طب القلوب- 1-

قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ] {الأعراف:201} 

قال الغزالي: خصص بذلك المتقي فمثل الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك فإن لم يكن بين يديك خبز أو لحم فإنه ينزجر بأن تقول له: اخسأ، فمجرد الصوت يدفعه. فإن كان بين يديك لحم وهو جائع فإنه يهجم على اللحم ولا يندفع بمجرد الكلام، فالقلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر عنه بمجرد الذكر، فأما الشهوة إذا غلبت على القلب دفعت حقيقة الذكر إلى حواشي القلب فلم يتمكن من سويدائه فيستقر الشيطان في سويداء القلب. وأما قلوب المتقين الخالية من الهوى والصفات المذمومة فإنه يطرقها الشيطان لا للشهوات بل لخلوها بالغفلة عن الذكر، فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان ودليل ذلك قوله تعالى " فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " وسائر الأخبار والآيات الواردة في الذكر. إحياء علوم الدين - (ج 2 / ص 239) .

قال ابن الجوزي: (تأملت أمر الدنيا والآخرة، فوجدت حوادث الدنيا حسية طبعية، وحوادث الآخرة إيمانية يقينية. والحسيات أقوى جذباً لمن لم يقو علمه ويقينه.

والحوادث إنما تبقى بكثرة أسبابها، فمخالطة الناس، ورؤية المستحسنات والتعرض بالملذوذات، يقوي حوادث الحس.

والعزلة، والفكر، والنظر في العلم يقوي حوادث الآخرة.

ويبين هذا بأن الإنسان إذا خرج في الأسواق، ويبصر زينة الدنيا ثم دخل إلى المقابر، ففكر ورق قلبه، فإنه يحس بين الحالتين فرقاً بيناً.

وسبب ذلك، التعرض بأسباب الحوادث.

فعليك بالعزلة والذكر والنظر في العلم، فإن العزلة حمية، والفكر والعلم أدوية. والدواء مع التخليط لا ينفع. وقد تمكنت منك أخلاط المخالطة للخلق، والتخليط في الأفعال فليس لك دواء إلا ما وصفت لك.

فأما إذا خالطت الخلق وتعرضت للشهوات، ثم رمت صلاح القلب رمت الممتنع).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين