وصية الأنبياء – كونوا ربانيين

 

قال تعالى : [مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ] {آل عمران:79}.

فكل أنبياء الله تعالى كانت وصيتهم: (كونوا ربانيين) ، ولكن لماذا الربانية وليس غيرها؟

لأن الدنيا انفتحت على الناس بشهواتها وشبهاتها وملذاتها حتى أهلكتهم أو كادت إلا من رحم الله، وتحقق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم  (فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُم) [صحيح البخاري]، وتسابق شياطين الإنس والجن في إفساد بني البشر وإبعادهم عن صراط الله المستقيم [وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا] {النساء:27}.  

والعاصم من هذا كله هو الالتجاء إلى حبل الله والاعتصام به، والتمسك بهديه، [إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا] {الإسراء:65}.

إنها العبودية لله التي تمثل الصورة الواقعية والعملية للربانية التي يدعو إليها أنبياء الله، فالربانية عصمة من الدنيوية، فهي ليست انقطاعا عنها، ولا انبتاتا منها، ولا تحريما لها، وإنما هي سياسة الدنيا على منهج الله، استعلاءً عليها وترفعاً عنها ، وانتفاعاً بالمباح منها، وحصانةً من أضرارها،  وسلامةً من شرورها، وأمناً من ضلالها وزيغها، الربانية هي أشد ما نفتقر إليه، وهي ما أرشدتنا إليه آيات القرآن وجسدته لنا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، بها تتحقق السلامة في الدنيا, وترجى النجاة في الآخرة.

"{ولكن كونوا ربانيين} تابعين طريق الرب، منسوبين إليه بكمال العلم المزين بالعمل، فإن فائدة الدرس العلم، وفائدة العلم العمل، ومنه الحث على الخير والمراقبة للخالق"

الربانية، هي أن نكون مع الله، في كل أحوالنا حتى ننسب إليه فالرباني هو المنسوب للرب سبحانه، نتعلم كتابه، ونتدارسه، ثم ندعو إليه على هدى وبصيرة، لتسير الحياة كلها وفق شرع الله تعالى [ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ] {الجاثية:18}. تلك هي الحياة التي يريدها الله لعباده في الدنيا لينالوا السعادة في الآخرة [كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ] {الحاقَّة:24}.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين