الصحابيات والجهاد في سبيل الله

 

 

     النساء شقائق الرجال في الجهاد بالنفس والمال إلا ما دل الدليل على اختصاصه بأحدهما – الرجال أو النساء -  فقد كانت الصحابيات رضوان الله عليهنّ يشاركن في الجهاد بالنفس والمال إلى جانب الرجال. 

ففي صحيح البخاري: عن السيدة عائشة رضي الله عنها:"كان النبي صلى الله عليه وسلم  إذا أراد أن يخرج – تقصد للغزو - أقرع بين نسائه  ، فأيتهن يخرج سهمها خرج بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم  بعد ما أنزل الحجاب

وفيه باب ( غزو النساء وقتالهن مع الرجال )  وباب ( غزو المرأة في البحر )  

ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم  لابنة ملحان رضي الله عنها بأن تكون من غزاة البحر 

وباب مداواة النساء الجرحى في الغزو 

وقول الرُّبيع بنت معوذ رضي الله عنها: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم  فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة

وقول أنس صلى الله عليه وسلم  عن يوم أحد لما انهزم الناس: "لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان تنقلان القرب على متونهما , ثم تفرغانه في أفواه القوم , ثم ترجعان فتملآنها , ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم" 

وقول سيدنا عمررضي الله عنه  عن أم سليم رضي الله عنها: "إنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد" وفي صحيح مسلم باب غزوة النساء مع الرجال وفيه:

أنّ أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا، فكان معها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما هذا الخنجر؟) قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين، بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم  يضحك .

وقول أنس رضي الله عنه : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى

وأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضي الله عنها بنت عم معاذ بن جبل رضي الله عنه  قَتَلَتْ يوم اليرموك تسعة من الروم بعمود فسطاطها 

وفي مصنف عبد الرزاق عن ابراهيم النخعي وقد سئل عن جهاد النساء فقال: (كنَّ يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيداوين الجرحى ويسقين المقاتلة ولم أسمع معه بامرأة قتلت , وقد قاتلت نساء قريش يوم اليرموك حين رهقهم جموع الروم حتى خالطوا عسكر المسلمين فضربت النساء يومئذ بالسيوف في خلافة عمر رضي الله عنه )  

وعن أم زياد الأشجعية رضي الله عنها قالت: "خرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  في غزاة خيبر وأنا سادسة ست نسوة , وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم  سألهن عن ذلك فقلن: (قلنا خرجنا يا رسول الله معك نناول السهام, ونسقي السَّوِيقَ, ونداوي الجرحى , وَنَغـْـزِلُ الشَّعْرَ نُعِينُ به في سبيل الله" 

وكانت أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها تحضر الغزوات والمعارك وتقاتل، وقطعت يدها يوم اليمامة وقال سيدنا عمر رضي الله عنه  عنها:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول يوم أحد (ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني)  

وأما جهاد المرأة بالمال فالمرأة في الإسلام لها ذمة مالية مستقلة تتعلق بمالها الواجبات المالية ولا فرق بينها وبين الرجال في التصرفات المالية الواجبة, ولا تحتاج في ذلك لإذن أب أو زوج, وكذلك هي حرة التصرف بمالها في المعاوضات المالية من بيع وشراء , وإن كان الخلق وحسن العشرة يقتضي أن تشاور المرأة أباها وزوجها في كل ذلك

وأما في حالة التبرع فيحق لها أن تتبرع من مالها متى شاءت ما دامت رشيدة عند جمهور الفقهاء, وعند المالكية ليس لها التبرع  بما زاد عن الثلث إلا بإذن الزوج  

وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : (يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن) وأنهن تصدقن فقبل صلى الله عليه وسلم  صدقتهن.

فالجهاد بالمال إن كان فرض عين فيستوي فيه الرجال والنساء, وإن كان فرض كفاية فكذلك يستوي الرجال والنساء أيضاً في فروض الكفايات إلا ما قام الدليل على اختصاصه بالرجال كالإمامة العظمى والصغرى وذلك لأن فرض الكفاية يخاطب به مجموع الأمة بغض النظر عن فاعله

قال الإمام النووي :"فروض الكفاية: أمور كلية تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية لا ينتظم الأمر إلا بحصولها فيطلب الشارع تحصيلها ولا يطلب تكليف واحد فواحد بها" 

وقال الغزالي في تعريف فرض الكفاية : كل مُهم ديني يراد حصوله ولا يقصد به عين من يتولاه 

وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل" وكانت النساء المسلمات عبر التاريخ الإسلامي يشاركن بالجهاد بالمال بكل ما قَدَرْن عليه.

قالت أم سِنَان الأسلمية رضي الله عنها عن جهاد الصابيات بالمال في غزوة تبوك: "لقد رأيت ثوباً مبسـوطاً بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم  في بيت عائشـة رضي الله عنها فيه مَسَكٌ ، ومعاضِدُ ، وخلاخلُ ، وأقُرِطةٌ ، وخواتيمُ ، وقد مُلىء ممَّا بعث من النساء يُعِنَّ به المسلمين في جهَازهم"  

بل كانت الصحابيات الفقيرات رضي الله عنهن اللاتي لا يملكن فائضاً من المال يجاهدن به في سبيل الله تعالى يعملن بالغزل ليجاهدن بالمال في سبيل الله تعالى وقد تقدم آنفاً قول الصحابية أم زياد الأشجعية رضي الله عنها :"ونَغْزِلُ الشَّعْرَ نُعِينُ به في سبيل الله" 

 

ــــــــــــــــــــــ

  -  (أقرع بين نسائه) من القرعة وهي: أن يختار كل من المتقارعين شيئا معينا فيسمى سهمه أي نصيبه وتوضع في وعاء مغلق ثم يستخرج منها واحد فمن خرج سهمه كان هو صاحب القرعة. هوامش صحيح البخاري (3/ 159) الدكتور مصطفى البغا

  - صحيح البخاري (4/ 33ح2879)

  - صحيح البخاري (4/ 33) 

  - صحيح البخاري (4/ 33) باب غزو المرأة في البحر

  - عن أنس رضي الله عنه  قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم  على ابنة ملحان، فاتكأ عندها، ثم ضحك فقالت: لم تضحك يا رسول الله؟ فقال: «ناس من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله، مثلهم مثل الملوك على الأسرة»، فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «اللهم اجعلها منهم»، ثم عاد فضحك، فقالت له مثل - أو مم - ذلك، فقال لها مثل ذلك، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «أنت من الأولين، ولست من الآخرين»، قال: قال أنس: فتزوجت عبادة بن الصامت فركبت البحر مع بنت قرظة، فلما قفلت: ركبت دابتها، فوقصت بها، فسقطت عنها، فماتت.اهـ صحيح البخاري (4/33ح2877)  باب غزو المرأة في البحر

  - صحيح البخاري (4/ 34)

  - صحيح البخاري (4/ 34ح2883) باب رد النساء الجرحى والقتلى إلى المدينة

  - صحيح البخاري (4/33ح2880)

  - صحيح البخاري (4/33ح2881) باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو. ومعنى (تزفر القرب) تحمل القرب وتخيطها

  - صحيح مسلم - باب غزوة النساء مع الرجال

  - صحيح مسلم (3/ 1443ح1810)

قال الإمام النووي في شرحه (12/ 188):

"فيه خروج النساء في الغزو والانتفاع بهن في السقي والمداواة ونحوهما وهذه المداواة لمحارمهن وأزواجهن وما كان منها لغيرهم لا يكون فيه مسّ بشرة إلا موضع الحاجة"

وقال ابن حجر في فتح الباري (6/ 80): "فيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة , قال بن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات – كبيرات السن- منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد , فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس"

  - المعجم الكبير (24/ 157) وسنن سعيد بن منصور (2/ 331)  

قال في مجمع الزوائد (9/ 260): رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

  - مصنف عبد الرزاق (5/ 298 ح9673)

  - سنن النسائي الكبرى (5/ 277ح8879)

  - المغني لابن قدامة (9/ 215)

  - الطبقات الكبرى (8/ 415)

  - انظر: الاختيار 3/91 ،92، وجواهر الإكليل 2/102، والمجموع 12/ 378 والمغني 4/513 ، 514 والموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 81)

  - روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي (4/2)

  - البحر المحيط (1/ 281)

  - الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/537)

  - حياة الصحابة للكاندهلوى (1/ 446)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين