كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ - وظيفة القرآن في حياتنا وواجباتنا تجاهه
 
كَيْفَ نَتَعامَلُ مَعَ القُرْآنِ الْكَرِيْمِ؟
 
     ما وظيفة القرآن في حياتنا؟ وما واجباتنا تجاه القرآن؟ ولماذا أنزله الله تعالى؟
     ربما لم تَرِدْ مثل هذه الأسئلة على ذهن الكثيرين طَوال حياتهم، ولئن سُئِل البعض في مجتمعنا المعاصر لَظَنَّ أن القرآن ترانيم صوتية خالية من المعاني لطقوس الوفاة والعزاء! أو بَدَلٌ عن صفارة الإسعاف ليوسِّع الناس الطريق! وربما كان آخرون "أعمق" فهماً فظنوا أنه لمجرد استنـزال الرحمة على الأموات! ويظن آخرون أنه لِيوضَع في البيوت للبركة وليحفظها من الهدم والمصائب لا غير.
     نعم يجوز قراءة القرآن على الأموات ولهم، ويجوز أن يجعل في البيوت وعلى الجدران بنية البركة والحفظ، ولكن هل لهذا فقط أُنزل القرآن؟!
     لِنَسأل القرآن نفسه: "لماذا أنزله الله؟!"
     قال تعالى: ?كتابٌ أنزلناه إليك لِتُخْرِجَ الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم? [إبراهيم:1] فالقرآن كتاب هداية وإرشاد، ويحُلّ للناس "لُغْزَ الحياة" ويضع في مُتناول أيديهم الأجوبة الواضحة والأكيدة عن الأسئلة التي حَيَّرت البشرية "مِن أينَ أتيت؟" و"لماذا؟" و"إلى أين مصيري؟".
     فكيف نتعامل مع القرآن الكريم إذاً؟
     أهم واجباتنا نحو القرآن الكريم هي: 1- الإيمان به. 2- التلاوة. 3- الحفظ. 4- الفَهْم. 5- العمل به. 6- التعليم والتبليغ. 7- التذكير به والدعوة إليه.
1- الإيمان بالقرآن: قال الله تعالى واصفاً المتّقين: ?والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك? [البقرة:4] وقال تعالى عن القرآن: ?ومَنْ يَكْفُرْ به فأولئك هم الخاسرون? [البقرة:121] فالإيمان به هو اعتقاد أن جبريل أنزله بأمر الله من اللوح المحفوظ على قلب سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام ، وأنه ليس من قول البشر، وأنه كله الحق ومحفوظ من أن يُحَرَّف ولو حرفاً منه. ومن أدلة كونه كلام الله حقاً: عظمتُه وإعجازُه في العلوم الكونية التجريبية؛ (كالطِّب والفَلَك والرياضيات والجيولوجيا...), وفي التشريع واللغة.
2- التلاوة: فقد أمرنا الله بقراءته: ?فاقرؤوا ما تيسر من القرآن? [المُزَّمِّل:20] ، وأن تكون بالتجويد كما قرأه رسول الله r: ?ورتِّل القرآن ترتيلاً? [المزمل:4]. وهذه التلاوة على مستويين:
أ‌.      الورد اليومي: وكان كثير من السلف الصالح يكرهون أن يمضي على المسلم يوم لا ينظر في مصحفه. فلا بد من الختمة (من أول القرآن إلى آخره) على مدار أيام السنة بتحديد حد أدنى كخمس صفحات أو أقل أو أكثر يومياً.
ب‌.        التأمل والتدبر: ومقدار تلاوة التأمل غير محدد فقد تكون آية واحدة، وقد تكون في الصلاة، وقد يكون التأمل بسماع التلاوة من آخرَ أو في إذاعة.
3-   الحفظ: هل سمعت حديث النبي r: "إنَّ الذي ليس في جَوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخَرِب" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. والحفظ على درجتين:
أ‌.             حفظ كل القرآن الكريم.
ب‌.        حفظ سُور مختارة ومقاطع تكثر حاجتُه إلى ما فيها من عِبرة، أو عقائد وأحكام، أو رُقْية.
4-الفَهْم: فالاهتداء بالقرآن الكريم لا يكون إلا بعد فهم هَدْيه؛ قال الله تعالى: ?إنَّ في ذلك لَذِكرى لمن كان له قلب أو أَلْقَى السمعَ وهو شهيد? [ق:37]. والفهم على درجتين:
أ‌.             فَهم المعاني الواضحة لألفاظ القرآن، والأحكام التي تفيدها جُمَلُهُ كما فهمها المفسرون والفقهاء  في الكتب المختصرة للتفسير.
ب‌.        الفهم العميق لمعاني الآيات، وجماليات الألفاظ (لماذا استخدمت هذه الكلمة دون غيرها؟ ما الحكمة من هذا الترتيب؟)، ومعرفة الإشارات الخفية والإعجاز.
4- العمل به: وهو ثمرة ونتيجة الإيمان بالقرآن وفهمه؛ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كان الرجل منّا إذا تعلم عشر آياتٍ لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيَهنّ والعمل بهنّ).
وروي عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر أن معنى "حق التلاوة" في قوله تعالى: ?الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به? [البقرة:121] أي: يتّبعونه حق اتّباعه. والعمل بالقرآن على مستويين:
أ‌.      عمل الفرد: كالإيمان، وأداء الصلاة، والزكاة، وحسن الخُلُق، والمعاملة الطيبة، وغير ذلك مما يستطيع الإنسان تطبيقه بمفرده ولو عاش تحت حكم غير إسلامي أو في مجتمع غير مسلم.
ب‌.   عمل الأمة: وهو تحكيمه دستورا ًللدولة وتطبيق عدالته وتشريعاته، ونشر رحمته وبركاته في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والقضاء وكل نواحي الحياة،كاملة دون تشديد أو تساهل؛ قال الرَّبُّ سبحانه يأمر نبيه r: ?وأَنِ احكُمْ بينهم بما أَنزلَ اللهُ ولاتتّبعْ أهواءَهم واحذرهم أن يَفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك? [المائدة:49].
5- التعليم والتبليغ: فإن من ميزات هذه الأمة أنها آخر الأمم فنبيُّها خاتمُ الأنبياء، وعليهم حَمْل رسالته من بعده تكليفاً وتشريفاً؛ قال سبحانه: ?كنتم خيرَ أُمةٍ أُخرجتْ للناس تأمرون بالمعروف وتَنهَوْن عن المنكر...? [آل عمران:110]وقال r: "بَلِّغوا عني ولو آية" و"خيركم مَنْ تعلّم القرآنَ وعلَّمه" رواهما البخاري. وهو أمْر عامّ: 1- تعليم المسلمين؛ أ. مَنْ طلب ب. ومن لم يطلب، 2- وتبليغ غير المسلمين أيضاً.
6- التذكير به والدعوة إليه: فالإنسان ينسى ويضعف أمام الشيطان والهوى والضغوط، فهو بحاجة دائمة إلى التذكير ولذلك أمر الرسول r بالتعاهد الدائم للقرآن. والتذكير على نوعين: 1- تذكير المسلم؛ قال الله تعالى:?فذكِّر بالقرآن مَن يخاف وَعِيْدِ? [ق:45]، 2- تكرار دعوة غير المسلم إلى القرآن؛ ?وإذْ قالت أُمّة منهم لِمَ تَعِظُون قوماً اللهُ مُهْلِكُهم أو معذِّبُهم عذاباً شديداً؟! قالوا: مَعْذِرةً إلى ربكم ولعلهم يتَّقون? [الأعراف:164].
وبعد أن تذاكرنا أهم واجباتنا تجاه القرآن الكريم فلنتعاهد قبل الافتراق على تطبيق ما استطعنا من ذلك، والتقدم كل يوم في توثيق العلاقة به.
?إنَّ هذا القرآنَ يَهدي للتي هي أَقْوَمُ ويبشِّرُ المؤمنين الذين يعمَلون الصالحاتِ أنّ لهم أجراً كبيراً _ وأنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة أَعتَدْنا لهم عذاباً أليماً? [الإسراء:9-10].
المنتدى للتعريف بالإسلام والحوار بين الثقافات ـ جمعية الإتحاد الإسلامي بيروت ـ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين