المثنى بن حارثة الشيباني - فارس الفرسان
بسم الله الرحمن الرحيم
المثنى بن حارثة الشيباني
فارس الفرسان
بقلم : خالد البيطار
من الأبطال المشهورين الذين انتصروا ولم يُغيِّرهم النصر ولم يبطرهم، بل ظلوا على جهادهم وتواضعهم حتى لاقوا وجه ربهم.
ومن الفرسان الذين بدأوا بقتال الفرس، وشجعوا عليه ، وخاض عدة معارك، واستشهد إثر جراح في جسمه قبل معركة القادسية.
ساد في الجاهلية وساد في الإسلام.
 
ولد في قبيلة بني شيبان ولا تُعرف سنة ولادته، وقبيلة بني شيبان كانت تسكن على حدود العراق بين البحرين وهيت، وتجاور الفرس، ولذلك كان يعرف الفرس عن قرب فلا عجب أن شجع المسلمين على قتالهم.
سمعت قبيلتُه برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثته ، فأرسلت وفداً ، وكان المثنى من ضمن الوفد، فسمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وجاوروه ، وأعجبوا بما يدعو إليه ، لكنهم اعتذروا عن نُصرته وإتّباعه لمجاورتهم للفرس وللعهد الذي بينهم أن لا يُحدِثوا حدثاً ولا يُؤوُون محدثاً ، ورجعوا إلى بلادهم، ثم عندما انتشر الإسلامً ، وجاءت الوفود ، ودخل الناس في الإسلام، أسلم المثنى في ذلك الوقت في السنة التاسعة للهجرة.
وعند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم  ثبت على إسلامه ، وحارب المرتدين من قومه مع الجيش الذي أرسله أبو بكر الصديق رضي الله عنه  بقيادة العلاء بن الحضرمي، وبعد حروب الرِّدة نشر جنوده على طول الحدود لمنع المرتدين من الهرب إلى الفرس ، بل أصبح يُغير على الفرس مع قبيلته بني شيبان ويغنم منهم، ويستولي على بعض المناطق التي تقع تحت حمايتهم.
وعندما وصلت الأخبار إلى أبي بكر ، أُُعجب به وأثنى عليه، ثم أتى إلى المدينة وشرح لأبي بكر الصديق رضي الله عنه  ضرورة محاربة الفرس لحماية المسلمين والبلاد الإسلامية من طمع الفرس وتسلطهم ، وهوَّن له من شأن الفرس، وقال لأبي بكر:« أمِّرني على من قِبلي ،أقاتل من يليني من أهل فارس ، وأكفك ناحيتي» فأذن له أبو بكر رضي الله عنه .
ثم أمدَّه بخالد بن الوليد ، فحارب المثنى تحت إمرته راضياً طائعاً ، وخاص عدة معارك ، ثم لما انتقل خالد إلى الشام لمساعدة أبي عبيدة أَوْكل إليه قيادة الجيش ، فقام بالمهمة خير قيام، وانتصر في عدة معارك بعد ذهاب خالد.
ثم استعد الفرس للهجوم استعداداً كبيراً ، فذهب بنفسه إلى المدينة مرةً ثانيةً ، وشرح لأبي بكر وضع الفرس واستعدادهم، وكان أبو بكر رضي الله عنه  مريضاً، فأوصى عمر بالاهتمام بطلب المثنى ، وتُوفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعاد المثنى إلى الجيش ، وأرسل عمر أبا عبيد مع جيش ليواجه الفرس ، ووصل أبو عُبيد إلى المثنى، وخضع المثنى له وحارب تحت قيادته.
وعندما انهزم المسلمون في معركة الجسر ، وقُتل أبو عبيد، التجأ الناس إلى المثنى فأنقذهم ، وقاد بقيَّة المعركة ، وانسحب بالمسلمين من أرض المعركة، وجمع المسلمين مرةً أثانية، وخاص معارك عديدة وانتصر فيها، وأثبت أنه البطل في ثباته وشجاعته وصبره وتخطيطه، وفي بُعد نظره وتقديره لعواقب الأمور، وردَّ اعتبار المسلمين بعد هزيمتهم يوم الجسر، وقام بغارات في عمق بلاد فارس حتى وصل إلى مسافة قريبة من عاصمة الفرس (المدائن)، مما جعل الفرس يشعرون أنه لا بدَّ من الاستعداد الكبير للقضاء على المسلمين .
وبدأوا بالاستعداد والتحشُّد ، ووحَّدوا صفَّهم، وجمعوا كلمتهم، وأرسلوا إلى كل بلدٍ أن يُعدُّوا العُدة لحرب المسلمين.
وشعر المثنى بهذا الاستعداد فأرسل إلى عمر بالخبر، وقدَّر أن المسلمين بانتشارهم الواسع لا يقدرون على حرب الفرس، فجمعهم في مكان واحد، وهذه نظرة حربية صائبة، أن يُجمِّع قوَّته وجنوده ليستعد للمفاجآت ولتكون الحمايةُ أقوى والدفاع أكبر.
واختار المكان الذي جمعهم فيه على الحدود بحيث يستطيعون الكَرَّ والفرَّ والهجوم والدفاع، ثم أخذ ينتظر أوامر عمر رضي الله عنه ...
وصلت الأخبار إلى عمر رضي الله عنه  ، فاهتم بها اهتماماً كبيراً ، وجمع جيشاً وخرج بنفسه قائداً له ، ثم رأى أن يبعث سعد بن أبي وقاص بدلاً عنه، وأرسل إلى المثنى أنه بعث سعد بن أبي وقاص على رأس جيش، وأن على المثنى أن ينضم إليه وتحت قيادته، فاطمأن المثنى، واستعد للانضمام إلى سعد، لكنه مرض على إثر الجراح التي أُصيب بها يوم الجسر.
وعندما اشتد مرضُه ، كتب وصيته إلى سعد ، وضمَّنها خُلاصة رأيه في حرب الفرس وخلاصة تجربته معهم ، وأعطى الوصية لأخيه، وأسند قيادة الجيش لبشير بن الخصاصيّة حتى يُسلمها إلى سعد.
وتُوفي المثنى بعد أيام من مرضه بعد أن رفع راية الإسلام عالية خفاقة، وسلَّمها عالية خفاقة لمن بعده ليسير على منواله ويتابع خطواته المباركة على درب الجهاد.
كانت وفاته في سنة (14هـ) قُبيل معركة القادسية.

من كتاب :« رجال القيادة والريادة من أعلام المسلمين».

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين