الأب الناجح - استراتيجية السعادة المنزلية
الأب الناجح
مالك فيصل الدندشي
إذا كانت السعادة في المنزل مطلبا ينشده جميع أفراد الأسرة، فلا شك بأن سيد البيت، وقائده تقع على عاتقه المهمة العظمى التي يضطلع بها لينشر أعلام السعادة في بيته، وهي مهمة ليست سهلة، ولا الطريق إليها ميسورا إلا إذا عزم الأب على وضع خطط لقيادة المنزل. هذه الخطط من أولى أولوياتها إشاعة السعادة في أجواء منزله، فيحرص على غرس شجيرات السرور والهناء في قلوب أبنائه وبناته وزوجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله.).
فما هي استراتيجية السعادة المنزلية التي سينفذها الأب الناجح ؟
الأب الناجح هو الذي يوزع نظراته على جميع أفراد أسرته توزيعا عادلا، ولا ريب أن زوجته هي أول من ينبغي أن يشعرها بدفء السعادة ، فلا يلقاها إلا مبتسما حانيا متفقداً أحوالها ومطالبها، يشعرها أنها ملء قلبه وكيانه، ولا بغفل عن مناصحتها بالحُسنى، والكلام اللين الطيب، ولا يراقب تصرفاتها مراقبة المريب، فيقيل العثرة، ويقبل العذر، ويحتمل الخطأ غير المقصود،ويكافئ العمل المحمود منها، فيشحنها بكلمات الوفاء والتقدير والتثمين. فإذا وجد منها ما يعيب ستر، وعالج المشكلة معالجة الطبيب، ولا ييأس ولا يقسو، ويضع الدواء المناسب للحالة المناسبة...........
            والأب الناجح هو الذي يعدل بين أبنائه، ويجلس معهم، ويحادثهم ويسامرهم، ويأخذ بأيديهم إلى ما ينبغي أن يكونوا، ويتابع تصرفاتهم وأحوالهم في البيت والمدرسة والمجتمع، فيبارك أعمالهم الطيبة، ويشجعها، ويسائلهم عما أخطؤوا مساءلة من يريد التعديل والتقويم، فيرشد المقصر، ويكافئ المجتهد، ويحسسهم بأن كل واحد منهم هو جنة قلبه، وموضع سعادته ، فلا يميل مع شخص على حساب آخر ولو بالقبلة الحانية. ورحم الله الأحنف بن قيس حينما قال عن الأولاد: ( هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم ، فإنهم يمنحونك ودهم، ويحبونك جهدهم، ولا تكن عليهم ثقيلا ، فيملوا حياتك، ويتمنوا وفاتك. )         
            الأب الناجح يختار لأولاده المدارس ذات السمعة الحسنة والأصدقاء من ذوي السيرة الحسنة، يسأل عن سلوكيات الجميع مرشدا وناصحا ...........
            الأب الناجح هو الذي ينظر إلى أبنائه نظرة متكاملة، فلا يهتم ببناء بطونهم، وينسى عقولهم وأفكارهم يجلس معهم يخطط لهم مستقبلهم، أو يشاركهم في وضع هذا المخطط.
الأب الناجح له لقاءات مع الأبناء منها ما هو فردي أو ثنائي أو جماعي، وله لقاء أو أكثر مفتوح مع أفراد الأسرة، ومن برامجه: إقامة محافل للترفيه سواء في الطبيعة أو المجمعات ذات الصلة بهذا الشأن.
الأب الناجح هو الذي لا يؤثر دنياه على مصالح أبنائه العليا؛ فيصرف جل وقته خارج المنزل_ بذريعة تأمين مستقبل مالي عال لهم، ولا يراه أولاده إلا على سرير النوم، أو بساط الطعام،أو آخر الليل منهوكا تعبان. فهل هذا الأب جدير بنشر السعادة المنزلية.!!
إن مهمة الأب الناجح في تربية الأبناء وبناء منزل سعيد رسالتها صعبة، ومنهاجها كبير، فعلى الأب الناجح أن يكون على قدر المسؤولية المنوطة به؛ فإذا أخل بها ولو بشيء يسير يمكن تداركه ولم يفعل ، فحينئذ يكون قد هدم حجرا من أحجار السعادة، وأثلم جسرا من جسورها، فإذا سارع إلى رأب الصدع ، نجا وأنجى، وإذا أهمل وقصر ، هلك وأهلك.
الأب الناجح يمد جسور العلاقات الاجتماعية بين أسرته وأسر أقاربه وأصدقائه، وعلى رأس من يشعر أبناءه بجلالة أقدارهم وعلو مكانتهم، وسمو مقاماتهم – هما أبواه ، ومن كان من أصولهما وفروعهما، ثم الذين يلونهم، ولا جرم أن الأصدقاء الطيبين لهم حظ كبير من البر والاحترام والتكريم.
الأب الناجح هو الذي يمد جسور العلاقات الاجتماعية بين أبنائه وجيرانه، فيدعو الجميع إلى التزاور والتعاون والتلاقي وووو
وفي اعتقادي أن الأب الناجح هو الذي يربي أبناءه على مسألة مهمة جدا ؛ وهي إشعارهم بأنهم أصحاب رسالة مع أبيهم رسالة تأصيل منابع العقيدة الإسلامية في نفوسهم ونفوس الآخرين، وهذه العقيدة التي تقول للجميع: إنكم لم تخلقوا عبثا، وإنكم مخلوقون لتكونوا لله عبيدا، وفي ذلك سعادة الدارين. وبهذا لا يشعر أحدهم بالفراغ القاتل الذي هو أفعوان يقتل بسمه مشاريع السعادة كلها كما ويحذر أسرته من غرور الشباب وفتنة المال، فالمال وسيلة وليس غاية.
وختاما فإن الأب الناجح يتمثل دائما قول الله تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ).
المصدر: لها أون لاين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين