فلسطينيو العراق والنكبات تتكرر - أوضاع اللاجئين الفلسطينين في العراق
فلسطينيو العراق والنكبات تتكرر
بقلم: ريما حلواني
عندما أُجبر الفلسطينيون على الخروج من أراضيهم على إثر القصف الجوي والبري والحصار البحري من قِبَل العدو الصهيوني عام 1948م، توجّه البعض منهم إلى أرض العراق عبر «فوج الكرمل الفلسطيني» الذي شكّله الجيش العراقي لنقل العائلات الفلسطينية إلى العراق، خاصة سكّان مناطق «اجزم» و«عين غزال» و«جبع» و«الصرفند» و«أم الفحم» و«عين الحوض» وغيرها، وقُدِّر عدد الذين وصلوا العراق بين 3000 و4000 نسمة(1).
وقد خرجت الأُسَر الفلسطينية في سيارات الجيش العراقي في ظلِّ وعودٍ باستضافتهم لمدةٍ لا تتعدى العشرة أيام، يعودون بعدها إلى قُراهم في فلسطين. ولكنّ لاجئي العراق من الفلسطينيين - كغيرهم من اللاجئين في أراضي الشتات - طَوَتْ عودتهم صفحة النسيان لتتحول تلك الأيام العشرة إلى ستّين عاماً في أراضي «اللجوء»، ولو سُئلنا لماذا هذا الاسم؟ لأَجَبْنا بأنّ الحكومات العربية قد هيّأتها لهذا الهدف، بينما كان من البدهي أن تكون حضناً يضمّ أصحاب الدين الواحد والمصير الواحد والقضية والأهداف المشتركة!
اقتُلعوا من أراضيهم بحجة «الحماية»، في ظلِّ لعبةٍ سياسية لا يفهم مقاصدها وأهدافها إلا زعماء العرب المتواطئون مع الأعداء ضدّ شعوبهم، ليفتحوا كلَّ الطرق المسدودة، ويعبّدوها لهم، فيحقِّقوا مآربهم في العالم الإسلامي.
والجدير ذكره أن الملف الفلسطيني في العراق لم يُفتح إلا عند دخول الاحتلال الأمريكي، رغم أنّ بعض المناوشات قبل ثلاث سنوات من الاحتلال قد مهّدتْ - بحسب بعض المحلِّلين السياسيين - لانفجار الواقع الفلسطيني في العراق.
 نقطة التحوّل
لم يختلف الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي للفلسطينيين في العراق عمّن سواهم من اللاجئين في الدول العربية، خاصةً في المرحلة الأولى والثانية من دخولهم العراق؛ حيث تمّ إسكانهم في معسكرات الجيش في منطقة الشُّعيبة في البصرة، وفي بعض النوادي في المَوْصل، وبعض المحافظات العراقية الأخرى مثل: (أبو غريب والحُوَيجة)، وفي بعض المدارس والمباني الحكومية(2).
وقد استمّر وضع الفلسطينيين في العراق على وتيرةٍ من الفَقر والبؤس والعيش في الملاجئ والمساكن غير الصالحة للسكن، إلى أنْ تحسَّنَ الحال في مطلع الثمانينيات حين استطاع الفلسطينيون الحصول على بعض الحقوق مثل: حق التملّك، وحق التوظيف.
إلا أنّ نقطة التحوّل في حياة الفلسطينيين الذين كانوا في غالبيّتهم يقطنون في العاصمة العراقية بغداد كانت بدايتها مع دخول الاحتلال الأمريكي - الصهيوني للعراق.
 احتلال وسقوط نظام
منذ دخول قوات الاحتلال الأمريكي إلى العراق في العام 2003م، وبعد إسقاط نظام حكم صدام حسين، وأحوال الفلسطينيين في تراجعٍ وتدهور نال جميع نواحي حياتهم.
وفي تقريرٍ نُشِرَ قبل سنتين من قِبَل الـ (هيومن رايتس ووتش- قسم الشرق الأوسط)، تقول سارة ليا ويتسن مديرة القسم: «منذ سقوط حكم صدّام حسين، بات اللاجئون الفلسطينيون هدفاً لعنفٍ واضطهادٍ متزايديْن. الجماعات المسلّحة الشيعية قتلت عشرات اللاجئين الفلسطينيين. وتزيد الحكومة العراقية من صعوبة الإقامة القانونية في العراق عبر فرض شروط كثيرة على التسجيل».
ويُفيد منسّق العمل الإغاثي لفلسطينيي العراق في سوريا أ. ثامر مشينش بأنّ دخول القوات الأمريكية والأجنبية إلى العراق قد كرّستْ النظرة العنصرية، بحيث أصبح الفلسطيني يُقتل بناءً على اعتباراتٍ ثلاث هي: أنّه سُنيّاً، عربياً، وفلسطينياً. وقد اتخذت أعمال المليشيات طابعاً طائفياً شعوبياً تقاسمتْ من خلالها الأدوار بينها وبين قوات الشرطة والمغاوير من جهة، وبين قوات الاحتلال الأمريكي والأجنبي من جهةٍ أخرى، فقامتْ بالاعتقالات والمداهمات، وانتهاك حرُمات البيوت دون أن تستثني طفلاً أو امرأة؛ مما دفع الفلسطينيين للعيش في ملاجئ (الطوبجي) و(الزعفرانية) وغيرها... في غُرَفٍ من الصّفيح أقلّ ما يُقال عنها إنها «لا إنسانية»، إضافة إلى القتل بأبشع الطرق والوسائل، والتمثيل بالجثث!!
 لجوء ضمن اللجوء
يُقدَّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق بما لا يزيد عن 35 ألف لاجئ(3)، ويعدُّ مجمّع «البلديّات» أحد أكبر التجمّعات الفلسطينية في العاصمة بغداد، إذ يتجمّع فيه حوالي 1600 عائلة(4).
وقد تَعرّض هذا المجمّع للقصف بالهاون من قِبَل القوات العراقية والاحتلال الأمريكي مما أدّى إلى سقوط الكثير من الضحايا، وذُكرتْ معلومات عن تهديدات من المليشيات المسلّحة نالت من الفلسطينيين وأمرتهم بالخروج من الأراضي العراقية تحت طائلة القتل أو الاعتقال، الأمر الذي أَجبر آلاف اللاجئين على مغادرة العراق متّجهين نحو الحدود بين العراق والأردن أو بين العراق وسوريا.
لكنّ بلدَي الجوار أغلقتا الحدود بوجه اللاجئين بالرغم من منحهما اللجوء لمئات الآلاف من العراقيين الفارّين من بلدهم، ولم يُعطَ حقّ اللجوء سوى لعدد قليل من الفلسطينيين أمثال المتزوجين من أردنيات. وبذلك لم يبقَ للباقين خيار سوى العيش في مخيّمات اللجوء الصحراوية عند الحدود العراقية مع كل من سوريا والأردن في أوضاعٍ يُرثى لها. ومن هذه المخيّمات: مخيم الوليد (1600 لاجئ)، مخيم التنف (500 لاجئ)، مخيم الهول (318 لاجئاً)، ومخيم الرويشد المعزول على الحدود الأردنية الذي يبعد حوالي 250 كم عن مدينة عمان، وقد تمّ إغلاقه لِما عانى أهله خلال المدة التي عاشوها فيه من العواصف الرمليّة(5). والجدير بالذكر أن أهل هذا المخيّم قد تمّ ترحيلهم إلى البرازيل عنوةً لأنها الدولة الوحيدة التي استضافتهم بعد أن ضاقت الدول العربية ذرعاً باحتضانهم، فعاشوا فيها رغم رفضهم لعاداتها وتقاليدها التي لا تمتّ لدينهم بِصِلة، ولا ذنب لهم سوى أنَّ البلاد العربية قد تخلّت عنهم ونبذتهم!
 أوضاع اللاجئين في مخيمات الحدود العراقية
لن نبحث في الأسباب أو المصالح التي دفعت بعض المنظّمات الفلسطينية للوقوف سدّاً منيعاً في وجه محاولات كشف الغطاء عن فلسطينيي العراق، والحؤول دون إسماع العالم أجمع صرخات الاستغاثة التي انطلقت بعد أيام قليلة من تاريخ دخول القوات الأميركية للعراق!
ما يجب الإضاءة عليه هو أوضاع اللاجئين في المخيمات منذ سنة 2003م حتى اليوم. بعض المخيمات أُغلقت كالرويشد، وبعضها الآخر لا يزال اللاجئون فيه يُعانون الأمَرّين في ظلّ سكوتٍ إسلامي- عربي وعالمي؛ فهذا مخيم «التنف» الذي يبعد عدّة أمتار عن الحدود السورية في المنطقة الفاصلة بين سوريا والعراق يعاني أهله ظروفاً مزرية؛ فإضافةً إلى ضيق مساحته (يشبه الخندق) وموقعه السيئ في منطقة صحراوية نائية تمتلئ بالعقارب والثعابين... إلخ، فإنّ سكّانه من جميع الشرائح بينهم رُضّع وحوامل وكِبار السن، ومعوَّقون وذَوُو الاحتياجات الخاصة... إلخ، أوضاعهم المعيشية صعبة جداً تنعدم فيها مقوّمات الحياة الأساسية؛ فلا توجد مثلاً مياه صحّية، ولا نِظام للصرف الصحي (المراحيض) ولا علاج ولا دواء، إضافة إلى الطبيعة الديمغرافية للمنطقة التي تتعرض حيناً للعواصف الصحراوية، فتقتلع الخِيام، وأحياناً لهطول الأمطار الغزير. إضافة إلى الأوضاع الصحية المُزرية، فلا علاج لمريض ولا دواء ولا رعاية صحية.
 أبعاد الأزمة
كشفتْ هذه الأزمة التي مرّت بفلسطينيي العراق على الحدود عن عدد من الأمور:
أولاً: إنّ ترويج البعض لمخططاتٍ صهيونيةٍ تقضي بتوطين ما يزيد على مليون لاجئ فلسطيني في العراق لاتساع أراضيه وغناها، ولتمتّعه بثروة نفطية لم تُكتَشَف حدودها الحقيقة إلى الآن(6)، يُعطي ذريعةً للبعض للدفع بهذا «المخطط المزعوم» خارج نطاق التنفيذ عبر استهداف الفلسطينيين الموالين لنظام صدام حسين، كما تراهم بعض الجهات الموالية بدورها للحكومة العراقية الحالية. وذلك ما دفع البعض للحديث عن مستقبلٍ مأساوي ينتظره الفلسطينيون في العراق.
ثانياً: إنّ تعرّض الفلسطينيين لِهجمات اعتُبِرت من أعنف الهجمات التي نالت من سكّان العراق منذ سقوط نظام صدّام، لَدليل واضح على أنّ استهدافَ هذا الشعب نقطةُ فصْل في مشروع تشتيت الفلسطينيين وإضعافهم أينما وُجدوا.
 ثالثاً: إنّ المشروع الصهيوني الذي يحدد هدفه بأنه «من الفرات إلى النيل»، يتطلّب إزاحة العنصر الفلسطيني - الذي ذاق معنى الاحتلال والتهجير واللجوء - من الطريق.
 رابعاً: إنّ تواطؤ الحكومة العراقية ضد اللاجئين الفلسطينيين فضح حقيقة نهج الحكومة وسياساتها الأنجلو- أمريكية.
 خامساً: لقد كشفتْ أعمال العنف التي شهدها الفلسطينيون في العراق عن مشاريعَ صفَويةٍ يُخَطَّط لها وتعمل الحكومة العراقية على تنفيذها.
 سادساً: إنّ مهاجمة المقاومة الحقيقية في العراق وتكالب الأعداء عليها من الجهات كافة أضعف قدرتها على التصدّي للمعتدين.
***
بقي أن نشير إلى أن الخطورة الأكبر تتمثّل في ميليشيات الموت التي تلاحق سُكّان المخيم حتى بعد فَرارهم؛ وقد حاولت الميليشيات أكثر من مرة اعتقال أشخاص بعينهم وتصدى لها حرس الحدود السوري.
هذا ويعتبر د. إبراهيم حمّاصي (كاتب فلسطيني) أنَّ هناك حرباً شاملة تُشن على اللاجئين الفلسطينيين في العراق لها جانبان:
1. الجانب السياسي الإعلامي عبر الحملات في الصحف والجرايد على الفلسطينيين المقيمين في العراق باعتبارهم من أتباع النظام العراقي السابق ومسؤولين عن الكثير من الأعمال «الإرهابية» على حدِّ زعمهم.
2. الجانب القانوني: حيث أَلغت الحكومة العراقية الانتقالية الإقامة الدائمة للاجئين الفلسطينيين في العراق، واستبدلت بها الإقامة الدورية. إضافة إلى وقف إصدار وثيقة السفر للفلسطينيين... وغيرها من المعوِّقات!!
  هوامش
1. العودة حقّ - دراسة اجتماعية، سياسية، قانونية مفصّلة، لمي صبحي الخنساء (محامية).
2. المصدر السابق نفسه.      
03 «اللاجئون الفلسطينيون في العراق، الحماية المفقودة» (ورشة عمل نظمتها مجموعة «عائدون» الفلسطينية).
4. «العودة حق» - دراسة اجتماعية، سياسية، قانونية مفصّلة، لمي صبحي الخنساء.
5. مقالـــــة: «العـــــراق: الفلســـطينيون يتعـرّضــــون للهجمات دون أن يستطيعوا الفرار» - هيومن رايتس ووتش 8/1/2008.
6. مقالة: ضحايا الاحتلال الأميركي وأتباعه من «قوى الأمن الواقع»، لمعتصم حمادة (رئيس تحرير مجلة الحرية الفلسطينية).
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين