حوار بين رجل وامرأة - فلسفة الضعف
حوار بين رجل وامرأة
(فلسفة الضعف)
 بقلم: نبيل مقدسي
قالت : سامحني لضعف نفسي...
 
قلت : وهل يعجبني منك إلا هذا الضعف الذي طاب لي فأسرني .. لم أعلم منذ دبت المعرفة أرجاء عقلي إلا أن الضعف صفة تنبذها طباع الإنسان ذو الفطرة السليمة .. فالضعف مرتبط في عرف الإنسانية بالهزيمة ... فحيثما حلَّ الضعف جسدا ً ، حلت به الهزيمة ... والضعف إن كان سببا ً للهزيمة فهو في الوقت نفسه نتيجة لانكسار الروح وتناثرها قطعا ً متشرذمة على صعيد الخور والخضوع ... وكل ضعيف مازالت في نفسه روحُ الإنسان – الذي يمتلك رصيدا ً ولو كان قليلا ً من رصيد الفطرة الربانية – تنبضُ فهو إلى ترميم ضعفه إلى قوة يحرصُ .. فالضعف زائر غير مرغوب فيه حتى وإن أقام ؛ ولا بدَّ إلى زوال ورحيل ٍ صائر ... أما إذا استقر الضعف في مكنون ٍ ما فاعلم أن الموت آخذ ٍ بهلاكه حتى يدعه بعد صراع غير عنيف ورقة صفراء غير مأسوف ٍ عليها تتطايرها الرياح في كل وجهة ٍ حتى تستقر بها يدُّ الأقدار في مقابر النسيان ...
 
هذا الضعف! إلا ضعفا ً واحدا ً ... هو في شكله ضعف ٌ .. وفي حناياه قوة هائجة تـُركِعُ أمامها شوامخ النفوس وهي راضية .. إنه ضعفك أنت .. إنه ضعفك أنت يا امرأتي ! ضعف ٌ أراه كخيط العنكبوت دقة إلا أنه في قوة الحديد صلابة ً فما أن وقعتُ فيه على قوتي حتى ما رأيت لقوتي هذه عملا ً .. ولم أر لنفسي منه فكاكا ً !  ضعف ٌ كالسراب يخيل لي أن وراء بصري ماء ٌ وظل ٌ فأشمر عن قدمي باذلا ً جهد الغريق حتى أصل هناك حيث أجد لا شيء فأجثو باكيا ً من ألم ٍ لتأتي أنت من بعد ذلك كغمامة تظلني من فوقي وتسقيني ، فلا أستطيع عن محيط ظلك الهروب ولا عن سقياك أبوق ... لم ترض نفسي مرة أن تكون أسيرة .. فالأسر قتل للنفوس الشامخة .. حتى إذا جاءني ضعفك وبيديه سلاسل الأسر حتى قدمت له يداي طائعا ً لأتمتع بأسرك لي ... فسلاسلك خيوط من حرير تغازل نفسي المتعبة فتسكن بعد جدِّ ... وسجنك فضاء تتيه به روحي في ألق ٍ ... فسجن ضعفك إذن لي حرية ...
 
قوة الرجل للمرأة وقاء ... وضعف المرأة للرجل حياة ... فاسقي من نبع حياتك ظمئا ً أراه يلوح في أطراف نفسي ؛ حتى يزورها زائر الخضرة فيكسوها ثوبه الأخضرَ لتكون بعد ذلك بساتين ٌ هي دارك ... فضعفك حياة لي وجنة لك ... والسلام
 
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين