محمد الفاتح فاتح القسطنطينية - من قادة المسلمين
محمد الفاتح
فاتح القسطنطينية
833هـ 886هـ
بقلم : خالد بيطار
هو محمد بن مراد بن محمد بن بايزيد، وينتهي نسبه إلى عثمان بن أرطغل.
ولد في أدرنة سنة (833هـ)، وقضى طفولته فيها، وهي عاصمة العثمانيين قبل فتح القسطنطينية، وأبوه مراد الثاني، له شهرته الواسعة في تثبيت الدولة العثمانية والفتوحات... وقد ربَّى ولده تربية خاصَّة، جسمياً وعقلياً وروحياً، وعندما شبَّ ولاه ـ رغم صغره ـ على بعض الولايات ليدربه على شؤون الحكم والإدارة، وكان يصحبه معه في المعارك ليعتاد على الحرب، ويتعلم القيادة العسكرية، ويتمرَّس بأساليب القتال.
وفي عام (848هـ) تنازل له أبوه عن السلطنة وولاه مكانه ولم يتجاوز عمره الرابعة عشرة، ولكن الأعداء تكالبوا على الدولة فعاد السلطان مضطراً ليحارب ويثبت الدولة مرة أخرى، وبقي إلى أن توفي عام (855هـ) الموافق: (1451م)، واستلم محمد الدولة وعمره اثنتان وعشرون سنة، وحمل العبء وقام به حقَّ القيام، بل فاق أسلافه من السلاطين، ولم يرتق أحدٌ مثل ما ارتقى.
أحاطت به الأخطار من كل جانب فتغلب عليها وبدَّدها، وأول ما بدأ في السلطة أخذ يستعد لإكمال فتح ما بقي من بلاد البلقان، وقد حقق ذلك وقاد حملة لإخضاع بعض المتمردين عليه، وانتصر في حملته، وبينما كان في حملته هذه جاءه إنذارٌ من الإمبراطور البيزنطي يطلب منه بعض الطلبات ويهدِّده، فما كان منه إلا أن تحول إلى الهدف الذي وضعه أمام عينيه، وكان سلاطين بني عثمان توصي به، وهو فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وأخذ يستعد ويحشد ويبني القلاع لذلك، حتى تم له ما أراد من التهيؤ والاستعداد، البري والبحري، وتحرك للفتح...
وكان تحركه في عام(857هـ) الموافق: (1453م) وذلك بعد سنتين من استلامه الحكم، وكان عدد الجيش البري الذي حشده مائتين وخمسين ألف جندي، وعدد السفن البحرية مائة وثمانين سفينة، وركز حول المدينة أربع عشرة بطارية مدفعية ضخمة تقذف كرات من الحجر، ويقدر وزن الكرة بـ (300) كغم.
وبقي في حصاره للمدينة شهرين من بداية نيسان إلى نهاية أيار، وبذل هو والجنود جهوداً مضنية حتى تم له الفتح، ومما زاده حماساً وزاد جنوده حماساً أيضاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش جيشها» [ أخرجه : أحمد في المسند والحاكم في المستدرك].
ودخل محمد المدينة، وأمر بوقف القتال، ومنع الاعتداء، وأطلق عليها اسم (إسلام بول) أي: مدينة الإسلام أو عاصمة الإسلام، وسمح للمسيحيين أن يقيموا شعائرهم من غير أن يقاومهم أحد من المسلمين المنتصرين، وأعلن أن المدينة أصبحت عاصمة للخلافة الإسلامية، وشجع على السكن فيها، وأغرى العلماء والفقهاء أن يُقيموا فيها، وفتح المدارس والزوايا للعلم والعلماء، وأقام المناظرات العلمية، وشارك فيها، حتى صارت المدينة المركز الفكري الأول، وبعد أن استقرَّ في العاصمة الإسلامية، بدأت المهمة الصعبة وهي المحافظة على هذا الفتح، بدوام الاستعداد والمواجهات وقد حسب لهذا الحساب.
لم يبطره الفتح رغم فورة الشباب والعزم، ولم يتكبر أو يتجبر، بل ظل على تواضعه وطبيعته السمحة، واستمر في قيادته للجيش ومتابعة الفتوح والمواجهات.
وحاولت الصليبية أن تهاجم الدولة، وتجمع المتحمسون من المسيحيين لخوض المعركة انتقاماً، لكن محمد الفاتح ردهم على أعقابهم وألزمهم حدودهم، بل فرض على بعض البلدان أن يدفعوا له الجزية، وصار أعظم ملوك الأرض في زمنه، وصارت كلمته وسلطانه ومكانته ليس لها مثيل في ذلك الوقت.
والتفت مع تلك المصادمة إلى الدولة، فنظمها تنظيماً حسناً، وكانت قد توسعت. وسن القوانين المناسبة، وشجع على العلم والتعلم، وخصص رواتب للعلماء والطلاب، وشجع على العمل والإنتاج، وخصص الجوائز للمتفوقين، وبكلمة جامعة: بنى الدولة بناءً جديداً، ونظمها إدارياً وعلمياً وروحياً، ونشر العدل والأمان في ربوعها... وأعاد سيرة الخلفاء الراشدين.
كان يخرج بنفسه للغزوات، ويجلس بنفسه للمظالم، وكثيراً ما كان يعس بالليل ويجوب الطرقات ليتعرف على أحوال الناس بنفسه، ويسمع أقوالهم...
بنى المساجد والمعاهد، والمستشفيات والحمامات، والخانات والأسواق، والحدائق العامة وكان كثير الإشفاق على الفقراء والمساكين، باراً بهم. عني بالتجارة والصناعة وعمَّ اليُسْر والرخاء في عهده في جميع البلاد.
وتوفي في مدينة (أسكدار) سنة ثمانمائة وستٍ وثمانون للهجرة وعمره ثلاث وخمسون سنة، وكان في بعض الغزوات التي لم يتوقف عن الخروج والمشاركة فيها طيلة عمره.
ومما يذكر أنه بنى مسجد الفاتح في القسطنطينية، ولا يزال إلى الآن يدل على عظمة البناء والباني، وعلى المجد الذي وصل إليه محمد الفاتح، وبنى مسجد أبي أيوب الأنصاري عند قبره، وهذا من أوائل أعماله بعد الفتح، إذ بحث عن قبره فوجده، وكان قد دُفن تحت أسوار القسطنطينية عندما حاصرها المسلمون في عهد معاوية بن أبي سفيان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين