مفارقات  بين الخبر والإثارة

في الخبر تُذكر الحقائق كما هي، كما قال الله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" (العلق:1)، وفي الإثارة تقلب الحقائق على رأسها كما يقال في الصحف والجرائد "لا تقرأ هذا الخبر" وهم  يقصدون أن يكون أول خبر يُقرأ، في الخبر يذكر أن "الكلب قد عض الإنسان"، وفي الإثارة يذكر "الإنسان قد عض الكلب"، ونحن في حاجة ماسة إلى ثورة في عالم الأخبار بتغيير رؤساء التحرير للأخبار في عالمنا العربي وأذنابهم الذين لا يعرفون إلا شيئين: التسبيح بحمد الطغاة، والتسبيح بحمد الشهوات، فالأخبار كلها معكوسة، والأنباء مقلوبة، لأنهم تربَّوا في مدرسة الكذب والإثارة والثرثرة، وتعلموا على أيدي سدنة صناعة الأخبار من الصهاينة الذين يدرِّسون لطلاب الصحافة أن من أبجديات صناعة الأخبار كما يذكر الدكتور سليمان صالح في كتابه "صناعة الأخبار" على لسان أحد الأساتذة اليهود المتخصصين في الصحافة حيث يقول: "إذا عض الكلب إنسانا فلا يمكن أن يُنشر الخبر كما هو، بل يجب أن يُنشر على أن الإنسان هو الذي قد عض الكلب، ليكون صحفيا صاحب إثارة وليس مجرد كاتب".

وها هو الكيان الصهيوني يقتل كل يوم أبناءنا في غزة، ويعيش هوس الاستيطان الظالم، ويطرد أبناء الوطن، ثم يذهب إلى الخارج يبكي من إرهاب الفلسطينيين ورعب المقاومين، وقد صار أكثر رؤساء التحرير في الصحف والتلفزيونات على هذا المنهاج المضلل الذي يعتمد الإثارة لا الحقيقة، مخالفا أبسط درجات الصدق والأمانة، ولم يستطيعوا أن يقتدوا بالهدهد الأمين الذي جاء إلى سيدنا سليمان وقال: "وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ" (النمل من الآية:22).

وقد قام جهاز أمن الدولة بأعلى درجات الإثارة وقلب الحقائق، ليجعلوا السُلطة ترتعش من "الإرهابيين" الذين يختبئون في المساجد، فكان يُكتب في جريدة الأخبار المصرية في الخبر الأول في الصفحة الرئيسية: (وراء كل مسجد إرهابي) ثم صارت (إرهابيين) ثم اقتحموا المساجد على العاكفين والدارسين والمصلين، واعتبروا أن وراء كل مصلي الفجر جماعة إرهابية تزعزع الأمن والاستقرار في البلاد، وأذكر أنني ألقيت محاضرة في مسجد المدينة الجامعية بجامعة القاهرة وكنت أتحدث عن منهجية التغيير من خلال القاعدة الشعبية وليس الانقضاض على السلطة، وفنَّدتُ يومها أدلة بعض الجماعات التي تتبنى قتل الوزراء وضباط الشرطة، وقلت يومها: "إن المعارك داخل الوطن الواحد ليس فيها منتصر ومنهزم، بل الكل منهزم، وأننا يجب أن نسعى إلى التغيير السلمي الشعبي والتعايش الوطني مع غير المسلمين، وتخزين كل طاقات الغضب لتتفجر في العدو الخارجي من الصهاينة المعتدين، والصليبيين الظالمين، والصرب الملاعين".

وفي اليوم التالي كان د.علي السلمي نائب رئيس الجامعة يدعوني للمساءلة: "كيف تدعو لاغتيال وزراء وقيادات الشرطة؟"، قلت له: "أولا: اطلب الشريط واسمعه، ثانيا: إذا جُنَّ الإنسان يكون ذلك على مراحل ولم أصب بالجنون الكلي فجأة، وثالثا: إن من نقل الخبر لو كان عنده حَوَل في مخِّه ما قلب الحقائق إلى هذا الحد"، ثم تبيَّن لي أن كاتب التقرير من هؤلاء الأذناب في أمن الدولة الذين تعودوا وترَبَّوا على الإثارة وقلب الحقائق لا الخبر اليقين.

يا قوم استمروا في الثورة على كتاب الإثارة حتى يأتينا قوم مثل الهدهد منهاجهم: "وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ" (النمل من الآية:22).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين