عبد الحميد باديس

توفي في 8 من ربيع الأول سنة 1359هـ:العلامة المجاهد عبد الحميد بن باديس عن 51 عاما رحمه الله تعالى . 

وهو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس " ، ولد في مدينة " قسنطينة" بـ " الجزائر "في 11 من ربيع الثاني سنة " 1307هـ الموافق للرابع من ديسمبر 1889م " ، وقد عرفت أسرة " ابن باديس " بالعلم والفضل منذ القدم فهي ترجع في أصلها إلى " المعز بن باديس الصنهاجي " مؤسس الدولة " الصنهاجية الأولى " ، وبدأ دراسته في مدنية " قسنطينة " فحصل الثقافة العربية والإسلامية وأخذ عليه شيوخه ـ وهو : الشيخ " حمدان الونيسي " ـ عهداً ألا يعمل موظفاً في الحكومة ، وذلك حتى يتفرغ للدعوة ، لما لمسه فيه من ذكاء وفطنة ، وارتحل " ابن باديس " ـ رحمه الله ـ إلى جامعة " الزيتونة " عام " 1908م "، وتتتلمذ على عدد من المبرزين من الشيوخ، ومنهم الشيخ " محمد الطاهر بن عاشور " ،والشيخ"محمّد الخضر بن الحسين"، والشيخ " محمد النخلي القيرواني " . 

رحل الشيخ ـ رحمه الله ـ بعد ذلك إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وهناك التقى بشيخه " حمدان الونيسي "وتعرف على رفيق دربه ونضاله فيما بعد الشيخ البشير الإبراهيمي. وكان هذا التعارف من أنعم اللقاءات وأبركها، فقد تحادثا طويلاً عن طرق الإصلاح في الجزائر واتفقا على خطة واضحة في ذلك. 

ثم عاد إلى الجزائر وكله حماس وتوقد للدعوة والإصلاح، فأخذ يلقى الدروس في المساجد متنقلاً بين مدن الجزائر ، واستمر ينبه الأمة الجزائرية، وأصدر جريدة المنتقد عام 1925 م وأغلقت بعد العدد الثامن عشر؛ فأصدر جريدة الشهاب الأسبوعية، التي بث فيها آراءه في الإصلاح، واستمرت كجريدة حتى عام 1929 م، ثم تحولت إلى مجلة شهرية علمية، وكان شعارها: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".

قام " ابن باديس " ـ رحمه الله ـ بتوحيد صفوف العلماء ، فأسس " جمعية العلماء الجزائريين " ، والتي كان يرأسها الشيخ ومن أهدافها :

1- الاهتمام بتربية النشء تربية إسلامية صحيحة.

2- تصحيح عقائد الأمة الجزائرية.

3- العناية باللغة العربية.

وسلك " ابن باديس " ـ رحمه الله ـ طريقاً قويماً في دعوته أساسه :

1- البعد عن المهاترات الحزبية التي أرادها المستعمر ليضمن بقاءه .

2- تربية الشعب الجزائري والعودة بهم إلى النبع الصافي .

وكان للإمام " ابن باديس " ـ رحمه الله ـ كلمات يقولها لإثارة الروح الإسلامية في شعبه يقول فيها:

شعب الجزائـر مسلم وإلى العـروبة ينتسب

من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كـذب

أو رام إدمـــاجاً له رام المحال من الطلب

يا نشءُ أنت رجـاؤنا و بك الصباح قد اقترب

خذ للحياة سلاحــها و خض الخطوب و لا تهب .

ترك الشّيخ ابن باديس آثارا كثيرة، كانت ثمار دعوته الإصلاحية، وقد سخّرا لله لتراثه تلامذة جمعوا تلك الأعمال ونشروها وهي:

1- رسالة جواب عن سوء مقال (نشرها سنة 1922 م).

2- العواصم من القواصم (كتاب لابن العربي وقف على طبعه وتصحيحه في جزأين - الجزء الأول 1345 هـ/1926 م - الجزء الثاني 1946 هـ/1927 م).

3- تفسير ابن باديس (طبعه أحمد بوشمال سنة 1948 م، ثم طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر سنة 1982 م في كتاب عنوانه "مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير") ثم نشر محققا في دار ابن حزم ببيروت.

4- مجالس التذكير من حديث البشير النذير (طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر سنة 1983 م).

5- العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية (طبعه تلميذه محمّد الصالح رمضان سنة 1963 م، ثم أعيد طبعه مرتين عامي 1966 م و1990 م، كما طبعه الشّيخ محمّد الحسن فضلاء سنة 1984 م).

6- رجال السلف ونساؤه (طبعه محمّد الصالح رمضان وتوفيق محمّد شاهين سنة 1966 م). 

7- مبادئ الأصول (حققه الدكتور عمار طالبي ونشره سنة 1988 م، كما درسه وحققه الشّيخ أبي عبد المعز محمّد علي فركوس، وقدمه للطبع والنشر سنة 2001 م بعنوان "الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول").

أما باقي الآثار الأخرى فقد نشرت كلها في شكل مقالات ومحاضرات وخطب وقصائد شعرية في صحف "النّجاح" و"المنتقد" و"الشّهاب" و"السّنّة المحمّدية" و"الشّريعة المطهّرة" و"الصّراط السّويّ" و"البصائر".

توفّي الشّيخ ابن باديس مساء يوم الثلاثاء 9 ربيع الأول سنة 1359 ? الموافق 16 أبريل 1940 م، بمسقط رأسه مدينة "قسنطينة" متأثرًا بمرضه، وقد شيّعت جنازته عصر اليوم التالي لوفاته، وحمل جثمانه إلى مثواه الأخير طلبة الجامع الأخضر دون غيرهم وسط جموع غفيرة زادة عن مائة ألف نسمة، جاءوا من كافة أنحاء القطر الجزائري.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين