلف، حتى يوالي الرجل طائفة، ويعادي طائفة أخرى، بالظنّ والهوى بلا برهان من الله تعالى... فهذا فعل أهل البدع... وأما أهل السنّة والجماعة فهم معتصمون بحبل الله... وإنما الواجب أن يكون المسلمون يداً واحدة، فكيف إذا بلغ الأمر ببعض الناس إلى أن يضلل غيره ويكفّره، وقد يكون الصواب معه، وهو الموافق للكتاب والسنّة، ولو كان أخوه المسلم قد أخطأ في شيء من أمور الدين، فليس كلّ من أخطأ يكون كافراً أو فاسقاً...)، ويقول: (.. فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان... ومن كان فيه إيمان وفجور، أعطي من الموالاة بحسب إيمانه، ومن البغض بحسب فجوره، ولا يخرج من الإيمان بالكلية بسبب الذنوب والمعاصي... وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشرّ وفجور، وطاعة ومعصية، وسنّة وبدعة، استحقّ من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحقّ من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشرّ...)، ولذلك فإنّ (الواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين، أن يصلي معهم الجمعة والجماعة، ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم..)[4].
ولا يناقض ذلك ما اشتهر عن ابن تيمية أنه دعا إلى قتال الشيعة في كسروان، وقوله: (إنّ قتالهم أولى من قتال الأرمن) فذلك مبني على ما وصل إليه من معلومات أنّ الشيعة يقاتلون مع الصليبيين الفرنجة ضدّ المماليك، وقد ثبت فيما بعد أنّ الشيعة كانوا يخوضون حرباً قاسية ضدّ الصليبيين في مدينة صور.
المسألة الثانية: وصف الواقع
المسلمون اليوم يخوضون معركة شرسة ضدّ الصهيونية العالمية هي في حقيقتها امتداد للحرب التي أعلنها اليهود منذ بعثة محمّد عليه الصلاة والسلام، مع فارق هام وهو أنهم في هذه المرحلة من مراحل الصراع يفوزون بتعاطف العالم كلّه، وبدعم كامل من الولايات المتّحدة الأمريكية. وفي المقابل يدخل المسلمون المعركة وهم ممزقون إلى عشرات الدول الضعيفة، بعضها متردد وبعضها متخاذل وبعضها يساعد العدو ضدّ إخوانه المسلمين. ولم يبق في الميدان إلاّ الشعب الفلسطيني الأعزل، وقد تآمر العالم ضدّه لمنعه من التحرر والتسلّح، لكنّه أصرّ على المقاومة بالصدور العارية، وصنع بعض السلاح البدائي من خلال إمكاناته الضئيلة، فاستطاع الصمود الذي أذهل العالم، وطرد الصهاينة من غزّة بدون أي تنازلات، ولا يزال يعاني من الاحتلال الاستيطاني في سائر أراضي فلسطين، فضلاً عن الحصار المضروب على غزّة براً وبحراً وجواً.
في المقابل، وخارج الأرض الفلسطينية، كان العدوّ الصهيوني قد اجتاح لبنان عام 1982، فنشأت المقاومة اللبنانية، وأخرجته من بيروت ثمّ من صيدا خلال مدّة قصيرة، وبقي في الجنوب اللبناني، مما أدى إلى استمرار المقاومة سنوات طويلة. ولأنّ الجنوب تسكنه أكثرية شيعية تقدّر بمئات الألوف، مع أقلية سنيّة تبلغ عشرات الألوف وأقلية مسيحية تماثلها، فقد نمت المقاومة الإسلامية الشيعية، خاصة بعد أن حصلت على تأييد قوي من جمهورية إيران الإسلامية ومن سوريا، واستطاعت أن تنشىء مجموعات منظمة مدربة مجهزة قاتلت العدو في حرب عصابات أدّت إلى طرده من لبنان عام 2000، وتحقّق لأول مرّة نصر عسكري للمسلمين على الصهاينة، وشهد العالم كلّه ذلك، وعاد إخواننا في الجنوب من الشيعة والسنّة والمسيحيين إلى بلداتهم وقراهم وفرحوا بتحريرها من رجس الصهاينة. وبقيت المقاومة الإسلامية الشيعيّة على سلاحها لأنّ الكيان الصهيوني لا يزال يحتلّ مزارع شبعا اللبنانية، ولا يزال يعتقل بعض الأسرى ?

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين