كسب القلوب مقدم على كسب المواقف

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنزل الناس منازلهم يوقر كبيرهم ويعطف على صغيرهم ويحترمهم ويُكبر بهم ويقدمهم ويُثني على محاسن أعمالهم ويُبين فضلهم إن كانوا من أهل الفضل ويُخاطب كل واحد بما يليق به من سن ومكانة وعقل وذكاء فلخاطب الناس علي قدر عقولهم وهذا يدعونا إلى السير على طريقه نقتفي أثره ونهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم (لبيك فهما شاملا سيرا على نهج الرسول) ولا نحمل الناس فوق طاقتهم وجهدهم فبعضهم لا يستوعب ضخامة الأحداث التي بمر بها الآن ولا مقدار المأساة الانسانية والفكرية والقانونية والأخلاقية والسياسية والإجتماعية بل ربما يتعامل ببلادة حس أو قصور في الفهم والإدراك مهما كان تعليمه أو انتمائه فندخل في صراع وجدال ونقاش عقيم وربما نخسر صديق أو قريب أو عزيز علي النفس ونحن نحمله فوق طاقته 

ووصف الإمام أحمد بن حنبل ذلك بقوله ( إذا كان هذا هو عقلك فقد استرحت ) 

فكل ميسر لما خلق له وكل منا له اهتمامات وميول وبيئة نشأ فيها وأهداف وغايات متعددة وهذا لا يدعونا إلي عدم النقاش والحوار وإنما يدعونا إلي 

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ، وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) 

ولنتذكر أن ( كسب القلوب مقدم على كسب المواقف ) 

وعلى صاحب الفكرة والقضية والغاية أن يغفر ويصفح ويسامح في حقه وعرضه وماله تأليفاً للقلوب وطلباً للأجر الأخروي وترفعاً وعفةً لما في أيدي الناس وطمعاً فيما عند الله وابتغاء مرضاته

و( القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء) (أخرجه الترمذي)

يُهيئ الله لها الأسباب والمقدمات للوصول إلى المراد فمن الناس من يقاد إلى الحق بالعلم والعمل أو بالعقل والمنطق والثقافة والحوار والنقاش أو بالتقوى والورع أو بالحجة والبرهان والدليل الشرعي؛ ومنهم من يقاد إلى الحق ببطنه، فكما تهدي الدواب إلى طريقها بحزمة برسيم تظل تمد إليها فمها حتى تدخل حظيرتها آمنة فكذلك أصناف من البشر يحتاجون المدخل المناسب والوقت الملائم حتى تستأنس بالإيمان وأهله والحق وأصحابه وتهش لهم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين