طوبى لكم!ثم طوبى لكم! يافِتيةالإسلام!

د/محمد عناية الله أسد سبحاني- الهند  


 طوبى لكم ! ثم طوبى لكم ! يافتية الإسلام !
طوبى لكم ! ثم طوبى لكم ! فقد رفعتم هامة الإسلام !
 لقد رفعتم هامة الإسلام بصبركم واستقامتكم على درب الإيمان!
لقد رفعتم هامة الإسلام بشموخكم وصمودكم في وجوه أعداء الإسلام !
فكم حاول الأعداء – وهم الذين أرادوا إجهاض الثورة الإسلامية المباركة في أرض الكنانة !- كم حاولوا أن يفتنوكم عن دينكم ! وكم حاولوا أن يُلهوكم عن سرّ قوتكم وكرامتكم ! وكم حاولوا أن يصرفوكم عن أهدافكم وطموحاتكم ! وكم حاولوا أن يساوموكم، ويحملوكم على أن تبيعوا آخرتكم بدنياكم !
 كم حاولوا أن يدخلوا الخوف واليأس في قلوبكم ! فلبسوا لكم جلود النمور،وجاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم،وجاءوكم بصواريخهم، ومدرعاتهم،ودباباتهم، قاتلهم الله !
ثم فعلوا بكم ما أملى عليهم حقدهم و عداوتهم للإسلام وأمة الإسلام ! فعلوا بأطفالكم، ونسائكم، وشيبكم، وشبابكم ما تستحيي منه الذئاب!! وجاءوا بحركات إجرامية تستحيي منها الكلاب !!
وكادوا كيدهم، وعند الله كيدهم ! ومكروا مكرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال!  وكان ربكم الرحيم الودود معكم في غدواتكم وروحاتكم، في اعتصاماتكم ومظاهراتكم، وكان رءوفا بكم،عطوفا عليكم، فربط على قلوبكم ،وثبّت أقدامكم، ونصركم على عدوكم، وكان من نصره لكم أن كنتم  في وجوه الطغاة المجرمين كالجبل الأشم !
 فإن تكن الأيام فيكم تبدلت   **   ببؤس ونعمى والحوادث تفعل  
  فما ليّنت منكم قناةً صليبةً   **   ولا ذلّلتكم للذي ليس يجمل
 فلله درّكم! يا فتية الإسلام ! فقدقاتلكم أعداؤكم فما أجبنوكم! وعجموا عودكم، فبُهتوا من صلابتكم وجلادتكم ! وبُهِتوا من صمودكم وشموخكم !
فلوأن السماء دنت لمجد  **  ومكرمة دنت لكم السماء!
بناة مكارم وأساة كلم  **  دماؤهم من الكلب الشفاء !
هم حلّوا من الشرف المعلى **  ومن حسب العشيرة حيث شاءوا !
روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج على حلقة من أصحابه فقال « ما أجلسكم ؟» قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا. قال « آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ » قالوا والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال « أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتانى جبريل فأخبرنى أن الله عز وجل يباهى بكم الملائكة ».  
                          (صحيح مسلم- باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن:8/72/7032)
فإذا كان ربنا سبحانه وتعالى يباهي ملائكته بمن يذكرونه ويحمدونه،فلانقول شططا، إذا قلنا:إن ربكم يا فتية الإسلام ! يباهي بكم ملائكته مباهاةً، ويذكركم في الملأ الأعلى ذكراً؛ فإنكم ذكرتموه،وما زلتم تذكرونه، ذكراً يعجز عنه الذاكرون ! وحمدتموه، وما زلتم تحمدونه، حمدا يعجز عنه الحامدون !
فشتان بين ذكرالله في أمن ورخاء، وبين ذكره في شدة وبلاء !
شتان بين ذكر الله في سعة الرزق ورغد العيش، وبين ذكره أمام قعقعة السلاح و زفزفة الجيش !
شتان بين ذكره ذكراً لايوقظ نائما، ولايحرك ساكنا ! ولايسيل دمعة، ولا يثير أشجانا ! وبين ذكره ذكراً يملؤ القلوب حبا لله وخشية، ويُلهب العواطف كراهة للطاغوت، وكراهة لأعداء الله ! ويهزّ عروش الطغاة هزّا، ويزلزل الباطل زلزالا !
لقد ذكرتم الله ذكرا، وحمدتموه حمدا، وصمتم له صياما،وبتّم له سجّدا وقياما،وإذا تلوتم أو تليت عليكم آياته خررتم سجّدا وبكيّا !
ولقد كان المشهد في ميدان رابعة العدوية وغيره من ميادين الشرعية طوال شهر رمضان، وقبل رمضان، وبعد رمضان، مشهدا أخّاذا جذّابا ! كان مشهدالم يُر مثله في تاريخ الإنسان!  
كانت الميادين كلها، وكأنها بحار زاخرة من البشر، وهؤلاء البشر كلهم بهدوئهم، وصلاحهم، وإخائهم، وإيثارهم،وسماحتهم وطهارتهم، ورحابة صدورهم، وإشراق وجوههم كانوا، وكأنهم أفواج من الملائكة نزلوا من السماء، حتى ينقذوا البشرية مما تتقلب فيه من بؤس وشقاء !
مشهد كله تسبيح وتحميد، وسجود وقنوت، وإنابة وإخبات، وحب وشوق إلى الله !
مشهد كله مقت وكراهية للطاغوت، وحنين وتشوّف إلى دين الله وشرع الله !
مشهد كله همة عالية شامخة لنصر دين الله، وعزيمة صادقة متوثّبة لإعلاء كلمة الله !
مشهد يحتوي على مئات الملايين من البشر،وكلهم نذروا حياتهم لدحر الطاغوت والطغيان من وادي النيل، وأرض الكنانة !!
 كنا نتابع تلك الأخبار عن شحط، وكنا نشاهد تلك الصور المتحركة على الشاشة بحرص، فكنا نشتاق إليكم شوقا، ونودّ لو أن لنا أجنحة نطير بها إليكم، حتى نشاطركم همومكم وأحزانكم ! ونساعدكم   في جهادكم وكفاحكم !
  أسرب القطا هل من يعير جناحه  **  لعلي إلى من قد هويت أطير !
 واهاً لكم ! ثم واهاً واهاً يا فتية الإسلام ! فقد ذكرتم الله في زئير الرصاصات وأزيز القنابل، حتى سالت أنهار من دمائكم الطاهرة الغالية! وتناثرت على الأرض أشلاء وأشلاء يملؤها إيمان وإشراق! وسقط منكم آلاف من الأبرياء الأتقياء، الذين كانوا مفخرة للإسلام والمسلمين، وكانت تعتزّ بهم الأرض والسماء !
 فلم يفتّ ذلك في عضدكم، ولم يفتّر عزيمتكم،بل زادكم إيمانا وتسليما !
وهنا تحضرني تلك الأبيات الحارّة الرائعة، التي قالها شيخ المحدثين عبد الله بن المبارك، وأرسلها إلى الفضيل بن عياض ينكر عليه اعتزاله ومجاورته للحرمين الشريفين ، ويعاتبه على تركه للجهاد في سبيل الله ! بعث له تلك الأبيات من طرسوس، بعد معركة من معاركه قبل أن ينفض عنه غبار المعركة :
 يا عابد الحرمين لو أبصرتنا  **  لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب جيده بدموعه ** فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل  **  فخيولنا يوم الكريهة تتعب
ريح العبير لكم، ونحن عبيرنا  **  رهج السنابك والغبار الأطيب
ياشباب الإخوان،ويا فتية الإسلام ! حقّاً، إذا رأيناكم في اعتصاماتكم ومظاهراتكم، والجوّ كله جو الإيمان والتقوى واللجوء إلى الله، ورأيناكم تذكرون الله،وتهللون وتسبحون، وترفعون شارات الإيمان في وجه الطغيان!
ترفعون شارات الإيمان بكل قوة وحرارة، وبسلميّة رائعة مدهشة ! والرصاصات تشوي أجسامكم، و تخضب نحوركم بدمائكم، والدبابات من تحتكم، والصواريخ من فوقكم تتحداكم، وتسخر من صمودكم ، وشموخكم !
إذا رأيناكم يا شباب الإسلام ! في مثل تلك الأوضاع الحرجة الخانقة ! إذا رأيناكم في الأوضاع التي تُرهب الشجعان، وتُشيب الولدان !
ثم رأيناكم ترفعون راية الإيمان في وجه الظلم والطغيان من غير خوف ولا ضعف ولا وهن! وبسلميّة رائعة مدهشة ! بسلميّة كاملة ليس لها نظير في تاريخ الأمم !
إذا رأيناكم ورأينا إنجازاتكم المؤمنة المدهشة، استحيينا، وربّ الكعبة ! من إيماننا، واستحيينا من عباداتنا، وأدركنا أننا في العبادة نلعب ! وكم من سواد المسلمين من خاصّتهم وعامّتهم، وعلمائهم ومشائخهم يلعبون في عباداتهم ! فالله المستعان !
لقد أحسنتم يا شباب الإسلام! فنّ الموت، وأحسنتم فن البذل والتضحية، فلابد أن توهب لكم الحياة! ولابد أن يلبسكم ربكم حلل الحرية والكرامة عاجلا أو آجلا. فشجرة الحياة والحرية، وشجرة العزّ و الكرامة لاتنبت إلا بدماء الشهداء، ودماء المجاهدين !
ودماء الشهداء،ودماء المجاهدين في سبيل الله أعز عند الله من أن تذهب هدرا ! فكل قطرة من تلك القطرات الطاهرة الزاكية ستتحول بإذن الله إلى صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، وستدمّر تلك الأحزاب التي تحالفت وتواطأت على الظلم والطغيان، وتواطأت على إطفاء نور الله ! والله متم نوره ولوكره الكافرون !
لابد أن تنتكس راية الظلم والطغيان في وادي النيل، ولابد أن ترفرف فيه راية الإيمان والسلام !
فشعب وادي النيل شعب عظيم، شعب أنِفٌ أبيٌّ كريم، شعب لهم بطولاتهم وتضحياتهم !شعب لهم مواقفهم وأيامهم !
شعب لايتنازلون عن حريتهم وكرامتهم، ولايتنازلون عن إراداتهم وطموحاتهم، ولو كلّفهم ذلك ما كلّف ! ولقد جرّبهم الزمان،واختبرهم مرات ومرات !
وكل اختباركان حجة على جلدهم وصمودهم وحسن بلائهم وشدة مراسهم،وشدة شكيمتهم ولقد صدق من قال: ولايكشف الفتيان غير التجارب !
والأمة التي تستعذب الموت في سبيل الله، وتستعذب الموت في سبيل الحرية والكرامة،هي التي تعيش، وهي التي تعتلي صهوة الحياة ! وهي التي تستوي على صهوة العزّ والكرم والسؤدد! فالنصر آتٍ بإذن الله عن قريب، وقد ظهرت الآثار والبشائر التي تبشرنا بالخير والفرج،وحسن العاقبة، والحمد لله.
 وفي الختام أحب أن أهدي إليكم يا فتية الإسلام !كلمة نيّرة رائعة قالها السلطان (تيبو) وهومن سلاطين الهند، و كان بطلا عظيما من أبطال الإسلام !
وكان معروفا مثل رئيسنا وقائدنا محمد مرسي، بجدّه، وصرامته، ونزاهته، وكفاءته، وشجاعته،وحسن بلائه في خدمة دينه ووطنه، وكان موضع حب وتقدير لدى المسلمين وغير المسلمين في ولايته، بما كان يتحلى من صفات القائد القوي الأمين.
وكان الرجل محسودا من جيرانه الحكّام والأمراء مثل الرئيس محمد مرسي ! وحينما دخل الإنجليز في الهند، مثلما دخلوا في بلاد العرب، عارضهم السلطان(تيبو) وقاومهم أشد مقاومة،ودخل معهم في حرب ضروس متتابعة،وسجّل عليهم انتصارات رائعة باهرة في بداية الأمر.
 ولكن تلك الانتصارت الرائعة الباهرة أقلقت بال جيرانه من الحكّام والأمراء، وأقضّت عليهم مضاجعهم، فكادوا له كيداً،وظاهروا عليه أعداءه الإنجليز، فاشتدت عليه الظروف، واشتدت المحنة !
ولكن الرجل كان أبيّا شجاعا مستبسلاً، فلم يستسلم للإنجليز ،واستمرّ في الكفاح،مع أنه كان مهدّدا بالقتل بحكم الظروف التي تحيط به،وقال حينئذ كلمته الأخيرة الرائعة الخالدة على مرّ الزمان:
(لأن أعيش يوما واحدا كمثل الأسد أحبّ إلي من أعيش مائة سنة كمثل ابن آوى !!)
ولم يزل يزأر زئير الأسد في وجوه الإنجليز، وظلّ يهدّهم هدّا بسيفه الكبير البتار،حتى سقط شهيدا في ساحة الجهاد، رحمه الله،وبرّد مضجعه، وأسكنه فسيح جناته.
والفارق بين السلطان (تيبو)رحمه الله، وبين رئيسنا وقائدنا محمد مرسي- كفاه الله شرالأعداء-أن السلطان (تيبو) لم يتهيأ له ما تهيأ للرئيس محمد مرسي من شعب أنِفٍ أبيٍّ كريم ! هولم يجد أمثالكم يا فتية الإسلام ! ويا شباب النيل ! فكانت الكارثة ! وكانت المأساة !ولن تتكرر تلك الكارثة، وتلك المأساة في مصرالحبيبة بإذن الله، مادام أن هذا الشعب الأبيّ الكريم مصرّ على رفض هذا الذلّ، ومصرّ على رفض هذا الظلم.
وإذا تيسر لرئيس مثل هذا الشعب المؤمن الأبيّ الكريم، فرحمة الله ونصره قريب من المحسنين.واسمعوا يا فتية الإسلام ! واسمعوا ياشباب النيل ! يناديكم ربكم:
  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين