المرأة في الجزيرة العربية قبل البعثة - حال المرأة في الجاهلية
المرأة في الجزيرة العربية ( قبل البعثة ) 
للدكتور: حاتم الطبشي
ما سبق وذكرته عن سوء حال المرأة عند الأمم ، وما حاق بها من ظلم واحتقار ، وإهانةٍ وإذلالٍ ، لايعدل شيئاً مما كان عليه العرب في جاهليتهم ، و مما أستدل به على صحة هذا القول قتل الأولاد من ذكور وإناث ، وإن كان الأمر في الإناث أكثر وأشهر ، قال الله تبارك وتعالى :
" وكذلك زيَّن لكثيرٍ من المشركين قَتْلَ أولادِهِم شركاؤُهم ليُرْدُوهم وليلبسوا عليهم دينهم . . . " [ الأنعام : 137 ] .
وقال عزَّ وجلَّ : " قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم ، وحرَّموا ما رزقهم الله . . . "  [ الأنعام : 140 ] .
وقال سبحانه : " وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قُتِلَت " [ التكوير : 8 – 9 ].
كان بعض الجاهليين العرب يكرهون المرأة لأنها امرأة ، وانظر إلى هذه الصورة التي رسمها القرآن عن نظرة الجاهلي للمرأة : " وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهه مُسْوَدَّاً وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّرَ به أَيُمْسِكُه على هُونٍ أم يدُسُّه في التراب ، ألا ساءَ ما يحكمون " [ سورة النحل : 58 – 59 ] .
وقال تعالى : " وإذا بُشِّرَ أحدُهُم بما ضرب للرحمن مثلاً ظلَّ وجهه مسوداً وهو كظيم " [ الزخرف : 17 ] .
روي أن قيس بن عاصم رضي الله عنه([1])  جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال :يا رسول الله ، إني وأدتُّ([2]) ثمان بنات لي في الجاهلية ، فأمره أن يقدم عن كل واحدةٍ منهن بَدَنَةً ينحرها تكفيراً .
وفي روايةٍ أنه قال : يا رسول الله ، إني وأدتُّ اثنتي عشرة ابنةٍ لي في الجاهلية ، قال : ( فأعتِقْ عددهن نسماً ) ، فأعتَقَ عددهن نسماً ، فلما كان العام المقبل جاء بمائة ناقة ، فقال يا رسول الله هذه صدقة قومي على أثر ما صنعت بالمسلمين ، قال علي بن أبي طالب([3]) رضي الله عنه : فكنا نريحها ونسميها القيسية([4])  .
ولم يكن قيس هذا من غمار الناس بل كان سيد تميم وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وفد تميم ، وأسلم سنة تسع ، ولما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : هذا سيد أهل الوبر ، وكان رضي الله عنه عاقلاً حليماً قد حرَّم الخمر على نفسه في الجاهلية ، ولما سئل الأحنف بن قيس رضي الله عنه ([5]) ممن تعلمت الحلم ؟ ( وكان يضرب بحلمه المثل ) قال : من قيس بن عاصم ، رأيته يوماً قاعداً بفناء داره محتبياً بحمائل سيفه ، يحدث قومه إذ أتي برجلٍ مكتوف ، وآخر مقتول ، فقيل : هذا ابن أخيك قتل ابنك ، قال الأحنف : فوالله ما حلَّ حبوته ولا قطع كلامه ، فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال : يا ابن أخي بئسما فعلتَ ، أثمتَ بربك ، وقطعتَ رحمكَ ، وقتلتَ ابن عمك ، ورميتَ نفسك بسهم ، وقللتَ عددك ، ثم قال لابنٍ له : قم يا بني إلى ابن عمك فحلَّ كتافه ، ووارِ أخاك ، وسُقْ إلى أمك مائةً من الإبل ديةَ ابنها فإنها غريبة([6]) .
روى القرطبي في تفسيره([7]) أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يزال مغتماً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام : ما لك تكون محزوناً ؟ فقال : يا رسول الله إني أذنبت ذنباً في
الجاهلية ، فأخاف أن لا يغفره الله وإن أسلمت ، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم : أخبرني عن ذنبك ، قال : يا رسول الله إني كنت من الذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت فشفعت إلي امرأتي أن أتركها ، فتركتها حتى كبرت وأدركت وصارت من أجمل النساء ، فخطبوها فدخلتني الحمية ، ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زواج ، فقلت للمرأة : إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسُرَّتْ بذلك وزيَّنَتْها بالثياب والحُلِيِّ ، وأخذَتْ عليَّ المواثيق بألا أخونها ، فذهبت بها إلى رأس بئر ، فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر ، فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول : يا أبت ماذا تريد أن تفعل بي ، فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت عليَّ الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تضيع أمانة أمي ، فجعلت أنظر مرَّةً في البئر ومرَّةً إليها وأرحمها ، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسةً ، وهي تنادي في لبئر : يا أبت قتلتني ، فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، وقال : لو أُمِرْتُ أن أعاقب أحداً بما فعل في الجاهلية لعاقبتك ، أي : لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله ، كما ورد في الحديث الشريف([8]) .
        أيُّ صخر قُدَّتْ منه هذه القلوب المتحجرة ، وأيُ وحشيةٍ اتصفت بها هذه الأنفس الخبيثة ، والتي تتنـزه الوحوش الضارية عن مثل ما كان يفعله بعض هؤلاء العرب في جاهليتهم ، لقد جاء الاسلام فأنقذ بني الانسان ، فامتنع القاتل لأولاده عن قتلهم ، وعاشت الذرية بأمان وسلام ، فجزى الله عنا نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خير ما جازى نبياً عن أمته :
هل تطلبون من المختار معجزةً         يكفيه شعبٌ من الأجداث أحياه([9])
والقصص من هذا القبيل كثيرة جداً ، حتى هذه القصة ـ ولقد والله ـ ترددت كثيراً هل أوردها في كتابي هذا أم لا ؟ وليعذرني القارىء الكريم ، كيف وقد بكى لهولها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الكرام ، لكن فيها حكم عظيمة ، وصورة واضحة عن القوم الذين بعث فيهم : من أرسله الله رحمةً للعالمين ، صلى الله عليه وآله وسلم .
        ولا يحسبن أحد أن وأد البنات قد انتهى من العالم بانتهاء العصر الجاهلي بل عاد كما كان وأشد ، لكن بصور متنوعة ، ففي الصين التي زاد عدد سكانها عن المليار نسمة يسمح النظام فيها بولد واحدٍ للأسرة ، ولما كانت الأجهزة الحديثة تستطيع اكتشاف نوع الجنين في بطن أمه وتحدد جنسه ذكراً أو أنثى ، فآلاف الأسر إذا ما تبين لها أن الجنين أنثى ، تسارع إلى الإجهاض ، بل وأكثر من مرة ، هذا في المجتمعات الغنية ، أما في المجتمعات الفقيرة أو البعيدة عن الأجهزة الحديثة ، إذا كان المولود أنثى تقتل فور ولادتها .
        وكانت المرأة عند العرب الجاهلية تورث كما يورث المتاع ، وهي بعد وفاة زوجها من حق أكبر أبنائه ، فإن ألقى عليها ثوبه صارت زوجته بالمهر الذي دفعه إليها أبوه ، وهذا هو نكاح المقت ، والذي وردت الآية بالنهي عنه :
" ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ، إلا ما قد سلف ، إنه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً " [ النساء : 22 ] .
        وإن سبقته فذهبت إلى أهلها فهي أحق بنفسها([10]) .
وكغيرها من الجاهليات ، فقد أذلَّت جاهلية العرب المرأة وامتهنتها ودنَّست كرامتها حيث اعترفت بنظام البغاء رسمياً وشجعته ، وكانت بعض الحرائر يفعلنه وكثير من الإماء ، حيث كان الرجل في الجاهلية يفرض على مملوكته الشابة مبلغاً من المال شهرياً تؤديه من أعمال العهر والفجور ، ولم يسلم من هذا الأمر إلا من عصمه الله تعالى ، فهذا عبد الله بن أُبَيّ رأس النفاق ، والذي أزمع أهل المدينة على تتويجه ملكاً عليهم قبيل الهجرة النبوية ، كان له ست إماء شابات جميلات ، وكان يكرههن على البغاء طلباً لكسبهن ، ورغبة في تكثير خدمه من مواليدهن ، وكان يقدمهن لضيوفه ، وكانت إحداهن تدعى : معاذة ، وكانت قد أسلمت وأرادت التوبة ، ولكن عبد الله بن أُبَيّ شدد عليها ، فأقبلت إلى أبي بكر رضي الله عنه([11]) وشكت إليه ذلك ، فذكره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بقبضها ، فصاح عبد الله بن أُبي([12]) : من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا([13]) ، فأنزل الله فيه وفي أمثاله : " ولا تُكرِهوا فتياتكم على البغاء إن أردْنَ تحصُّناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا . . . الآية([14])  .
        هذا صنيع من كان سيتوج ملكاً على القوم ، فما بالك بما كان يفعله الرعاع ؟ .


[1] - هو الصحابي الجليل قيس بن عاصم التميمي ، كان قد حرَّم الخمر في الجاهلية ، وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفد تميم فقال عنه : هذا سيد أهل الوبر ، وكان سيداً جواداً ، قال له أبو بكر رضي الله عنه : ما حملك على أن وأدت ، وكان أول من وأد ، فقال خشيت أن يخلف عليهن غير كفء ، قال : فصف لنا نفسك ، قال : أما في الجاهلية فما هممت بملامة ـ أي أمر أُلام عليه ـ ولا حُمْتُ على تهمة ، ولم أُرَ إلا في خيلٍ مغيرة ، أو نادي عشيرة ، أو حامي جريرة ، نزل البصرة وتوفي بها ، رضي الله عنه . 
[2] - الوأْدُ : دفن البنت أو الولد وهو حي ، وأكثر ماكان أهل الجاهلية يفعلونه بالبنات .
[3] - هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي القرشي أبو الحسن ، أول الناس إسلاماً ، ولد قبل البعثة بعشر سنين ، وتربى في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهد معه المشاهد كلها إلا غزوة تبوك ، وزوجه ابنته فاطمة رضي الله عنها ، مناقبه كثير ، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : لم ينقل لأحدٍ من الصحابة مانقل لعلي ، أي من الفضل والمكانة والقدر ، ولما آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه قال له : أنت أخي ، روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكثير ، وكان أحد الشورى الذين نصَّ عليهم عمر رضي الله عنه ، بويع بالخلافة بعد مقتل عثمان ، واستشهد سنة أربعين للهجرة ، ومدة خلافته خمس سنين إلا مائة يوم ، الإصابة في تمييز الصحابة 2/509 .  
[4] - تفسير ابن كثير : 8\358 .
[5] - هو الأحنف بن قيس بن معاوية التميمي السعدي ، اسمه الضحَّاك والأحنف لقبه ـ والحنف اعوجاج القدم إلى الداخل ـ أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجتمع به ، وقيل إنه دعا له ، كان يضرب بحلمه المثل ، قال له رجل : بم سدت قومك وأنت أحنف أعور ؟ قال بتركي ما لا يعنيني ، كان ثقةً مأمون الحديث ، توفي بالبصرة عام 67 هـ ، باختصار من الإصابة في تمييز الصحابة 1/100 ، أقول : لما مدح أبو تمام الخليفة العباسي المعتصم ، كان مما قال فيه :
إقدامُ عمروٍ في سماحة حاتمٍ                      في حلم أحنف في ذكاء إياس
فهؤلاء الأربعة كل واحد منهم يضرب المثل بما خصَّه الله به .
[6] - أسد الغابة 4/432 ، وقوله عن زوجته أنها غريبة : أي ليست من قبيلة تميم .
[7] - الجامع لأحكام القرآن ( 7 : 97 ) .
[8] - رواه أحمد والطبراني عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
[9] - من قصيدة : أحمد محرم والتي مطلعها : مالي وللنجم يرعاني وأرعاه
[10]-  شقائق الرجال للشيخ : حسني شيخ عثمان ، العدد 179 من : دعوة الحق ، الصادرة عن رابطة العالم الإسلامي
[11]- هوالصحابي الجليل خليفة رسول الله r : عبد الله بن عثمان أبي قحافة التيمي y ، أول من أسلم من الرجال ، قال r : ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة خلا أبا بكر ، هاجر مع رسول الله r ، وهو ثاني اثنين إذ هما في الغار ، شهد المشاهد كلها مع رسول الله r ، وأنفق جميع ما يملك - أكثر من مرة – قي سبيل الله تعالى ، وهو أول خليفة للمسلمين، دامت خلافته سنتان وثلاثة أشهر ، توفي عام 13 للهجرة ، ودفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته ، رضي الله عنه وأرضاه .  
[12]- هو رأس النفاق عدو الله وعدو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عبد الله بن أبي بن مالك الخزرجي المشهور بابن سلول ، وسلول جدته لأبيه ، مات بالمدينة عام 9 للهجرة ، الأعلام 4/65 .
[13]- تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير ( 3 : 290 ) .
[14] - سورة النور ، الآية : 33 .
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين