الحقيق بوصف الارهاب : رمتني بدائها وانسلت وألقت  ما فيها وتخلت

تمر أرض الكنانة بفترة حرجة للغاية ، تضرب الفوضي فى جنباتها والرعب فاشٍ فى النفوس والقلوب من وقت أن خرج الانقلابيون على الشرعية ظلما وعدوانا وبغيا وغيا فلم تعد أمور الناس تجرى على طمأنينة وأمن، وإنما يعيشون حياة يسودها الفزع والخوف، الظّفر فيها لمن غلب الأمر ، ولمن يملك السلاح والرصيد الكبير من حمية الجاهلية وحماقتها ، وركبت السلطات الغاشمة مركب الإرهاب لحمل الناس على خارطة أو خطة سامت فيها الشعب المصري الخسف ألوانا ، حيث قتل الانقلابيون من الشعب المصري - عددا وكيفا - مالم يقتلوا مثلهم من اليهود على مدار الصراع مع الكيان الصهيوني ، أصبح هؤلاء الانقلابيون حربا على المنادين بالشرعية بل على كل المصريين ، يقتلون منهم من لم يستجب لما يطمعون فيه – أو يعتقلونه - وما كان طمعهم هذا لينتهي عند غاية- فلقد أخذوا يقتلون مع المنادين بالشرعية من يحسون فيه الميل إليهم أو الوقوف إلى جانبهم. وكانت ثالثة الأسافي أن تنادت هذه السلطات الباغية الطاغية الظالمة الخائنة تنادت بوصف المنادين بالشرعية والشريعة بالإرهاب عبر قرار ظالم جائر باغ - وكل بئر ينضح بما فيه - فكان مثلها فى ذلك كقول النابغة

 

وكلّفتني ذنب امرئ وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع

 

أو كمثل القائل " رمتني بدائها وانسلّت " وألقت ما فيها وتخلّت " وهكذا تكون الوقاحة وعدم الحياء من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستِح فاصنع ما شئتَ" ومعنى انسلّت- أي انْفَلَتَتْ وامَلَصَتْ.- وهؤلاء لن يُفلتوا إن شاء الله -  وهو مثل يُضرب ويورد فى تعيير الإنسان صاحبِه بعيبه ومثله قولهم: عَيَّر بُجَيْرٌ بَجَرَة، ونَسِيَ بُجَيْرٌ خَبَره ،

 

وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال ذوو العيوب

 

وقول جميل:

 

يروم أذى الأحرار كل ملأم ... وينطق بالعوراء من كان معورا

 

  وفى هذه المقالة حديث عن الإرهاب من حيث المعنى ، والمحمود منه والمذموم ، ومن الإرهابيُّ الحقيقيُّ

 

أولا : معنى الإرهاب لغة واصطلاحا

 

أما المعنى لغة :  فالإرهاب مأخوذ من مادّة (ر هـ ب) الّتي تدلّ على الخوف ومنه قوله تعالى: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال/ 60) فمعناه تخيفون به عدوّ الله وعدوّكم من اليهود وقريش وكفّار العرب[1]

 

وقد جاء في تعريف الإرهاب في أحد المصادر الحديثة مايلي:

 

الإرهاب: هو بثّ الرّعب الّذي يثير الرّعب في الجسم والعقل، أي الطّريقة الّتي تحاول بها جماعة منظّمة، أو حزب أن يحقّق أهدافه عن طريق استخدام العنف، وتوجّه الأعمال الإرهابيّة ضدّ الأشخاص العاديّين أو الموالين للسّلطة ممّن يعارضون أهداف هذه الجماعة، ويعدّ هدم العقارات وإتلاف المحاصيل من أشكال النّشاط الإرهابيّ[2] ولم يحدث أن اتخذ الإخوان المسلمون - يوما – بث الرعب سبيلا لتحقيق غايتهم والتي هي مرضاة الله تعالى ، أو العنف سبيلا لتحكيم شريعة الله تعالى لا بين المجتمعات الاسلامية بالوارثة أو المولد أو الجغرافيا ، ولا بين المجتمعات الأخرى فى  الغرب أو الشرق وإلا لما بقيت وانتشرت واتسعت وقويت منذ قرن من الزمان ـ ونمت حتى بلغ أتباعها ، مراكز القيادة فى بلدانهم فى كافة شؤون ومجالات الحياة ، بل بلغوا قمة الهرم الإداري والنيابي فلا بلدان لا تُخطئها العين ، وكم وقع عليهم من مظالم ، لا يشكوها إلا إلى الله تعالى فهو حسيبهم وكافيهم ، بينما الواقع المشهود أن سلطة ظالمة باغية طاغية ، نقضت العهد ، ونكثت أيمانها من بعد عهدها فقلبت لشعبها ظهر المجن ، وتنكبت لها الطريق , وأعادت البلاد إلى المربع الأول الذي من أجله قامت الثورة فى الخامس والعشرين من يناير ألفين وأحد عشر ميلادي. فاستشري الفساد وطم ، وعم البلاء ، وبلغ السيل الزبي ، وطفح الكيل ، وأظلم الليل  ، وكأن أرحام نساء مصر التي أنجبت أخوال إسماعيل النبي عليه السلام ، وأخوال إبراهيم ابن خاتم الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليه - ، كأن هذه الأرحام عقيم لا تنجب قادة وولاة ، وإنما صارت الولاية والرئاسة حكرا على العسكر ، فأرادوا ألا تخرج منهم الرئاسة على النحو الذي أفصح عنه ما أخرجه  الله تعالى من التسريبات التي كانوا يتكتمون عليها " وسبحان القائل " وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ" البقرة:  (72) " إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ" التوبة: (64)

 

والخلاصة :  أنّ الإرهاب إذا كان موجّها لأهل الحرب من أعداء الله إخافة لهم فلا ضير فيه، وإنّما هو أمر مطلوب، بل ومأمور به، لآيتي الأنفال والحشر ، وإن كان موجّها للمسلم أو لغيره ممّن ليسوا بأهل حرب فهو منهيّ عنه، ويعدّ من الأخلاق الذّميمة الّتي لا يرتضيها الدّين الحنيف.

 

ثانيا : أنواع الإرهاب:

 

الإرهاب نوعان: محمود ومذموم.

 

فأمّا المحمود : فهو ما استعمل في تخويف الفسقة والفجرة والعصاة والمجرمين والكفرة والمشركين لزجرهم وصدّهم وردعهم عمّا هم عليه وكفّ أذاهم عن النّاس. وعليه الآية الكريمة  " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" الأنفال : (60)  وقوله تعالى : " لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ" الحشر : (13)

 

وأمّا المذموم : فهو ما يستعمله المجرمون والمعتدون من ترويع الآمنين، وإزهاق أرواح الغافلين من المسلمين، ودبّ الرّعب والخوف والفزع في قلوبهم في سبيل الحصول على حطام الدّنيا؛ حقدا دفينا في قلوبهم على أهل الإسلام المؤمنين.

 

ثالثا : الأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة على حرمة الإرهاب المذموم

 

هذا ومن النصوص فى النهي عن هذا النوع من الإرهاب المذموم الذي تمارسه سلطات الانقلاب وأشباهها فى مواقع شتى من المعمورة عموم قوله تعالى :" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" الأحزاب : (58) ومن الأحاديث

 

1-الحديث القدسي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وإن لم يكن المنادي بالشرعية ، والداعي إلى تطبيق الشريعة ولي الله فمن يكون ؟؟؟!! »  وعلى ذلك فمن ناصب المنادين بالشرعية ، والداعين لتطبيق الشريعة منظمة لحياة المجمتع ، من ناصبهم العداء فقد عالنهم الله بالحرب كما هو منطوق الحديث القدسي الصحيح هنا

 

2- وفى الصحيح قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما»[3] فما هذا الذي يجري منذ الثالث من يوليو 2013 م مرورا بدار الحرس ، والمنصة والميدانين الشهيرين ( رابعة + النهضة ) شهداء المنصورة والمساجد فى كل من رمسيس والاسكندرية وعربة الترحيلات وغيرها وغيرها والحبل على الجرار – كما يقولون -

 

3-وفى الصحيح أيضًا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلّا شيء لا يواريه إبط بلال»[4]  لقد كان المقصود بالعمليات الإجرامية ، التي أشرنا إليها هو التخويف وبث الرعب فى قلوب وعقول المتظاهرين السلميين والمعتصمين آنذاك فى الميدانين – ولا زال هو الهدف . فمن الإرهابي إذن ؟؟؟!!  عجيب أمر هؤلاء العسكر : "إمَّا أن يحكموا الشعب وإما أن يقتلوه "

 

4-وعند مسلم عن هشام بن حكيم بن حزام. قال: " مرّ بالشّام على أناس، وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤوسهم الزّيت. فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون في الخراج. فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول[5]: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا"[6]  إن عمليات التعذيب التي تشهدها ساحات المعتقلات اليوم للمنادين بالشرعية والعودة إلى المسار الذي من خلاله تتحقق أهداف ثورة يناير 2011م  ، هذه العمليات إنما يُعدُّها القائمون عليها لأنفسهم عند الله تعالى فالجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا .

 

5- وعنده أيضًا (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «من أشار إلى أخيه بحديدة[7] ، فإنّ الملائكة تلعنه. حتّى وإن كان  أخاه لأبيه وأمّه» ) [8] إن تواجد المركبات والعربات الخاصة بالقوات المسلحة  وجنودها مدججين بأسلحتهم بين ظهراني المارة ووسط المساكن ومحال الإقامة ، ليس هو المكان الطبيعي لها وإنما هناك على الثغور والحدود للغاية المشروعة " تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ " واستدامة تواجدها حرف وصرف لها عن مهمتها التي من أجلها أنشئت ، وأنفق عليها ، إذ دورها الوطني القومي الذود عن الوطن ورد عادية المعتدين ، على حرمات الأرض من المتربصين بالوطن السوء والدوائر ، ولن يُثني تواجدها فى غير ميدانها ، المطالبين بالشرعية والشريعة فما يموت حق وراءه مطالب.

 

6-ومن الآثار الواردة في ذمّ (الإرهاب) (قول بعضهم: «من ملك نفسه عند أربع حرّمه الله على النّار: حين يغضب، وحين يرغب، وحين يرهب، وحين يشتهي»[9] )

 

رابعا : نماذج وصور من الإرهاب

 

إن الغدر بالعهد والخيانة لليمين إرهاب (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: ..... ورجل بايع إماما لا يبايعه إلّا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى له، وإلّا لم يف له. ...»  والذي يبدو أن الذي تولى كبر هذا الانقلاب الإجرامي ومن وافقه وحالفه وظاهره لم تكن يمينهم ولا قَسَمُهم على نفس النيَّة المشروعة ، وإنما على دنيا فلم يتفق لهم ما أرادوا فانفضوا من حول الرئيس الشرعي بل نقضوا عهدهم معه ، ونكثوا أيمانهم ، وانقلبوا عليه وعلى  الثورة وأهدافها " فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " الفتح : (10)

 

والإيذاء للمؤمنين والمؤمنات بغير ذنب إرهاب "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" الأحزاب :(58)

 

وتكميم الأفواه إرهاب ، وإغلاق قنوات الرأي الآخر إرهاب ، حتى لا يكون للشعب رأي إلا ما يرى الانقلابيون  وهي سياسية فرعونية قديمة – تشابهت قلوبهم  وأقوالهم وأفعالهم " قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى" غافر : 29. مصادرة الصحف المعارضة  إرهاب ، الاعتقال والملاحقة على الهوية إرهاب ، التعسف فى الأحكام والقرارات الإدارية إرهاب ، تجميد الحسابات والحجر على مصادر الدخل إرهاب ، الإقصاء للهوية الاسلامية إرهاب ، ولو استطردنا لطال بنا الحديث ، ولكن باستطاعة القارئ بفطانته بالمعيار الذي قدمناه له هنا بتعريف الإرهاب أن وصوره التي ذكرناها أن يُحاكم ممارسات السلطة الانقلابية ، وأذنابها وأزلامها فى الداخل والخارج .وفى الختام نعرض لبعض مضار (الإرهاب) التي لا تغيب عن عين متابع

 

خامسا : من مضار الإرهاب

 

(1) يجلب سخط الله- عزّ وجلّ- ويتعرّض صاحبه لأليم العذاب في الدّنيا والآخرة.

 

(2) يزعزع القلوب، وينشر الذّعر والفزع بين النّاس.وهو الواقع المُعاش

 

(3) يترتّب عليه مفاسد اجتماعيّة جمّة كارتفاع الأسعار ونزع الثّقة والرّحمة بين النّاس وعدم مساعدة الأغنياء الضّعفاء.مثاله ( أنبوبة الغاز : كم بلغ سعرها بعد الانقلاب عما كانت عليه قبل ، والمواد الغذائية وغيرها)

 

(4) ينعدم الأمن والاطمئنان، وينتشر القتل والسّلب والسّرقات وغيرها من الجرائم.( لاحظ صور نهب بعض المحلات )

 

(5) يؤدّي إلى تشتيت جهود الأمّة ، وصرفها عن النهوض والتقدم ، ويتأخّر المجتمع عن ركب العمران.( كم هي الشركات التي توقفت عن الإنتاج ) من جرَّاء تداعيات الإرهاب الذي تمارسه سلطة الانقلاب ، كم هي المشاريع التى كان مزمعا مباشرتها وتنفيذها ، فأوصدت دونها الأبواب )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[1] تفسير القرطبي (7/ 26)

[2] معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، (بتصرف يسير) (ص 423)

[3] أبو داود (5004) - وقال الألباني (3/ 944) : صحيح- غاية المرام (447) .

[4] الترمذي (2472) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو عند ابن ماجة رقم (151) وابن حبان (2528) . وقال المحدّث الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (2553) : إسناده صحيح. ومعنى هذا الحديث: إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطاء

[5] مسلم (2613)

[6] ) إن الله يعذب الذين يعذبون في الدنيا: هذا محمول على التعذيب بغير حق. فلا يدخل فيه التعذيب بحق كالقصاص والحدود والتعزير، وغير ذلك.

[7]  من أشار إلى أخيه بحديدة فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه، والتعرض له بما قد يؤذيه.

[8] مسلم (2616)

[9] المستطرف (1/ 41)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين