الاعتكاف فضلة وأحكامه - من أحكام الاعتكاف
الاعْتِكَافُ(فضلُه وأحكامُه)
تعريفـه:
الاعتكاف لغة: اللُّبث وملازمة الشيء أو الدوام عليه.
        وشرعاً: لزومُ مسلمٍ عاقل مميِّز المسجد والبقاء فيه، بنية الاعتكاف.
فضـله:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العَشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ويقول: "تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" ثم اعتكف أزواجه من بعده. أخرجه البخاري ومسلم والتزمذي وأبو داود والنسائي ومالك في الموطأ.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن اعتكف يوماً ابتغاءَ وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثَ خنادقَ أَبْعَدَ مما بين الخافقَيْن". رواه البيهقي في الشُّعَب - واللفظ له-، والطبراني في الأوسط.
الهدف والحكمة من الاعتكاف:
من فوائد الاعتكاف أنه: 1- خَلْوة مع النفس: أ- للعبادة من صلاة وتلاوة وذكر وبكاء. ب- وللتأمل في الحياة وقيمتها وأسرارها. جـ- ولمراجعة وتقويم الأعمال السابقة؛ للسرور بالحسنات، والتوبة عن السيئات. د- وللتخطيط للسنة القادمة. 2- البعد عن هَمّ ومشكلات الحياة اليومية. 3- التجديد وكسر الرتابة. 4- التفرغ لتحري ليلة القدر. 5- تدريب النفس على: أ- البعد عن الأهل والعمل. ب- التفويض والتوكيل بالمسؤوليات. جـ- المتابعة عن بعد. 6- تدريب أهل بيته وعمله على: أ- البعد عنه. ب- تحمل المسؤولية. جـ- التهيؤ للطوارئ. 7- الصبر على الخشونة والبعد عن الرفاهية. 8- الاستعداد للخلوة الكبرى في القبر.
كأنه يقول بلسان حاله: سألزم بيتك يا سيدي يا ربِّ حتى تغفر لي!
حُكمـه:
الاعتكاف:       1. سنة مؤكدة -عند الحنفية- في العشر الأواخر من رمضان.     2. ومستحب في عموم أيام السنة.
3. وواجب إن كان منذوراً.
شروط صحة الاعتكاف:
1. الإسلام.                                        2. العقل والتمييز.                            3. نية الاعتكاف.
4. كونه في المسجد الذي تقام فيه الجماعة (الصلوات الخمس) -إن كان ممن تطلب منه الجماعة- إلا المرأة فيجوز عند الحنفية اعتكافها في مسجد بيتها وهو أيّ مكان من بيتها تخصصه المرأة لتأدية الصلاة فيه دون غيره.
واشترط المالكية لصحة الاعتكاف الصوم معه سواء أكان الاعتكاف منذوراً (واجباً) أم مستحباً. واشترط الحنفية الصوم في الاعتكاف الواجب بالنذر دون غيره.
واشترط بعض العلماء لصحة الاعتكاف الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس. وذهب الحنفية والمالكية إلى أن الطهارة من الجنابة شرط لحِلّ المُكْث في المسجد، فلو مكث المعتكف في المسجد جنباً صحّ اعتكافه مع الإثم. وقال المالكية: إن احتلم المعتكف اغتسل في المسجد إن وجد فيه ماء أو خارجه.
أحكام الاعتكاف:
يجوز الاعتكاف في المسجد يوماً أو ليلة أو ساعة فلا حدّ لأقله عند أبي حنيفة والشافعي وأكثر الفقهاء (بداية المجتهد لابن رشد).
الخروج من المسجد بلا عذر في الاعتكاف الواجب يبطله ويوجب القضاء، وفي الاعتكاف المستحب يُنْهيه. وعند الحنفية: إفساد الاعتكاف المسنون (وهو العشر الأواخر من رمضان بنيّته) يوجب قضاء العَشر على قول أبي يوسف، وعند جمهور الحنفية غير أبي يوسف يوجب قضاء اليوم الذي أفسده فقط.
أعذار الخروج من المعتكَف:
  • أداء صلاة الجمعة والعيدين: فيخرج في وقت يمكنه إدراكها مع صلاة سنة الجمعة قبلها ثم يعود.
  • تلبية نفير الجهاد إن احتيج إليه.
  • الحاجة الطبيعية: كالبول والغائط، والاغتسال من احتلام.
  • الحاجة الضرورية: كانهدام المسجد، وإخراج ظالم له كرهاً -وعليه أن يدخل مسجداً غيره من ساعته-. وكأداء شهادة تعينت عليه، وخوف على نفسه ومتاعه من المكابرين, وجلب مأكول ومشروب ليس له من يأتيه به, ومرض يتعذر معه المُقام أو يستطيع البقاء لكن بمشقة شديدة.
فإن خرج بلا عذر أو ناسياً فسد الاعتكاف الواجب، وانتهى المستحب.
وليس من أعذار الخروج: عيادة المريض. و تشييع الجنازة.
ولا يعتبر إخراج الرأس أو الرجلين لحاجةٍ خروجاً؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترجِّل النبي صلى الله عليه وسلم [تمشط شعره] وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه. أخرجه الشيخان وأبو داود وغيرهم. وزاد أبو داود: وكان يمرّ بالمريض وهو معتكف فيمرّ ولا يعرّج يسأل عنه. وقالت: "السُّنة للمعتكف أن لا يَعُود [يزور] مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج إلا لما لا بد منه".
 
أحكام متفرقة:
  • يجوز أن يأكل في المسجد (مع مراعاة نظافته).
  • يلبَس ما يجوز أن يلبَسه في غير الاعتكاف.
  • يجوز له التطيب (التعطر) والتزين.
  • يجوز أن يَعْقد زواج غيره أو زواجه هو.
  • يجوز دراسة العلم، لأنه عبادة وزيادة خير (وإن كان الذكر أولى في الاعتكاف).
  • يجوز أن يبيع ويشتري لكنه لا يكثر منه، فإن أكثر كُره ولم يبطل الاعتكاف.
  • يندب أن يكون المسجد المعتكف فيه جامعاً (تقام فيه الجمعة).
  • يتأكد تَجَنُّب الجدال والمراء والسباب والفحش.
  • يجوز محادثة غيره؛ قالت أم المؤمنين صفية رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمت، فانقلبت [أي رجعت] فقام معي ليقلبني [أي ليرجعني]" متفق عليه. بل إن صَمَتَ ظنًّا أنه عبادة كُره.
  • ويكره إحضار المبيع إلى المسجد، والانشغال بعقود التجارة.
 
مبطلات الاعتكاف:
1. الخروج بلا عذر.                                         2. الجماع ولو ناسيًا اعتكافه (لأن المسجد مذكِّر).
3. الإنزال بالمباشرة بشهوة كالقبلة واللمس.                4. الردة عن الإسلام - والعياذ بالله-.
5. السُّكْر.                                                  6. الإغماء والجنون الطويلان (لأيام عند الجمهور).
المراجع
·         رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله.
·         تيسير الوصول إلى جامع الأصول لابن الدَّيْبع رحمه الله.
·         الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله.
 
 
المنتدى للتعريف بالإسلام والحوار بين الثقافات ـ جمعية الإتحاد الإسلامي بيروت ـ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين