من أدب القصة في القرآن الكريم -9-

 

(9)

لقد اختار الحق سبحانه تلك الكلمة من أقوالهم : [ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا اليَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ] فأدى بها ما لا يحصى من المعاني وكان تعلقها في القيم الاقتصادية الممثلة في الجنة لوناً من الإعجاز في استيعاب الأهداف وإصابة الحقائق ، فإن المال هو القدر المشترك بين الأفراد لضرورة الحياة، وهو لذلك قاعدة أصيلة في علاقات بعضهم ببعض . فإذا لم يكن للمرء سوى تلك الحياة المذكورة التي يحيا بها في بعض وجوده ، فليس للمجتمع منه سوى ذلك الروح الذي أملى على أصحاب الجنة دستور القطيعة والمنع . أما إذا كان التسامي الذي يغالب المرء به نفسه ، ويحقق به وجوده ، فهو السبيل الحق لرقيِّ الإنسانية وازدهار المجتمعات .

وبعد : فمن الحقائق العليا في قوله تعالى : [أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا اليَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ] وضوح شقوة المرء بحرمانه زاده الروحي ، فتلك الكلمة لا يدور معناها بضمير سعيد ، وما برحت الكلمات صورة لما في النفس من حال السعادة أو الشقوة ، وإنا لنقرأ في آخر القصة قوله تعالى في وصف حال أولئك الشباب : [كَذَلِكَ العَذَابُ وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] {القلم:33} .

وليس في القصة إشارة ما إلى أي لون من عذاب الحس فهو ـ إذاً ـ عذاب الضمير الذي تلفحه نيات الشر بشرٍّ مما يجد البدن من مس النار...

والضمير الذي نعنيه ليس معنى شعرياً لا يؤبه له في موازين التحقيق ، فهو حقيقة الإنسان ، أو هو كيانه الروحي الذي يجسد روح السعادة إذا حيا  صاحبه في معالم الخير وحقيقة الحياة ...و يرد إلى الضنك والجدب إذا لم يشهد صاحبه سوى قيم الحس وظاهر الأمور ... فكل توفيق إلى الخير يعود على ذلك الكيان الباطن بالروح والسعة ... وكل نية شر فهي إعصار محرق يبيد ما فيه من الخير ، ويصليه لظى لا يقدرها إلا من عرف كيف تعذب الروح...

الحلقة السابقة هـــنا

*    *    *

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين